الهجوم الإسرائيلي على دولة خليجية، وهو الأول من نوعه، شكّل تحولاً نوعياً في الديناميات الإقليمية، مما دفع الدول العربية والإسلامية إلى مراجعة مواقفها واتخاذ خطوات عملية لتوحيد الصفوف، وإرسال رسائل واضحة لإسرائيل والدول الغربية حول عدم القبول بانتهاك السيادة الوطنية.
التحضيرات في الدوحة: تأجيل واستعدادات
أوضح مراسل سكاي نيوز عربية في الدوحة، عيسى المرزوقي، أن القمة التحضيرية، التي كان مقرراً أن تنطلق الساعة 11:00 صباحًا، تم تأجيلها لثلاث ساعات تقريبًا، لتبدأ الساعة 14:00، وذلك لتنسيق وصول الرؤساء والممثلين الدبلوماسيين من مختلف الدول العربية والإسلامية.
ويشارك في الاجتماع وزراء خارجية وممثلون عن الوزارات الدبلوماسية، بالإضافة إلى وصول الرئيس الموريتاني، بهدف إعداد مشروع البيان الختامي الذي سيركز على استنكار الاعتداءات الإسرائيلية على قطر وتأكيد التضامن الكامل معها.
ويشمل جدول أعمال القمة كلمات رسمية لكل من:
ويلي ذلك، مناقشة مشروع البيان الذي من المتوقع أن يعكس التضامن العربي والإسلامي الكامل مع قطر، ورفض أي تهديد للسيادة الوطنية.
المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، وصف القمة بأنها رسالة تضامن عربية وإسلامية، ورفض صريح لما سماه “إرهاب الدولة” الذي تمارسه إسرائيل. وبحسبه، فإن هذه القمة لن تكون مجرد اجتماع بروتوكولي، بل محطة لتثبيت موقف جماعي يتجاوز حدود البيانات التقليدية.
القمة الاستثنائية في منظور الخبراء
أشار أستاذ العلوم السياسية هاني البسوس خلال حديثه الى برنامج الظهيرة على سكاي نيوز عربية، إلى أن هذه القمة استثنائية بكل المعايير، ليس فقط لأنها تأتي بعد ستة أيام من الاعتداء، بل لأنها تؤكد التضامن ودعم الموقف القطري بشكل غير مسبوق.
وقال البسوس: “هذه القمة تمثل رسالة لكل الدول العربية والغربية بأن الاعتداءات على سيادة الدول العربية لن تمر مرور الكرام، كما تشكل تحذيرًا لإسرائيل من أي محاولات مستقبلية على دول خليجية أو عربية”.
وأكد أن القمة لا ترتكز على إجراءات عسكرية مباشرة، بل على تفعيل أبعاد دبلوماسية وقانونية، وتوحيد السياسات العربية والإسلامية أمام أي تهديدات مستقبلية، مشيرًا إلى أن هناك حاجة ماسة لسياسة واضحة للتعامل مع إسرائيل، وتوحيد الصفوف عبر الاتفاقيات الدفاعية والاقتصادية والدبلوماسية.
التحليل السياسي: إعادة رسم التوازنات الإقليمية
يرى البسوس أن القمة ستشكل خطوة مهمة نحو إعادة ترتيب التوازنات الإقليمية، فالهجوم الإسرائيلي على قطر يمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية لدولة حليفة للولايات المتحدة، مما يحتم على الدول العربية والإسلامية التفكير في خطط تحوطية سياسية ودبلوماسية.
وأضاف: “القمة ستكون مناسبة لإرسال رسالة واضحة بأن الدول العربية والإسلامية ليست تابعة بالكامل للولايات المتحدة، بل تمتلك القدرة على توثيق العلاقات فيما بينها وتوحيد موقفها السياسي والاقتصادي”.
وأشار إلى أن صعود النفوذ الصيني على المستوى الدولي يمنح الدول العربية فرصة لإعادة ترتيب تحالفاتها والتوازنات الإقليمية بما يحفظ مصالحها دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة.
التحليل العسكري والدبلوماسي
من جانبه، ركّز الخبير في الشؤون السياسية والعسكرية، مهند العزاوي، على طبيعة المرحلة الاستثنائية، مؤكدًا أن الاعتداء الإسرائيلي على قطر يمثل تهديدًا مباشرًا للسيادة الخليجية، وأن القمة ستسعى إلى توحيد الموقف العربي والإسلامي دون انتظار رد عسكري.
وأوضح أن تحركات بعض قادة الخليج، تهدف إلى بلورة موقف إقليمي موحد يعكس الحرص على السيادة والاستقرار السياسي، ويرسل رسالة واضحة للولايات المتحدة حول رفض استخدام القوة على دول الخليج.
