كانت منطقة الهرمل الشرقي مسرحا لأكبر عملية عسكرية إسرائيلية منذ اتفاق وقف إطلاق النار، حيث أسفرت الغارات عن مقتل 5 أشخاص وإصابة 5 آخرين.
واستهدفت الضربات معسكرات تابعة لحزب الله، بما فيها معسكرات “قوة الرضوان” المخصصة لتدريب عناصر الحزب على تخطيط وتنفيذ عمليات ضد إسرائيل.
ودان الرئيس اللبناني جوزيف عون هذه الغارات واعتبرها خرقا للاتفاق، بينما لم يكن الإعلان الأميركي عن أي رد فعل رسمي تجاه هذه التطورات إلا مؤشراً على تصاعد الضغط السياسي والدبلوماسي في المنطقة.
ترامب والضغط الأمريكي على حزب الله
عاد اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى واجهة النقاش حول نزع سلاح حزب الله، مع تصريحات توعد فيها برد مرتقب على رفض الحزب تسليم سلاحه، دون توضيح طبيعة الرد أو توقيته.
يتساءل المراقبون: هل سيقتصر الرد على الضغط السياسي والإعلامي، أم سيمتد إلى فرض مهلة زمنية على الحكومة اللبنانية لتنفيذ حصر ترسانة حزب الله؟
هذا التساؤل يعكس توتر الأجواء في الأروقة السياسية والدبلوماسية، خاصة مع استمرار اشتداد الضغوط الغربية على لبنان لتفادي الدخول في حرب شاملة.
تل أبيب تطلب دعم واشنطن
طالبت إسرائيل إدارة ترامب بدعم خطتها لتوجيه ضربات قاسية لحزب الله في الجنوب والبقاع، مستندة إلى تقديرات استخباراتية تؤكد احتفاظ الحزب بترسانة كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة، رغم تراجع قدراته اللوجستية وسعيه المستمر لإعادة ترميم قوته.
وفي المقابل، يصف الموقف اللبناني من مسألة نزع السلاح بأنه غامض، مع ميل واضح لتجنب المواجهة المباشرة مع الحزب، بينما يراقب المجتمع الدولي بحذر مهلة نهاية العام التي طرحها المبعوث الأميركي لمتابعة حصر السلاح.
تصعيد متدرج وتهديد مستمر
أكد الكاتب الصحفي محمد علوش، خلال حديثه إلى التاسعة على سكاي نيوز عربية، أن تصعيد الجيش الإسرائيلي على البقاع يأتي في إطار سلسلة من الرسائل التحذيرية، عبر معسكرات تدريب تحاكي القرى اللبنانية الجنوبية، في محاولة لإظهار استعداد إسرائيل لفرض نزع السلاح بالقوة إذا لزم الأمر.
وأضاف علوش أن الضغط الأميركي يتزامن مع هذه العمليات، من خلال إعادة تفعيل عمل لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، مع حضور وفد عسكري أميركي رفيع المستوى بقيادة مورغان أورتاغوس، للتأكيد على متابعة خطة الجيش اللبناني وتقديم الدعم اللازم، دون توضيح شكل هذه المساعدة.
خطة الجيش اللبناني وحصر السلاح.. جهود لإبقاء التوازن
أوضح علوش أن الجيش اللبناني أعلن خطة لحصر السلاح في جنوب الليطاني، لكنه يشترط انسحاب القوات الإسرائيلية ووقف العدوان لإمكانية التنفيذ.
وأشار إلى أن حزب الله رفض عروضا لتسليم أجزاء من ترسانته، سواء عبر شاحنات أو تجميع السلاح الثقيل في مخازن الدولة اللبنانية، معتبرا أن أي خطوة من هذا النوع تعني التخلي عن مبدأ شرعية سلاح المقاومة، إضافة إلى عدم وجود ضمانات لعدم استهداف هذه المخازن خلال عمليات إسرائيلية يومية.
الحرب والسلم بين الدولة وحزب الله
أكد علوش خلال حديثه إلى التاسعة أن حزب الله سلم الدولة اللبنانية مسؤولية الحرب والسلم، بما في ذلك تحرير الأراضي والأسرى، والرد على الاعتداءات الإسرائيلية اليومية.
وبالتالي، فإن الهدف من الضغوط الدولية هو السيطرة على السلاح فقط، وليس ضرورة مواجهة حقيقية للمخاطر على إسرائيل، وهو ما يعكس تناقض تصريحات قادة إسرائيليين، بما في ذلك بنيامين نتنياهو وسموتريتش، حول أهدافهم من وجود الترسانة واحتلال الأراضي اللبنانية.
توضح تصريحات علوش أن الحكومة اللبنانية اتخذت قرارا بحصر السلاح، ووافق حزب الله على المبدأ، لكن الخلاف يتركز على التنفيذ وتوقيته، خصوصًا في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي، مما دفع الجيش اللبناني إلى وضع خطة قائمة على المصلحة الوطنية وقدرته على التنفيذ، مع إتاحة الفرصة لكافة الأطراف للخروج من الجولة الحالية دون خسائر سياسية أو ميدانية.
الدور الأميركي.. لجنة المراقبة والدعم العسكري
أبلغت الولايات المتحدة لبنان بأنها ستقود لجنة المراقبة للمرة الثانية، وأنها مستعدة لدعم الجيش اللبناني بمعلومات وإحداثيات محتملة لمخازن سلاح الحزب في جنوب الليطاني.
كما حددت مهلة حتى نهاية سبتمبر ل العالم نيوزتوجه الجيش اللبناني نحو تنفيذ الخطة وتقديم الملاحظات من خلال اللجنة، في إطار ضغط مستمر لإبقاء لبنان ضمن السيطرة الإقليمية ومنع أي فوضى محتملة.
التوقعات المستقبلية.. تصعيد متذبذب
يشير علوش إلى أن موجات التصعيد العسكرية والسياسية قد تستمر، مع احتمالات ارتفاع وانخفاض وتيرة العمليات. بعد صدور خطة الجيش اللبناني، يبدو واضحًا أن الجميع يسعى لتجنب الفوضى الحالية، مع انتظار ما سيأتي من الخارج لتحديد الخطوة التالية.
ويظل الملف مرهونا بتوازن القوى بين إسرائيل وحزب الله، والضغط الأميركي المستمر لتحقيق هدف نزع السلاح دون إشعال مواجهة شاملة.
تظل التطورات الأخيرة في البقاع اللبناني انعكاسا لتشابك معقد بين الضغوط الإسرائيلية والأميركية، وموقف حزب الله والحكومة اللبنانية، وسط مخاطر تصعيد قد تتسع في أي لحظة.
خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح تمثل محاولة لتخفيف حدة التوتر، وتحقيق توازن دقيق بين الالتزام بالمصلحة الوطنية وتجنب مواجهة شاملة مع إسرائيل.
يبقى الملف اللبناني محط متابعة دولية دقيقة، إذ أن أي خطوة خاطئة قد تشعل مواجهة واسعة لا تقتصر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، بل تمتد لتشمل الساحة الإقليمية بأبعاد سياسية وعسكرية. في هذا السياق، تبدو الأيام المقبلة حاسمة في تحديد مصير السلاح وحفظ الاستقرار، مع بقاء الضغط الأميركي كعامل مؤثر في رسم مسار الأحداث، وسط حرص جميع الأطراف على تجنب الفوضى وضمان استمرار التوازن الهش في لبنان والمنطقة.