في حين يرى خبراء أنه لتحقيق طموح مودي هناك أربعة قطاعات حيوية يجب على الحكومة التركيز عليها وهي تطوير البنية التحتية، تعزيز التصنيع، مكافحة البطالة المرتفعة، وزيادة الاستثمارات الأجنبية، ومع ذلك يشيرون إلى أن الطريق نحو تحقيق هذا الهدف ليس سهلاً، خاصة في ظل التحديات الحالية.
فخلال السنوات الماضية، شهدت الهند نمواً اقتصادياً ملحوظاً، ولكن الاستمرار في هذا الزخم يتطلب جهوداً مستدامة وإصلاحات جذرية، ومع انخفاض الثقة في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بعد عدم تحقيقه أغلبية مطلقة في مجلس النواب، أصبح من الضروري على الحكومة أن تجد أرضية مشتركة وتبني توافقات مع شركائها في الائتلاف ومختلف مجموعات أصحاب المصلحة، بحسب تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية، واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، فهل يمكن للهند تحقيق هذه الرؤية الطموحة وتصبح دولة متقدمة بحلول عام 2047؟
وتتجه كل الأنظار الآن نحو مودي وتحالفه الذي يقوده حزب بهاراتيا جاناتا لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم الحفاظ على الزخم الاقتصادي والاستمرار في تحسين حياة الملايين في فترة ولايتهم الثالثة على التوالي في المنصب.
ونقلت الشبكة الأميركية عن ريما بهاتاشاريا، رئيسة أبحاث آسيا في “فيريسك مابليكروفت” أنه: “على الحكومة أن تجد أرضية مشتركة وتبني توافقاً في الآراء على جبهات متعددة، ليس فقط مع شركاء التحالف، ولكن أيضاً مع أصحاب المصلحة الآخرين، من أجل تمرير التشريعات الرئيسية في البرلمان وقمع مشاعر معارضة السلطة المتزايدة على الصعيد الوطني”، وحذرت من أن “الفشل في القيام بذلك يمكن أن يؤدي أيضاً إلى المزيد من النكسات السياسية للحزب الحاكم في الجولة المقبلة من انتخابات الولايات المقررة في وقت لاحق من هذا العام”.
ولفت التقرير إلى أن الحكومة الجديدة لم تحدد أولوياتها الرئيسية حتى الآن ومع ذلك يتوقع محللون أن تحتل القطاعات الأربعة المذكورة مكانة مهمة في جدول أعمالها.
معايير صعود سُلم التقدم
في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال الدكتور نضال الشعار الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة “ACY”: “إن تصنيف أي دولة في سُلم التقدم يبنى على معايير موضوعية متعددة وليس فقط على الأرقام، فهناك عدة مجالات يجب أن تجتمع منها ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي وقانوني وعلمي وسكاني إلخ، وبالتالي لكي تحصل الهند على ترتيب في رأس قائمة الدولة المتقدمة يجب أن يحصل تقدماً ملوساً ومضطرداً ومستمراً في جميع هذه المجالات”.
لا شك أنه يمكن للهند الحصول على مراتب متقدمة نظراً لحجم سكانها وتاريخ نموها الاقتصادي الذي تابعناه في السنوات السابقة، ولكن أن يصل حجم الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 30 تريليون دولار فهذا يحتاج إلى معدل نمو مستمر دون انقطاع ولا يقل عن 8 بالمئة، وهو ما يصعب تأكيده أو تحقيقه على الرغم من أن المعدل التاريخي قريب منه نوعاً ما وهو نحو 6.5 بالمئة سنوياً إذ تعد الهند من الدول القليلة التي تحقق هذا المستوى المرتفع في النمو الاقتصادي، بحسب تعبيره.
