ويأتي هذا التطور في سياق توجه حكومي واضح نحو تعزيز القدرات الإنتاجية، ورفع كفاءة إدارة الطاقة، وتقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك في ظل ارتفاع الطلب المتزايد نتيجة النمو الاقتصادي والمشروعات القومية.
الأرقام الأساسية للمشهد الاستثماري والإنتاجي
تفتح مصر أبوابها أمام استثمارات جديدة بمليارات الدولارات في قطاع النفط والغاز، مدفوعة بحزمة من المشروعات القائمة والمخطط لها. وتشير البيانات إلى أن مصر تستهدف حفر 480 بئراً خلال السنوات الخمس المقبلة، باستثمارات مقدرة بنحو 5.7 مليون دولار. ويبلغ الإنتاج الحالي من النفط 520 ألف برميل يومياً، مع خطة واضحة للوصول إلى 580 ألف برميل يومياً بحلول يونيو 2027.
وفي ما يخص الغاز الطبيعي، تنتج مصر حالياً نحو 4.2 مليارات قدم مكعبة يومياً في وقت يبلغ فيه الاستهلاك 6 مليارات قدم مكعبة يومياً، ما ينعكس في عجز يومي يبلغ ملياري قدم مكعبة. ويؤكد هذا الواقع الحاجة المتزايدة لرفع الإنتاج وتكثيف أنشطة الاستكشاف.
يسهم قطاع النفط والغاز بنسبة 5.3 بالمئة من الاقتصاد المصري، ويوظف ما يقارب 200 ألف عامل بشكل مباشر وغير مباشر. كما تعمل في القطاع 57 شركة في مجالات البحث والاستكشاف والإنتاج، بينها 12 شركة مصرية و8 من كبريات الشركات العالمية مثل “إيني” و”شل” و”بي بي” و”أباتشي”.
وتشير المعطيات الرسمية إلى أن تعزيز الإنتاج المحلي يخفف انكشاف البلاد على تقلبات أسعار الطاقة العالمية، ويساعد في خفض فاتورة صافي واردات الطاقة التي تجاوزت 11 مليار دولار خلال العام الماضي.
تعزيز الثقة وتوسيع القدرات..
يؤكد الرئيس الأسبق للجنة الطاقة بجمعية رجال الأعمال المصريين أسامة جنيدي أن الاتفاق الجديد مع شركة “إيني” يعكس “الثقة الكبيرة” في الاقتصاد المصري وفي قطاع الطاقة على نحو خاص.
ويرى أن هذه الثقة تتجسد في استمرار المشروعات الكبرى التي نفذتها الدولة خلال السنوات الماضية، وما رافقها من توسع في البنية التحتية للطاقة، بما أسهم في رفع الاستهلاك المحلي نتيجة اتساع النشاط الاقتصادي.
ويوضح جنيدي أن الاستثمارات الصناعية القادمة ستحتاج إلى طاقة كهربائية وغازية مكثفة، بالتوازي مع طفرة نوعية يشهدها قطاع السياحة، وما يتطلبه من توسع في الاستثمارات الفندقية والخدمية. وإلى جانب ذلك، يلعب النمو السكاني دوراً محورياً في ارتفاع الطلب على الطاقة، ما يجعل التوسع في الإنتاج ضرورة اقتصادية.
ويبرز جنيدي الفجوة الحالية بين إنتاج الغاز البالغ 4 مليارات قدم مكعبة يومياً وبين الاستهلاك الذي يصل إلى 6 مليارات قدم مكعبة. ويشدد على أن دخول شركة بحجم “إيني” على خط تطوير الحقول والاكتشافات الجديدة يشكل ركيزة أساسية لردم هذه الفجوة عبر زيادة الإنتاج المحلي.
كما يشير إلى أن المشروعات الاستراتيجية، وعلى رأسها محطة الضبعة النووية، ستكون عاملاً محورياً في تخفيف الضغط عن الغاز الطبيعي المستخدم في إنتاج الكهرباء، ما يتيح توجيه كميات أكبر من الغاز نحو الصناعة والاستهلاك المنزلي.