وأضاف العزاوي: “القمة تمثل فرصة لتوجيه رسائل سياسية ودبلوماسية قوية، وتثبيت موقف الدول العربية والإسلامية من الاعتداءات الإسرائيلية، وإظهار التضامن الكامل مع قطر”.
السياق الدولي والتحولات الجيوسياسية
تأتي القمة في وقت حساس على الصعيد الدولي، حيث توازنات القوة العالمية لم تعد تحتكرها الولايات المتحدة وحدها، ويبرز صعود الصين اقتصاديًا وسياسيًا كعامل مؤثر. هذه التغيرات تتيح للدول العربية استكشاف مسارات تحالفية جديدة مع الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع القوى الكبرى.
وأشار البسوس إلى أن القمة ستسلط الضوء على أهمية الوحدة العربية والإسلامية في مواجهة أي تهديدات مستقبلية، بما في ذلك إسرائيل والاعتداءات على السيادة الوطنية، وإعادة التأكيد على قدرة الدول العربية والإسلامية على حماية مصالحها دون الانخراط في صراعات عسكرية مباشرة.
التضامن الإقليمي: دعم ملموس للدوحة
أكد البسوس أن معظم الدول العربية والإسلامية أبدت دعمها الكامل للدوحة، بما في ذلك السعودية والإمارات ومصر والسلطة الفلسطينية، إضافة إلى إشارات دعم من دول آسيوية مثل الصين.
وأضاف: “الموقف الموحد يعكس قدرة الدول العربية والإسلامية على تجاوز الخلافات الداخلية، ويبعث برسائل قوية بأن السيادة الوطنية ليست قابلة للانتهاك، وأن أي اعتداء مستقبلي سيواجه بتنسيق دبلوماسي وسياسي متكامل”.
وأشار إلى أن القمة قد تفتح آفاق تعاون اقتصادي ودبلوماسي أوسع، عبر تفعيل الاتفاقيات العربية والخليجية، وتعزيز دورها في مواجهة أي تهديدات سياسية أو اقتصادية.
وجهات نظر الخبراء: التضامن والسيادة
يرى البسوس أن القمة ستسهم في إعادة صياغة السياسات تجاه إسرائيل، وخلق إطار قانوني ودبلوماسي لتأمين مصالح الدول العربية، مع الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
أما العزاوي، فيركز على الرسائل السياسية والمعنوية، مؤكدًا أن القمة تمثل فرصة لإظهار تضامن الدول العربية والإسلامية مع قطر، وتحذير إسرائيل من أي تجاوزات مستقبلية، مشيرًا إلى أن: “القمة لن تنتج قرارات تنفيذية عسكرية، لكنها ستضع أسسًا سياسية ودبلوماسية قوية تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الإقليمي”.
الأبعاد الاقتصادية والدبلوماسية
تأتي القمة في وقت حساس من الناحية الاقتصادية، إذ تمثل دول الخليج معابر استراتيجية للطاقة، ولها علاقات اقتصادية واسعة مع الصين ودول أخرى. هذا الواقع يجعل الحفاظ على السيادة والاستقرار السياسي ضرورة لضمان استمرار تدفق الطاقة والأسواق العالمية دون أي تعطيل.
وأشار البسوس إلى أن القمة ستسلط الضوء على أهمية التنسيق الاقتصادي والسياسي بين الدول العربية والإسلامية، لخلق توازنات جديدة دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، ولتعزيز دورها في السياسة الدولية.
قمة الدوحة كنقطة تحول
قمة الدوحة المرتقبة ليست مجرد اجتماع دبلوماسي، بل تمثل محطة مفصلية في السياسة الإقليمية، إذ تأتي في أعقاب هجوم غير مسبوق على دولة خليجية حليفة للولايات المتحدة، وتعيد رسم التوازنات العربية والإسلامية.
وعلى الرغم من غياب الرد العسكري المباشر، فإن القمة ستشكل إطارًا دبلوماسيًا وسياسيًا قويًا لتنسيق المواقف، وحماية السيادة الوطنية، وتأكيد وحدة الصف العربي والإسلامي في مواجهة أي تهديدات مستقبلية.
كما أنها ترسل رسائل واضحة لكل من إسرائيل والدول الغربية بأن المنطقة العربية قادرة على حماية مصالحها، وتعزيز سيادتها، وتفعيل دورها السياسي والاقتصادي على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهو ما يجعل هذه القمة استثنائية ومؤثرة في السياق الاستراتيجي للشرق الأوسط.