7 نقاط ضعف
وعلى الرغم من تحقيق الهند معدل نمو جيد غير أن الخبير الاقتصادي الشعار يستعرض عدة مجالات تعني منها البلاد وفقاً لما يلي:
- لا يزال الاقتصاد الهندي يعتمد في نموه على الصناعات الرأسمالية الثقيلة وبالتالي سيكون من الصعب إيجاد وظائف جديدة للكتلة السكانية الشابة التي تشكل 65 بالمئة من إجمالي عدد السكان، فعلى سبيل المثال لا تشكل العمالة في القطاع الصناعي أكثر من 15 بالمئة من قوة العمل في أحسن الأحوال في حين أـن القطاع الزراعي يشكل 45 بالمئة وهذا القطاع بطبيعته لا يحقق نمواً في الناتج المحلي كما القطاع الصناعي أو التكنولوجي، وهذا أيضاً ينطبق على القطاع الخدمي الذي لا يمكن أن يولد فرص عمل بالسرعة المطلوبة كما في القطاعين الصناعي والتكنولوجي.
- لا تزال الهند تعاني من ارتفاع في معدل البطالة العام والذي تراوح بين 7 و8 بالمئة لسنوات عديدة أما معدل البطالة الحضري (معدل البطالة في المدن) فوصل إلى 20 بالمئة وأيضاً فإن معدل الاشتراك في قوة العمل هو الأقل في العالم حيث بلغ 55 بالمئة والمعدل العالمي هو 60 بالمئة.
- لا تزال الهند تعاني من مستوى فقر شديد، فهناك نحو 780 مليون هندي تحت خط الفقر و228 مليوناً تحت خط الفقر المدقع (المطلق) بحسب بيانات الأمم المتحدة.
- مستوى التعليم أيضاً لا يزال منخفضاً حيث تبلغ نسبة الأمية نحو 24 بالمئة، أما عن مستوى المهارات فهناك فقط 14 بالمئة من القوة العاملة من كان لديها تدريباً حرفياً ومهنياً في مجال ما.
- إن القيود على الاستيراد لا تزال شديدة وقاسية والضرائب مرتفعة كما أن الهند تعتمد سياسة حماية المنتجات المحلية مما يشكل عائقاً أمام الانفتاح الاقتصادي.
- لا تزال البيروقراطية سمة واضحة في الدوائر الحكومية والتي تعتبر عائقاً مهماً ايضاً أمام الاستثمارات الأجنبية.
- لا يمكن اعتبار مستوى البنية التحتية من شوارع وجسور وسدود ومرافق قريباً من الدول المتقدمة، حتى لو قارناها مع الصين.
ويرى كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” أن الرؤية الطموحة لا يمكن اعتبارها إلا جزءاً من الحملة الانتخابية السابقة للحزب الحاكم الذي بدأ حالياً دورته الثالثة في الحكم، ومن الممكن اعتبار ذلك جزءاً من الحملة الانتخابية التي بدأت منذ أكثر من عامين.
ويختم بقوله: “لا شك أن الهند أثبتت أنها قادرة على اللحاق بركب النمو الاقتصادي لكن ما جاء في رؤية 2047 لا يمكن أن نؤكده ضمن ما نستخدمه من معايير وعوامل وأرقام ونكتفي بالقول إنه طريق مليء بالتحديات والمصاعب”.
الهند بين الإمكانيات والتحديات الاقتصادية
من جهته، قال عامر الشوبكي مستشار الاقتصاد والطاقة الدولي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “ستكون الهند دولة متقدمة بحلول عام 2047، هذه عبارة شهيرة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أطلقها ضمن 23 خطاباً، والهند حقيقة تمتلك إمكانيات اقتصادية كبيرة بفضل عدد سكانها وأدائها الاقتصادي المثير للإعجاب، إلا أنها تواجه مجموعة واسعة من التحديات لتحقيق هذه الرؤية”.
وأشار الشوبكي إلى أن أهم هذه التحديات تتمثل في البنية التحتية التي تعاني من نقص الاستثمارات، وانخفاض مستوى التعليم، ونقص القوة العاملة الماهرة. بالإضافة إلى ذلك، تفرض الهند تعرفة رسوم استيراد تعد من الأعلى في العالم، وتواجه تحديات تتعلق بتحكم رأس المال والفوارق الكبيرة في الدخل بين المواطنين، مما يعكس وجود طبقية واضحة إلى جانب البيروقراطية المتجذرة.
