فقد أثارت الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلًا واسعًا، خاصة مع ما تضمنته من حديث عن سيطرة أميركية محتملة على غزة، وتهجير الفلسطينيين منها، وهو ما وُوجه برفض عربي ودولي.
في المقابل، شهدت الساحة تحركات عربية مضادة تهدف إلى إعادة توجيه البوصلة نحو حل الدولتين، وهو ما يتجلى في القمة العربية الطارئة المرتقبة في القاهرة، والتي تسعى إلى مواجهة التحديات المفروضة على القضية الفلسطينية. فهل تنجح الجهود العربية في إحباط الطروحات الأميركية الإسرائيلية بشأن غزة؟.
خطة ترامب.. رؤية أميركية مثيرة للجدل
يطرح ترامب رؤيته لمستقبل غزة من خلال التركيز على إزالة حكم حماس وإيجاد إدارة جديدة بديلة، وهو ما أكده المدير التنفيذي لمركز السياسة الأمنية فريد فليتز، خلال حديثه لغرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية الذي أشار إلى أن ترامب يرى أن “حماس منظمة إرهابية مدعومة من إيران، ويجب منعها من إدارة القطاع”، مضيفًا أن الرئيس ترامب يعتقد أن العالم قد يتجاهل غزة بعد انتهاء الحرب، مما يجعل الوضع القائم غير مقبول لإسرائيل والولايات المتحدة”.
لكن المشكلة الرئيسية في خطة ترامب لا تكمن فقط في تفاصيلها، بل في إمكانية تنفيذها على أرض الواقع، حيث يعتبر فليتز أن “السيطرة الأميركية على غزة تُعتبر صعبة جدًا، ومن غير المحتمل أن يوافق عليها الكونغرس الأميركي”، مشيرًا إلى أن “مقترحاته قد تكون صعبة القبول في المنطقة”.
ومع أن إدارة ترامب السابقة كانت داعمة لإسرائيل بشكل غير مسبوق، إلا أن التحديات اللوجستية والسياسية تجعل من تنفيذ خطته أمرا معقا، خاصة في ظل الرفض الفلسطيني والعربي القاطع لأي سيناريو يتضمن تهجير السكان أو فرض وصاية خارجية على غزة.
التحرك العربي.. وحدة الموقف في مواجهة الضغوط
في مواجهة هذه المقترحات، تبذل الدول العربية جهودًا دبلوماسية مكثفة، حيث أكد الإعلامي المتخصص في الشؤون الفلسطينية، وائل محمود أن “القمة العربية القادمة ستكون حاسمة في دعم الشعب الفلسطيني ومواجهة أساليب التهجير والسيطرة على الأراضي”، مشيرًا إلى أن “الموقف العربي يُتوقع أن يكون موحدًا في رفض المخططات التي تتجاهل حقوق الفلسطينيين”.
بدوره، يرى الأكاديمي والباحث في مركز ربدان للأمن والدفاع، سعيد الزغبي أن “العرب لم يعودوا ينتظرون تحركات الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، بل بدأوا في اتخاذ خطوات فاعلة لإعادة صياغة الحلول بما يخدم مصلحة الفلسطينيين”، موضحًا أن “اللقاء بين ترامب ونتنياهو وحدّ العالم العربي وجعله في موقف الفعل بدلًا من رد الفعل”.
ومن المقرر أن تناقش القمة العربية في القاهرة جهود إعادة إعمار غزة وفق رؤية عربية، وهو ما ينسف عمليًا أي محاولات لفرض وصاية أميركية أو دولية على قطاع غزة، حيث يؤكد الزغبي أن “الدول العربية تدرك خطورة السماح بأي تدخل خارجي في إدارة غزة، ولذلك فإن التركيز الآن ينصب على توحيد الموقف الفلسطيني وتعزيز الدعم العربي لمبادرة حل الدولتين”.
غياب وحدة الصف الفلسطيني
رغم الجهود العربية، تبقى أزمة الانقسام الفلسطيني أحد أبرز العقبات أمام أي تحرك دبلوماسي ناجح، حيث يشير وائل محمود إلى أن “التحدي الأكبر أمام الفلسطينيين ليس فقط مواجهة الخطط الخارجية، ولكن أيضًا تجاوز الخلافات الداخلية”، مضيفًا أن “الموقف الفلسطيني لا بد أن يكون موحدًا في القمة العربية القادمة لضمان تحقيق نتائج ملموسة”.
أما سعيد الزغبي، فيحذر من أن “غياب التوافق بين السلطة الفلسطينية وحماس يعقّد المشهد، حيث أن استمرار الانقسام يسهل على إسرائيل والولايات المتحدة فرض حلول تتجاهل الحقوق الفلسطينية”، لافتًا إلى أن “إسرائيل عملت خلال الفترة الأخيرة على إضعاف السلطة الفلسطينية، مما يجعل من الضروري إعادة بناء موقف فلسطيني موحد”.
هل تنجح الضغوط العربية في إحباط خطة ترامب؟
في ظل هذه التطورات، يبرز السؤال الأهم: هل تنجح الجهود العربية في إفشال الطروحات الأميركية بشأن غزة؟
يرى فريد فليتز أن “ترامب، رغم كل الجدل المحيط بمقترحاته، يجبر العالم على مواجهة التناقضات في التعامل مع غزة”، لكنه يعترف في الوقت ذاته بأن “الموقف العربي الصلب يجعل من الصعب تنفيذ أي خطة لا تحظى بقبول إقليمي”.
أما الزغبي، فيؤكد أن “القمة العربية ستبعث برسالة واضحة بأن أي حل لا يشمل إقامة دولة فلسطينية مستقلة لن يكون مقبولًا”، بينما يشدد وائل محمود على أن “إفشال مخططات التهجير يتطلب تحركا سياسيا وإعلاميا مكثفًا لفضح الانتهاكات الإسرائيلية والممارسات الأميركية الداعمة لها”.
صراع مستمر وحسم مؤجل
من الواضح أن مستقبل غزة لا يزال معلقًا بين رؤى متضاربة، فبينما تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إعادة صياغة المعادلة بما يخدم مصالحهما، تتحرك الدول العربية في اتجاه مغاير لتثبيت الحقوق الفلسطينية.
وفي ظل استمرار الانقسام الفلسطيني والتحديات الإقليمية والدولية، يبدو أن الحسم لا يزال بعيدًا، لكن ما هو مؤكد أن الأيام القادمة ستحمل المزيد من التحديات والاختبارات للموقف العربي، ومدى قدرته على فرض رؤيته على المشهد السياسي.