وغالباً ما تُظهر الشركات الصغيرة درجة أعلى من الحساسية، تجاه أسعار الفائدة المرتفعة، والظروف الاقتصادية مقارنةً بالشركات الكبيرة، وذلك لأنها عادةً ما تواجه مستوى أعلى من الديون، وتعتمد بشكل أكبر على التمويل المصرفي لتسيير أعمالها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الشركات الصغيرة غالباً ما تكون أكثر تركيزاً على السوق المحلية من الشركات الكبيرة، مما يجعلها تكافح عندما يضغط التضخم أو الاقتصاد المتعثر على المستهلكين الأميركيين.
أداء الأسهم الصغيرة خلال عقد
ومنذ 1 أغسطس 2014 وحتى 1 أغسطس 2024، حقق “مؤشر راسل 2000” للأسهم الصغيرة عائداً سنوياً بنسبة 8.91 بالمئة، مقارنة بعائدات بلغت 15 في المئة على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” للأسهم ذات القيمة السوقية الكبيرة.
أما على صعيد العام الحالي، فإنه ومنذ بداية عام 2024 وحتى 30 أغسطس، ارتفع مؤشر “ستاندرد آند بورز 600” للأسهم ذات القيمة السوقية الصغيرة ومؤشر “راسل 2000” للأسهم الصغيرة بنسبة 8.4 في المئة و10.4 بالمئة على التوالي، بينما حقق مؤشر ستاندرد آند بورز “500” عائداً بلغ 19.5 في المئة.
وبحسب تقرير أعدته صحيفة “وول ستريت جورنال” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يقول نيك كاليفاس، رئيس قسم استراتيجية الصناديق المتداولة في البورصة في Invesco، إن الشركات الصغيرة كانت متخلفة عن الركب لمدة عقد من الزمان، إذ تضررت بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، ما دفع المستثمرين لتجاهلها.
فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، طغت أسهم “العظماء السبعة” التي تتمتع بقيمة سوقية ضخمة، أي أمازون وألفابت وميتا وآبل ومايكروسوفت وإنفيديا وتسلا، على الأسهم ذات القيمة السوقية الصغيرة، التي تتمتع بنفوذ غير متناسب على مؤشريْ “Nasdaq Composite” و”S&P 500″، حيث جذب الأداء المالي المتميز والابتكار المتواصل، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وغيره من المجالات التي تتمتع بإمكانات نمو كبيرة، العديد من المستثمرين نحو الشركات العملاقة، مما أسهم في تعزيز نموها وتأثيرها في الأسواق المالية.
وبحسب “وول ستريت جورنال” يقول خبراء استراتيجيات الاستثمار، إن الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة، تُباع أسهمها الآن بتقييمات منخفضة تاريخياً مقارنة بكل مجموعات الأسهم الأخرى تقريباً، ولكن المحللين والمستثمرين متفائلون بشكل متزايد، بشأن قدرة هذه الشركات على التفوق على الشركات الكبيرة في الأشهر المقبلة، بدفع من احتمالية عدم سقوط الولايات المتحدة، في حالة ركود وانخفاض أسعار الفائدة بما يصل إلى 1.5 نقطة مئوية بحلول نهاية عام 2025.
ويقول سام ستوفال، كبير استراتيجيي الاستثمار في CFRA Research، إنه وفقاً لتقديرات أرباح محللي وول ستريت، فإنه من المتوقع أن تشهد الأسهم المدرجة في مؤشر “S&P SmallCap 600” ارتفاعاً بنسبة 22.1 بالمئة في الأرباح في عام 2025 مقابل 14.8 في المئة لمؤشر “S&P 500”.
من جهته يقول مايك بالمر، المدير الإداري لشركة Ark Royal Wealth Management، إن الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة رخيصة حالياً، لذا فهذا وقت جيد للشراء، لافتاً إلى أنه بالنسبة للعديد من المستثمرين، قد يبدو ما يحدث وكأنه لعبة معاكسة، نظراً لأن أسهم الشركات المعروفة بـ”العظماء السبعة” تواصل دعم السوق، ولكن الارتفاع في هذه الشركات قد لا يستمر إلى الأبد.
ووفقاً لبيانات شركة الخدمات المالية Morningstar Direct فقد بدأ المستثمرون بالفعل بشراء أسهم الشركات الصغيرة، إذ استحوذت صناديق الأسهم الصغيرة المتداولة في البورصة على صافي 25.1 مليار دولار أميركي خلال أول 8 أشهر من 2024، وهو ما يقرب من ثلاثة أمثال مبلغ الـ 9.4 مليار دولار أميركي المستثمر خلال نفس الفترة من عام 2023.
ويقول استراتيجي الأسواق المالية في First Financial Market جاد حريري، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه بعد قيام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع معدلات الفائدة إلى نطاق 5.50 بالمئة خلال فترة زمنية قصيرة، تتحضر الأسواق حالياً لبدء مسار تراجع اسعار الفائدة.
وتشير توقعات الأسواق إلى احتمال قيام الفيدرالي، بخفض الفائدة بواقع 100 نقطة أساس من الآن وحتى نهاية 2024، على أن يكون حجم الخفض الذي سيشهده شهر سبتمبر الحالي بواقع 50 نقطة اساس، مشيراً إلى أن هذا الخفض المتوقع حدوثه، هو نتيجة لارتفاع معدلات البطالة، وتراجع بيانات الوظائف (غير الزراعية) في أميركا، ما يعزز المخاوف من امكانية أن يواجه اقتصاد البلاد ركوداً، خصوصاً أن معدلات البطالة في الولايات المتحدة، ارتفعت فوق مستويات الـ 4 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، في الوقت الذي تراجع فيه التضخم لمستويات 2.5 و2.6 بالمئة.