رغم النمو الاقتصادي الجيد الذي شهدته الهند في السنوات الماضية، حيث نما الاقتصاد بنسبة 7.7 بالمئة في عام 2023 و6.5 بالمئة في عام 2022، أكد الشوبكي أن الاقتصاد الهندي يحتاج إلى النمو بنسبة 8 بالمئة سنوياً لتحقيق رؤية الهند 2047 والوصول بالناتج المحلي الإجمالي إلى ما بين 26 و30 تريليون دولار. وأضاف أن الاقتصاد الهندي، رغم كونه من الأسرع نمواً في العالم في السنوات الأخيرة، إلا أنه فشل في توليد وظائف كافية للمواطنين.
تفاوت القطاعات الاقتصادية
وفيما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية، أوضح مستشار الاقتصاد والطاقة الدولي أن “هناك تفاوتاً كبيراً بينها، فمثلاً يشغل قطاع الزراعة 45 بالمئة من القوى العاملة، لكن ناتجه الإجمالي أقل من قطاعي الخدمات والتصنيع على الرغم من أن قطاع الخدمات هو المحرك للنمو، إلا أنه يعتمد على العمالة المتعلمة لتحقيق النمو، في حين يحتاج قطاع التصنيع إلى تعزيز مهارات العمالة، وهذا يتطلب وقتاً”.
كما لفت إلى أن الفوارق الهائلة في مستويات التعليم بين الأغنياء والفقراء وجودة العمالة المنخفضة تؤثر سلباً على الابتكار وتحسين إنتاجية العمل، مما يمكن أن يعرقل مسيرة الهند نحو تحقيق رؤية 2047.
إن الهند وعلى الرغم من إمكانياتها الاقتصادية الكبيرة تحتاج إلى وقت طويل لتغيير ظروفها الإنمائية، مثل الروتين والبنية التحتية، كما أنه لا تتمتع بعلاقات تعاون قوية مع شبكات التصنيع القريبة منها في آسيا، ولا مع شبكات التصنيع في أوروبا وأمريكا الشمالية، مما يزيد من تعقيد التحديات التي تواجهها في مسيرتها التنموية، وفقاً لما قاله الشوبكي.
تطوير البنية التحتية
وبالعودة إلى تقرير الشبكة الأميركية، فقد أشار إلى أن الهند شهدت دفعة كبيرة في مجال البنية التحتية وقطعت خطوات مهمة في ربط وتحديث الطرق السريعة والسكك الحديدية والمطارات، حيث توقعت شركة الاستشارات (إي واي) في العام الماضي أن تصبح قيمة اقتصاد الهند 26 تريليون دولار بحلول عام 2047، وشددت على أن بناء قدرات البنية التحتية في البلاد سيكون محورياً في تحقيق ذلك.
لكن التقرير أوضح في الوقت ذاته أن الهند لا تزال تتخلف عن الصين في هذا المجال، ويتعين عليها بذل المزيد من الجهود إذا كانت تسعى إلى مسار النمو المرتفع لمواصلة جذب المستثمرين الأجانب.
وفي الميزانية المؤقتة في فبراير، قدرت وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيتارامان أن الإنفاق الرأسمالي سيرتفع بنسبة 11.1 بالمئة إلى 11.11 تريليون روبية هندية (133.9 مليار دولار) في السنة المالية 2025، مع التركيز إلى حد كبير على بناء السكك الحديدية والمطارات، لكن تحسين الاتصال بين المدن لا ينبغي أن يكون مجال التركيز الوحيد، كما أشار سانتانو سينغوبتا، الاقتصادي الهندي في بنك غولدمان ساكس.
وأضاف سينغوبتا: “إلى جانب إنشاء بنية تحتية مادية، تحتاج الهند إلى أن تظل ثابتة في الإصلاحات الهيكلية، إنها بحاجة إلى إنشاء المزيد من البنية التحتية فيما يتعلق بالمصانع، وهذا سيدفع نمو الوظائف في القطاع”.
