هذه العملية وُصفت بأنها انتقال من مرحلة الردع إلى محاولة قطع شرايين الإمداد العسكري للجماعة.
الهجوم جاء بعد أقل من شهر على اغتيال رئيس حكومة الحوثيين أحمد الرَهَوِي وعدد من وزرائه، ما يعكس تصعيدا إسرائيليا يستهدف الرموز والبنية التحتية في آن معا.
الصواريخ الحوثية.. رد دعائي أم قدرة استراتيجية؟
بعد وقت قصير من الضربة على الحديدة، أطلق الحوثيون صاروخًا باليستيًا باتجاه إسرائيل، اعترضته منظومات الدفاع الجوي. سبق ذلك إطلاق صاروخ “فلسطين-2” الانشطاري، إضافة إلى هجمات بالطائرات المسيّرة وصلت في إحدى الحالات إلى مطار رامون.
لكن محرر الشؤون اليمنية في سكاي نيوز عربية، فواز منصر اعتبر أن هذه الردود “دعائية أكثر منها استراتيجية”.
وأوضح أن الحوثيين أرادوا توجيه رسائل سريعة:
- للداخل اليمني بإظهار الجهوزية رغم الضربات.
- لإسرائيل بأنهم ما زالوا يمتلكون زمام المبادرة.
إلا أن منصر شدّد على أن الحوثيين يدركون قدرة إسرائيل العالية على اعتراض هذه الهجمات، وهو ما يجعل تأثيرها العسكري محدودًا، باستثناء بعض الخروقات المحدودة التي وصلت إلى مطار رامون أو تسببت بحفرة قرب مطار بن غوريون.
الخسائر اليمنية.. المدنيون أول الضحايا
الضربات الإسرائيلية لم تقتصر على أهداف عسكرية مزعومة، بل شملت محطات الكهرباء، مصانع الإسمنت، مطار صنعاء، وأرصفة الموانئ. هذه المنشآت الحيوية كانت تمثّل عصب الحياة لأكثر من 20 مليون يمني يعيشون تحت سيطرة الحوثيين.
منصر لفت إلى أن تدمير ميناء الحديدة لا يعني بالضرورة وقف تدفق السلاح الإيراني، نظرا لوجود خطوط تهريب أخرى على طول الساحل، ما يجعل الخسائر الأكبر إنسانية واقتصادية أكثر منها عسكرية.
قرار الحرب.. بيد من؟
بحسب منصر، قرار إطلاق الصواريخ أو الطائرات المسيّرة لا يتخذ حصريا داخل جماعة الحوثي، بل يخضع لتأثير مباشر من الحرس الثوري الإيراني وفصائل مرتبطة بمحور المقاومة، بينها حزب الله وفصائل عراقية.
ورأى منصر أن هذا يضع عبد الملك الحوثي في موقع “الواجهة السياسية”، بينما تتحكم القوى الإقليمية في المسار الاستراتيجي، بهدف إدخال إسرائيل في معركة استنزاف طويلة الأمد.
منصر شدّد على أن إسرائيل حتى الآن لم تنجح في استهداف قيادات الحوثيين، واكتفت بضرب البنى التحتية التي ترتبط بحياة المدنيين.
وأوضح أن هذا المسار يولد غضبا شعبيا واسعا داخل اليمن ضد الحوثيين، الذين يتهمون بجرّ البلاد إلى مواجهة لا تخدم سوى أجندات خارجية.
ورغم ذلك، يواصل الحوثيون استخدام هذه الضربات كأداة دعائية للتعبئة الداخلية، مقدّمين أنفسهم كجزء من محور مقاومة يمتد من طهران إلى بيروت وغزة.
الحضور الإسرائيلي في البحر الأحمر.. تموضع استراتيجي
إحدى الملاحظات التي أثارها منصر أن العمليات الإسرائيلية لم تعد مقتصرة على الضربات الجوية، بل شملت نشر قطع بحرية في جنوب البحر الأحمر.
هذا التموضع يعكس استعدادا إسرائيليا للبقاء فترة طويلة، ما قد يحول البحر الأحمر إلى ساحة مواجهة إقليمية مفتوحة.
الأمم المتحدة تغادر صنعاء.. مؤشر على عزلة الحوثيين
بالتوازي مع التصعيد العسكري، أعلنت الأمم المتحدة نقل مقرها الرئيسي من صنعاء إلى عدن بعد سلسلة من الانتهاكات التي ارتكبها الحوثيون بحق موظفيها، شملت الاعتقالات والاتهامات بالعمالة.
هذا التطور، بحسب محللين، يعكس فقدان الثقة في الجماعة دوليا ويؤكد تزايد عزلتها، في وقت تزداد فيه معاناة المدنيين تحت وطأة الحرب والضربات الجوية.
التطورات الأخيرة تكشف أن المواجهة بين إسرائيل والحوثيين تجاوزت حدود الردع التكتيكي لتدخل مرحلة الاستنزاف الاستراتيجي. إسرائيل تسعى لحرمان الحوثيين من مصادر السلاح، بينما ترد الجماعة بصواريخ دعائية لإثبات الحضور.
لكن كما خلص فواز منصر، فإن الخاسر الأكبر هو اليمني البسيط، الذي يجد نفسه بين مطرقة الضربات الإسرائيلية وسندان مغامرات الحوثيين.
ومع انخراط قوى إقليمية في توجيه دفة الصراع، يبدو أن البحر الأحمر قد يكون مقبلًا على فصل طويل من المواجهة، تتداخل فيه الأبعاد العسكرية بالإنسانية والسياسية.