فالإخوان، رغم تراجع حضورهم التنظيمي في دول عربية عدة، لا يزالون يمتلكون منظومة مالية واسعة تمتد عبر واجهات خيرية وتعليمية وشركات استثمارية وشبكات تحويل غير رسمية، ما يجعل أي خطوة أميركية ذات طابع عقابي مؤثرة بشكل غير مسبوق على قدرتهم على البقاء في المشهد.
ويرى خبراء اقتصاديون ومراقبون في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن القرار الأميركي يتجاوز كونه خطوة سياسية، ليؤسس لمرحلة جديدة من الرقابة المالية الدولية على الجماعة، بالنظر لكون الولايات المتحدة تملك نفوذا واسعا على النظام المالي العالمي، بما في ذلك حركة التحويلات عبر المصارف الدولية، والمؤسسات الرقابية التي تربط بين أوروبا والشرق الأوسط.
وبحسب مختصين، فإن المنظومة المالية للجماعة ستكون الأكثر عرضة للتأثر، فالإخوان، تاريخيا، استفادوا من فروع في أوروبا وأميركا الشمالية تمثل نقاط ارتكاز اقتصادية، سواء من خلال جمع التبرعات أو تأسيس مؤسسات غير ربحية تدار تحت غطاء اجتماعي أو ديني، إلا أن القرار الأميركي سيعيد وضع هذه الكيانات تحت مجهر التدقيق.
وفي حال صدور تصنيف رسمي، ستعامل المؤسسات المرتبطة بالإخوان بالطريقة نفسها التي تعامل بها الكيانات المدرجة على قوائم الإرهاب، ما يعني تجميد أصول، وتعطيل حسابات، ومنع تعاملات مباشرة أو غير مباشرة مع مصارف دولية.
ووفق المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية الأميركي، فإن الآثار القانونية المباشرة داخل الولايات المتحدة لهذا التصنيف يشمل: تجميد فوري لجميع الأموال والممتلكات التي تملكها الجماعة أو تسيطر عليها داخل الولايات المتحدة أو في أي مكان يخضع للولاية القضائية الأميركية، وتجريم تقديم أي دعم مادي أو موارد للجماعة، وتصل العقوبة إلى السجن 20 سنة أو مدى الحياة إذا أدى الدعم إلى وفيات، وإمكانية إغلاق أي جمعية أو مؤسسة أو مركز ديني يثبت تقديمه دعما للإخوان أو تجميد أمواله.
ضربة عابرة للحدود
واعتبر مستشار المركز العربي للدراسات والباحث في الاقتصاد السياسي، أبوبكر الديب، الأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس ترامب بتصنيف بعض فروع الإخوان كمنظمات إرهابية، بأنه “أقوى ضربة مالية تتعرض لها الجماعة منذ تأسيسها قبل نحو قرن، وتحولا جذريا في تعامل واشنطن مع الشبكات المالية العابرة للحدود المرتبطة بها”.
وقال “الديب” في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “القرار يفتح الباب أمام أكبر عملية تجفيف محتملة لمصادر التمويل التي تعتمد عليها الجماعة في نشاطاتها الداخلية والخارجية، سواء كانت هذه التمويلات مباشرة أو عبر واجهات اقتصادية وخيرية وشركات عابرة للدول، وإدراج فروع الإخوان في مصر ولبنان والأردن يضع مجمل النشاط الاقتصادي للجماعة تحت التدقيق، حين تعتبرها الولايات المتحدة شبكات مالية قد تُسهم في زعزعة الاستقرار أو تقديم دعم غير مباشر لأطراف مسلحة في الإقليم”.
وأوضح إن “اقتصاد الإخوان يعتمد منذ عقود على شبكة مالية غير مركزية تتوزع بين شركات، جمعيات خيرية، استثمارات عقارية، مدارس، أنشطة تجارية، وشركات خدمات، إلى جانب استثمارات أفراد يدينون بالولاء التنظيمي، وقد بني هذا النموذج خصيصا ليكون قابلا للتكيف، وصعبا على الملاحقة المباشرة”.
وشدد الباحث في الاقتصاد السياسي على أن “أهم ما يترتب على القرار هو إمكانية تجميد أي أصول ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بفروع الإخوان أو المنظمات المشتبه بارتباطها بها داخل الأراضي الأميركية أو ضمن النظام المالي الأميركي، بما في ذلك حسابات أفراد ورجال أعمال، أو شركات لها تعاملات بالدولار، بما يجعل أي كيان يدخل ضمن نطاق التصنيف عُرضة لإجراءات شديدة مثل رفض البنوك الدولية التعامل معه، وإغلاق الحسابات المشبوهة، وصعوبة الحصول على تمويلات أو قروض، وتعطيل الأنشطة التجارية التي تعتمد على استيراد أو تصدير عبر بنوك مراسلة أمريكية”.
وأكد أن “هذه الإجراءات ستُحدث اختناقا ماليا شديدا لأن جزءا كبيرا من نشاط الإخوان الاقتصادي يعتمد على التحويلات عبر مصارف دولية وليس على النقد المحلي فقط”، معتبرا أن “العقوبات المالية عادة ما تكون أقوى من العقوبات السياسية، لأنها تعطل الحركة وتكشف الواجهات وتربك الحسابات وتُضعف القدرة على التنظيم”.
قطع الشرايين الاقتصادية
ويرى الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية والإرهاب، منير أديب، أن “التنظيم يواجه حالة أفول تؤثر بشكل مباشر على وجوده السياسي وقدرته على النشاط والفعالية، ليس فقط داخل الولايات المتحدة وأوروبا، بل أيضًا في منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص في بلد المنشأ مصر”.
وأوضح “أديب” لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “تأثير القرار الأميركي سيمتد ليشمل الشبكة الاقتصادية التي يمتلكها التنظيم، خاصة أن الولايات المتحدة وأوروبا وفرتا حتى وقت قريب ملاذا آمنا للتنظيمات المتطرفة، وفي مقدمتها جماعة الإخوان، والقرار التنفيذي الذي أصدره ترامب يترجم من خلال إجراءات تصدرها وزارة الخارجية والخزانة الأميركية، بما في ذلك مصادرة أموال وممتلكات الجماعة والواجهات التابعة لها، مثل مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية كير في واشنطن وباقي الولايات الأميركية بعد تكساس”.
وأشار الباحث إلى أن “قطع شرايين التنظيم الاقتصادية” سيكون له أثر بالغ على نشاطه وحضوره في الشرق الأوسط، خاصة إذا تبنت دولًا أوروبية أخرى إجراءات مشابهة للقرار الأمريكي المتوقع.