ومع ذلك سلط محللون الضوء على احتمال مواجهة الحكومة لانتقادات بسبب إمكانية أن يؤدي ضعف موقف مودي إلى صعوبة أكبر في حيازة الأراضي للمشاريع.
وقال ريتشارد روسو كبير المستشارين ورئيس دراسات السياسة الأميركية الهندية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “إن هذه الأهداف قد تكون أكثر صعوبة إذا كان للأحزاب على مستوى الولايات حق نقض شبه رسمي بسبب هيكل الائتلاف”.
تعزيز التصنيع
في العقد الماضي، دفع مودي بقوة نحو اعتماد الهند على نفسها والتغلب على الصين لتصبح أكبر قوة تصنيعية في آسيا وخاصة في تصنيع الرقائق، ويعمل عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة بشكل متزايد على جلب جزء من سلاسل التوريد الخاصة بهم إلى الهند، حيث ذكرت صحيفة فايننشال تايمز في ديسمبر الماضي أن شركة آبل أبلغت موردي المكونات بأنها ستستورد بطاريات من المصانع الهندية لجهاز (آيفون 16) القادم.
وأعلنت شركة (فوكسكون) الموردة لشركة (آبل) أنها ستعزز استثماراتها في الهند، بينما أعلنت شركة (ميكرون تكنولوجي) أنها من المقرر أن تنتج أول شريحة لأشباه الموصلات مصنوعة في الهند بحلول أوائل عام 2025.
وتظهر توقعات شركة (كاونتر بوينت ريسرش) والجمعية الهندية للإلكترونيات وأشباه الموصلات أن قيمة صناعة أشباه الموصلات في الهند ستبلغ 64 مليار دولار بحلول عام 2026، وهو نمو ثلاثة أضعاف من 23 مليار دولار في عام 2019.
مكافحة البطالة المرتفعة
تعد البطالة حالياً واحدة من أكبر المشكلات التي تواجهها أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، كما أن عدم التطابق في المهارات يزيد من تفاقم هذه المشكلة، وهذا سيستمر بالتأكيد على مدار هذا العقد، وربما حتى في الثلاثينيات أيضاً، بحسب سو ميدها داسجوبتا، المحلل الرئيسي في وحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU).
وارتفع معدل البطالة في الهند إلى 8.1 بالمئة في أبريل من 7.4 بالمئة في مارس، وفقًا لمركز مراقبة الاقتصاد الهندي.
زيادة الاستثمارات الأجنبية
ومن المستثمر المخضرم في الأسواق الناشئة مارك موبيوس إلى الاستراتيجي العالمي ديفيد روش، لا يزال خبراء السوق متفائلين بشأن الهند، وتبلغ القيمة السوقية للبورصة الوطنية الهندية 4.9 تريليون دولار، وهي ثالث أكبر سوق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وفقاً لبيانات الاتحاد العالمي للبورصات. ومن المتوقع أن تنمو القيمة السوقية للهند إلى 40 تريليون دولار في العقدين المقبلين.
ونقل تقرير الشبكة الأميركية عن محللين قولهم بأن “الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد تحتاج إلى زيادة وتيرتها لدفع النمو الاقتصادي والتنمية بشكل أكبر،
وقال سينغوبتا من غولدمان ساكس: “إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الهند العام الماضي كانت ضعيفة نسبياً بسبب بيئة تمويل الأسهم الخاصة الصعبة نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، ومن المرجح أن تجتذب الهند المزيد من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من الولايات المتحدة بمجرد انخفاض أسعار الفائدة وتصبح بيئة التمويل أسهل.
وأشار برابهات أوجا، الشريك ورئيس قسم أعمال العملاء الآسيويين في شركة كامبريدج أسوشيتس، إلى أن سهولة الاستثمار في الهند “لا يزال أمامها بعض الطرق لتقطعها” من أجل الاستمرار في جذب الأموال الأجنبية، وأوصى المستثمرين بإيلاء المزيد من الاهتمام للقطاع المصرفي في الهند وهو القطاع الذي يتمتع الآن بممارسات جيدة للنمو وتخصيص رأس المال.