ما الذي يحدد إتجاهات السوق؟
وبحسب الحريري فإنه في الوقت الذي تتوقع فيه الأسواق خفض الفائدة بـ 50 نقطة أساس بعد أيام قليلة، قد تأتي المفاجأة من الفيدرالي الأميركي بتخفيض الفائدة بـ 25 نقطة، في حين أن قيامه بتخفيضها بنسبة 50 نقطة، فيعني أنه يبعث برسالة للأسواق، مفادها أن هناك خللاً غير معلن عنه يحصل.
وأضاف أنه يوجد إشكالية من المهم جداً التطرق إليها، وهي أن تحديد اتجاه الأسواق في المرحلة المقبلة، لن تكون له علاقة بارتفاع مستويات التضخم أو انخفاضها، فالأسواق تركز حالياً على احتمالية حدوث ركود في الاقتصاد الأميركي بالاضافة إلى معدلات البطالة، ومن هذا المنطلق فإن تخفيض أو ارتفاع اسعار الفائدة، لن تكون له علاقة بارتفاع أسعار الأسهم او انخفاضها.
ويضيف الحريري إن الجميع يدرك أن الشركات الكبيرة التي يصفها البعض أنها “أكبر من أن تفشل”، بغض النظر عما يحدث الاقتصاد الاميركي قد تشهد بعض التصحيحات، ولكن الشركات الصغيرة تكون أكثر تضرراً كونها لا تملك ملاءة مالية، أو سيولة عالية مقارنة بالشركات الكبيرة، لافتاً إلى أن الشركات الصغيرة تعمل فقط على صعيد محلي أما الشركات الكبيرة فتعمل على صعيد عالمي ومحلي، وبالتالي فإن احتمالية حدوث ركود في أميركا، ومعاناة الاقتصاد من أوضاع صعبة، سيؤثران أولاً على الشركات الصغيرة ومن ثم الشركات الكبيرة التي تكون أقل ضرراً.
ويعتقد الحريري أنه ليس بالضرورة أن ترتفع أسعار أسهم الشركات الصغيرة، اذا ما تم تخفيض أسعار الفائدة، لأنه بمجرد انطلاق مسار تراجع الفائدة سوف تتحول الأسواق إلى تسعير الركود الاقتصادي، وبالتالي فإن النصيحة التي توجّه للمستثمرين في هذه الحالة، هي انتظار أحداث الربع الرابع من هذا العام، لمعرفة الإتجاه الذي ستسلكه الأسواق، مشدداً على أنه لا يمكن الربط بين خفض معدلات الفائدة وارتفاع اسهم الشركات الصغيرة، فتسعير الأسواق للركود الاقتصادي وتراجع النشاط الصناعي، هما العاملان المؤثران على الاسواق.
ووفقاً لتقرير “وول ستريت جورنال” الذي اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإنه نظراً للتحديات الناتجة عن شراء أسهم الشركات الصغيرة، يحذر المستشارون الماليون من أن هذه الشركات تشكل مخاطر وتكاليف فريدة للمستثمرين الأفراد، فبحسب بيل هينش، وهو مدير المحفظة في صندوقFirst Eagle Small Cap Opportunity Fund (FESCX)، فإن الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة، أكثر تقلباً من الشركات ذات القيمة السوقية الكبيرة وهي أقل سيولة، لذا قد يكون تداولها مكلفاً.
ويشدد المستشارون الماليون على ضرورة أن يضع الأفراد في اعتبارهم، أن صناديق المؤشرات المتداولة، تقدم نهجاً مختلفاً للاستثمار في الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة، فمثلاً يركز صندوق iShares Russell 2000 Growth ETF (IWO) الذي تبلغ قيمته 11.8 مليار دولار أميركي، على أسهم الشركات التي أظهرت مكاسب أفضل من المتوسط في الأرباح، ولديها إمكانات عالية لنمو الأرباح، في حين يركز صندوق Vanguard Small-Cap Value ETF (VBR) الذي تبلغ قيمته 30.1 مليار دولار أميركي، على أسهم الشركات المقومة بأقل من قيمتها الحقيقية والتي تتمتع بأساسيات جيدة.
وهناك أيضاً مجموعة متنوعة من أنماط الاستثمار الأخرى، التي تستخدمها صناديق المؤشرات المتداولة للشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة، مثل تداول الزخم والاستثمار في الأرباح.
ويلاحظ كبير استراتيجيي الاستثمار في مؤسسة تشارلز شواب للخدمات المصرفية والوساطة والاستشارات المالية، كيفن جوردون، أن 40 في المئة من الأسهم المدرجة في مؤشر “راسل 2000” هي شركات ليست لديها أرباح، ولذلك فإن فحص الربحية أمر مهم، إذا كان الفرد يريد أن يستثمر في الشركات الصغيرة، كما يجب فحص قدرة الشركة على تغطية الفائدة المرتفعة، في حال كانت لديها ديون، حيث أن الانخفاض الكبير في أسعار الفائدة سيستغرق وقتاً.
وفي نهاية المطاف، فإن الاستثمار في أسهم الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة، هو في الواقع استثمار طويل الأجل وقد يستغرق الأمر بعض الوقت لتحقيق مكاسب كبيرة، كما يقول روبرت هارفي، المستشار المالي المعتمد ونائب الرئيس في Dimensional Fund Advisors، وهي شركة استثمارية معروفة بالاستثمار في أسهم الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة، والتي تطبق البحوث الأكاديمية على سلوك السوق.