تصريحات المحللين السياسيين إياد أبو زنيط وأمجد شهاب خلال حديثهما إلى برنامج “ستوديو وان مع فضيلة” على”سكاي نيوز عربية” عكست حجم القلق من فراغ القيادة المحتمل، ومن التنازع على الشرعية داخل مؤسسات السلطة وحركة “فتح”، وسط تساؤلات حول موقع “حماس” ومروان البرغوثي في معادلة الخلافة المقبلة.
أبو زنيط: السلطة أمام مأزق شرعية وواقع منقسم
يرى إياد أبو زنيط أن اللحظة الفلسطينية الراهنة تعيش حالة من الانسداد السياسي، مؤكداً أن الرئيس عباس نجح في تثبيت مركزية القرار بيد القيادة الحالية، لكنه في المقابل، “أضعف البنية المؤسساتية التي كان يمكن أن تضمن انتقالاً سلساً للسلطة بعده”.
ويشير إلى أن غياب التوافق الداخلي يجعل أي مرحلة انتقالية “مرشحة للتنازع”، موضحاً أن الانقسام بين الضفة وغزة ليس مجرد انقسام جغرافي بل بنيوي، إذ أنتج نظامين سياسيين منفصلين بعقلين مختلفين: الأول يدار بمنطق السلطة التقليدية، والثاني بمنطق المقاومة.
ويضيف أبو زنيط أن “فتح تعاني أزمة هوية داخلية”، بين تيار يرى ضرورة الحفاظ على إرث أوسلو والعلاقات مع واشنطن، وتيار آخر يعتبر أن تلك المرحلة انتهت، وأن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى قيادة “أقرب إلى نبض الشارع”، وهو ما يعيد طرح اسم مروان البرغوثي بقوة.
البرغوثي.. الرمز الحاضر رغم الغياب
بحسب أبو زنيط، يمثل البرغوثي “شخصية توحيدية” قادرة على الجمع بين شرعية النضال وشرعية التنظيم، وهو ما يجعله “الخيار المفضل لدى قواعد فتح، إن أُتيح له المجال السياسي”.
لكنه يشير بوضوح إلى أن إسرائيل “لن تسمح بسهولة بخروجه من السجن”، لأنها تدرك أن ذلك سيُحدث تغييراً جذرياً في المعادلة الفلسطينية الداخلية.
ويرى أن الحديث عن البرغوثي ليس مجرد “رمزية عاطفية”، بل يعكس حالة الرفض الشعبي للواقع السياسي الراهن، إذ “يراه كثيرون مرشحاً قادراً على إعادة بناء الشرعية المفقودة”، مقابل قيادات فقدت الثقة الشعبية مع طول بقاءها في المشهد.
ومع ذلك، يحذر أبو زنيط من أن البرغوثي وحده لا يستطيع إنقاذ النظام السياسي ما لم تُستعد الوحدة الوطنية وتُجدّد مؤسسات منظمة التحرير على أسس ديمقراطية واضحة، مضيفاً أن “استمرار الانقسام سيجعل أي خليفة لعباس ضعيفاً مهما كانت مكانته الرمزية”.
شهاب: معركة خلافة عباس ستُحسم في الميدان السياسي لا في الصندوق
من جانبه، يرى أمجد شهاب أن الحديث عن “انتخابات حرة” بعد عباس أقرب إلى الوهم السياسي، لأن البنية القائمة لا تسمح بإجراء اقتراع شفاف في ظل الانقسام والأمن المتعدد الولاءات.
ويقول إن تجربة الفلسطينيين خلال السنوات الماضية أثبتت أن السلطة تميل إلى “تغليب الاستقرار على التغيير”، ما يعني أن “الخلافة المقبلة ستكون نتاج توازنات داخلية وإقليمية أكثر منها تعبيراً عن إرادة الناخب”.
ويضيف شهاب أن “فتح” تخشى من أي فراغ في السلطة، ولذلك بدأت منذ الآن محاولات لتثبيت شخصيات قادرة على استمرار النهج الحالي دون صدام، في إشارة ضمنية إلى أسماء مثل حسين الشيخ وماجد فرج، اللذين يُنظر إليهما كأقرب المرشحين لخلافة عباس من داخل الدائرة الضيقة للسلطة.
لكنه يؤكد أن تلك الأسماء “تفتقر إلى الحاضنة الشعبية”، وأن بقاء الوضع كما هو عليه يعني “استمرار فقدان الشرعية السياسية والمؤسساتية”، ما يفتح الباب أمام حماس لتوسيع نفوذها السياسي والشعبي في الضفة الغربية.
حماس.. لاعب ينتظر لحظة الفراغ
في قراءة شهاب، تراهن حركة “حماس” على لحظة انتقال السلطة باعتبارها “فرصة تاريخية” لإعادة صياغة موقعها السياسي في المشهد الفلسطيني.
ويرى أنها “تتحرك بذكاء تكتيكي”، حيث تتجنب الصدام المباشر حالياً مع السلطة في الضفة، لكنها تعمل على توسيع حضورها التنظيمي والاجتماعي، تمهيداً لأي فراغ قادم.
ويعتبر أن حماس، برغم أزماتها في غزة، “تمتلك أدوات ضغط إقليمية من خلال علاقاتها مع محور المقاومة”، إضافة إلى رصيد من “الشرعية الميدانية” التي اكتسبتها في مواجهاتها مع إسرائيل، ما يمنحها قدرة على فرض نفسها في أي ترتيبات مستقبلية.
ويحذر شهاب من أن أي صدام بين فتح وحماس في لحظة غياب عباس قد يدفع نحو سيناريو شبيه بلبنان أو العراق، أي “تعدد مراكز القوة وغياب القرار الموحد”، ما يهدد بتفكك النظام السياسي الفلسطيني بالكامل.
الشارع الفلسطيني بين الإنهاك والانتظار
يتفق أبو زنيط وشهاب على أن الشارع الفلسطيني بات مرهقاً من الصراعات الفصائلية، وأن الثقة بالقيادة السياسية في أدنى مستوياتها منذ تأسيس السلطة.
ويقول أبو زنيط إن المواطن الفلسطيني لم يعد يرى في مؤسسات السلطة سوى “رمز إداري بلا مشروع”، فيما يشير شهاب إلى أن “الجيل الشاب بات يبحث عن بديل يعيد المعنى الوطني، لا عن صراع مواقع داخل النخبة التقليدية”.
ويؤكدان أن حالة الجمود هذه “قد تدفع نحو بروز قوى شبابية أو ميدانية جديدة”، خصوصاً في الضفة الغربية، حيث تضعف قبضة السلطة تدريجياً وتزداد المبادرات الفردية المقاومة للاحتلال.
نظام بلا وريث واضح
في ختام قراءتهما، يلتقي أبو زنيط وشهاب عند نقطة مركزية: أن المرحلة المقبلة في فلسطين ستتحدد بمدى قدرة القوى السياسية على الاتفاق قبل رحيل الرئيس عباس، لا بعده.
فغياب التنسيق المسبق سيحوّل الخلافة إلى أزمة مفتوحة، فيما استمرار الانقسام يعني ترسيخ سلطة الأمر الواقع في غزة والضفة كل على حدة.
ويخلص شهاب إلى أن أي انتقال سلس للسلطة يتطلب “تفاهمات داخلية برعاية إقليمية واضحة”، بينما يرى أبو زنيط أن “الوقت يضيق أمام إصلاح النظام السياسي من الداخل”، محذراً من أن التأجيل المستمر للحسم قد يجعل من ما بعد عباس مرحلة اضطراب طويلة، لا انتقال منظم للقيادة.