موقع مصر الإقليمي في منظومة الطاقة شرق المتوسط
يشدد جنيدي على أن موقع مصر على خريطة الاستكشافات الإقليمية بات محورياً، خصوصاً مع توسع الشركات العالمية في مناطق البحر المتوسط والدلتا. ويعتبر أن مصر فرضت نفسها “لاعباً إقليمياً أساسياً” في قطاع الطاقة بفضل:
- موقعها الجغرافي المتميز
- امتلاكها شبكة متطورة من خطوط وأنابيب الغاز
- بنية تحتية قوية للتسييل والتصدير
- علاقات تعاون نشطة مع الاتحاد الأوروبي
- شراكات مع دول إقليمية مثل اليونان وقبرص
ويؤكد أن هذه العوامل تسهم في تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، وتدعم قدرتها على جذب المزيد من الاستثمارات.
رفع إنتاج النفط – هدف منطقي وقابل للتحقق
يرى جنيدي أن خطة رفع إنتاج النفط إلى 580 ألف برميل يومياً بحلول 2027 هدف منطقي وقابل للتحقق بالكامل، ويعزو ذلك إلى التطور المستمر في عمليات الاستكشاف، إلى جانب التحسن الكبير في تقنيات استخراج النفط الخام. ويضيف أن هذه المعطيات تمنح مؤشرات إيجابية بشأن إمكانية تجاوز هذا الهدف وتحقيق مستويات إنتاج أعلى.
أثر سداد المستحقات على نشاط الحفر والاستكشاف
في ما يتعلق بسداد مستحقات الشركاء الأجانب، يؤكد جنيدي أن هذه الخطوة انعكست مباشرة على مناخ الاستثمار في قطاع الطاقة. ويشير إلى أن الوضع الاقتصادي العام في مصر يشهد تحسناً ملحوظاً، ما يعزز ثقة المستثمرين ويشجعهم على ضخ المزيد من رؤوس الأموال في المشروعات القائمة والجديدة.
ويضيف أن الفترة المقبلة ستشهد “منافسة حميدة ومطلوبة” بين الشركات المصرية والأجنبية على الاستثمار في الاستكشاف والتنقيب، الأمر الذي من شأنه أن يعزز مستوى الإنتاج ويرفع كفاءة القطاع.
إدارة ملف الطاقة – مقاربة شاملة ومتوازنة
يوضح جنيدي أن الإدارة المصرية تتعامل مع ملف الطاقة وفق مقاربة متكاملة تشمل جميع مكونات الإنتاج والاستهلاك عبر:
- تعزيز إنتاج الكهرباء من مصادر بديلة: صدور قانون جديد لتعريفة شراء الكهرباء من المخلفات الصلبة والبيوجاز، أو الغاز الحيوي، بما يوفر بين 300 و400 ميغاواط من دون استخدام الغاز الطبيعي، ويسهم في تخفيف فاتورة الاستهلاك.
- دعم مشروعات الطاقة المتجددة: العمل على التوسع في إنتاج الطاقة الشمسية والرياح لتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي.
- تعزيز كفاءة الاستهلاك الصناعي: تشجيع مشروعات التوليد المشترك CHP في المناطق الصناعية لرفع الكفاءة وخفض استهلاك الغاز.
- زيادة إنتاج الغاز الطبيعي: العمل المتزامن على زيادة الإنتاج وتقليص الاعتماد على الواردات مع مواصلة تشجيع الاستثمارات الجديدة.
ويرى جنيدي أن هذا النهج المتكامل يعكس وعياً حكومياً واضحاً بالاحتياجات الحالية والمستقبلية، ويسهم في إدارة ملف الطاقة من زوايا متعددة تهدف إلى خفض فاتورة الاستيراد وتعزيز الاعتماد على المصادر البديلة.
تشير الأرقام والمعطيات إلى مرحلة جديدة من التوسع الاستراتيجي في قطاع الطاقة المصري، مدفوعة باستثمارات ضخمة وشراكات دولية متنامية. ويشكل دخول “إيني” ببرنامج استثماري بقيمة 8 مليارات دولار عاملاً بالغ الأهمية في خفض فجوة الاستهلاك، وتعزيز موقع مصر الإقليمي، ودعم جهود الدولة نحو تحقيق أمن الطاقة.


