في مطاردة أشبه بفيلم أكشن، لكن خلفها واقع اقتصادي وأمني يهدد البنية التحتية للبلاد، تحلق الطائرات المسيّرة فوق المباني المهجورة بحثًا عن حرارة مشبوهة، وعلى الأرض، يحمل رجال الشرطة أجهزة استشعار محمولة تكشف عن استخدام غير طبيعي للطاقة.
وأحيانًا تكون المطاردة أكثر بدائية.. حيث يتلقى الضباط بلاغات من سكان عن أصوات طيور غريبة، ليكتشفوا لاحقًا أن هذه الأصوات مجرد تسجيلات طبيعية لإخفاء ضجيج آلات التعدين خلف الأبواب المغلقة.
هذه الأدوات تشكّل شبكة مراقبة متنقلة لملاحقة عمال تعدين “البتكوين” غير الشرعيين.
المعدّنون الذين يتم تعقبهم حذرون للغاية؛ ينتقلون من واجهات المحلات الفارغة إلى المنازل المهجورة، ويثبتون دروعًا حرارية لإخفاء توهّج أجهزتهم، ويجهّزون المداخل بكاميرات مراقبة وأنظمة أمنية مشددة وحتى زجاج مكسور لردع أي زائر غير مرغوب فيه.
إنها لعبة القط والفأر بين عمال التعدين والسلطات الماليزية، التي سجّلت نحو 14 ألف موقع تعدين غير قانوني خلال السنوات الخمس الماضية.
ووفقًا لوزارة الطاقة، تسببت سرقات الكهرباء في خسائر تقدّر بنحو 1.1 مليار دولار لشركة الطاقة الحكومية (TNB) خلال تلك الفترة.
والأسوأ أن الظاهرة تتسارع؛ فبحلول أوائل أكتوبر، ومع وصول “البتكوين” إلى مستويات قياسية قبل أن ينهار بأكثر من 30% ثم يرتد مجددًا، سجّلت السلطات نحو 3 آلاف حالة سرقة كهرباء مرتبطة بالتعدين.
الآن، ماليزيا تصعّد المواجهة. ففي 19 نوفمبر، أعلنت الحكومة عن تشكيل لجنة خاصة مشتركة تضم وزارة المالية والبنك المركزي الماليزي وشركة TNB، بهدف تنسيق حملة صارمة ضد المشغلين غير الشرعيين.
وبحسب وكالة بلومبرغ نيوز، قال أكمل نصر الله محمد ناصر، نائب وزير التحول في الطاقة والمياه ورئيس اللجنة: “الخطر لم يعد مجرد سرقة، بل يمكن أن يؤدي إلى تدمير منشآتنا. الأمر أصبح تحديًا لنظامنا”.
تعدين “البتكوين” هو منافسة تعتمد على القوة الحسابية الهائلة؛ صفوف من أجهزة متخصصة تُعرف بـ”الريغز” تنفذ تريليونات العمليات الحسابية في الثانية لتأكيد المعاملات، وعند النجاح يحصل المعدّنون على عملات.
إنه نشاط ضخم؛ عالميًا يستهلك تعدين “البتكوين” كهرباء أكثر من إجمالي استهلاك جنوب إفريقيا أو تايلاند.
وتشير بيانات مركز كامبريدج للتمويل البديل إلى أن أكثر من 75% من هذا النشاط يتم في الولايات المتحدة. أما حصة ماليزيا فهي أقل وضوحًا؛ ففي يناير 2022 شكّلت 2.5% من القوة الحسابية العالمية، لكن لم تُنشر بيانات محدثة منذ ذلك الحين.
ما هو واضح أن المعدّنين في ماليزيا بارعون في استغلال المساحات غير التقليدية.
يُذكر أن تعدين “البتكوين” في ماليزيا قانوني بشرط الحصول على الطاقة بشكل مشروع ودفع الضرائب.
لكن أكمل ناصر، الذي شارك في عدة مداهمات العام الماضي، غير مقتنع. ففي الاجتماع الأول للجنة الخاصة في 25 نوفمبر، ناقش الأعضاء إمكانية التوصية بحظر التعدين نهائيًا.
وأضاف: “حتى لو تم تشغيله بشكل قانوني، المشكلة أن السوق متقلب للغاية. لا أرى أي عملية تعدين منظمة يمكن اعتبارها ناجحة قانونيًا”.
وذهب أبعد من ذلك، مشيرًا إلى أن العدد الكبير لمواقع التعدين غير الشرعية وأنماط سلوك القائمين عليها تدل على تورط الجريمة المنظمة.
وقال: “من الواضح أن الأمر تديره شبكات إجرامية، بسبب قدرتهم على التنقل من موقع إلى آخر. لديهم أسلوب عمل واضح”.


