يستقطب الاهتمام في هذه المرحلة كل من البتكوين والإيثريوم، لكن على نحو مختلف، إذ يتراجع الأول عن قممه الأخيرة بينما يواصل الثاني تعزيز حضوره بقوة في التداولات والمؤسسات الاستثمارية. ويمنح هذا التباين السوق زخماً غير مسبوق يعكس إعادة تشكيل موازين القوة بين العملتين.
يشهد أداء عملة البتكوين تذبذباً لافتاً مع عمليات تصحيح أوصلتها قرب أدنى مستوى لها في نحو سبعة أسابيع، قبل أن ترتفع من جديد، فيما لا تزال العملة المشفرة الأكبر بعيدة عن المستوى القياسي الذي سجلته في منتصف أغسطس الجاري.
يأتي هذا الانخفاض مع اكتساب الإيثريوم زخماً كخيارٍ رئيسي لمتداولي الأصول الرقمية، بعد أن بلغت ثاني أكبر عملة مشفرة أعلى مستوى له على الإطلاق عند 4,955 دولاراً يوم الأحد، قبل عمليات التصحيح التالية لها.
وبحسب بيانات بلومبرغ:
- شهدت صناديق الاستثمار المتداولة في البتكوين في الولايات المتحدة عمليات سحب صافية تجاوزت المليار دولار في أغسطس.
- بينما اجتذبت الصناديق المرتبطة بالإيثريوم تدفقات بلغت 3.3 مليار دولار.
- يعكس ذلك أوضح إشارة حتى الآن على دوران المستثمرين لصالح الإيثريوم.
وجاءت الارتفاعات الأخيرة التي شهدتها الإيثريوم بدعمٍ من تأثير تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، خلال ندوة جاكسون هول السنوية، والتي ألمح فيها إلى تخفيضات مرتقبة في أسعار الفائدة ، ما عزز شهية المخاطرة من قبل المستثمرين.
تغير في الموازين
من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن المشهد الحالي في سوق العملات الرقمية يعكس تغيراً في موازين الاهتمام بين البتكوين والإيثيريوم.
ويضيف:
- “دائماً ما أشبّه البتكوين بالذهب الرقمي؛ كونه يُستخدم كمخزن للقيمة، في حين أن الإيثيريوم يمثل الفضة بفضل قدراته التكنولوجية وتطبيقاته الواسعة”.
- “شهدنا في الفترة الأخيرة ارتفاعات قوية في أسعار الإيثيريوم مقابل تراجع البتكوين، ويعود ذلك إلى التطوير الكبير الذي طرأ على شبكة الإيثيريوم، إضافة إلى توسع استخدامه في المعاملات الرقمية والمنصات والتطبيقات المرتبطة بالتكنولوجيا المالية. كل ذلك جعل الإيثيريوم أكثر جذباً للمستثمرين”.
- “الإيثيريوم تجاوزت قبيل أيام مستويات 4900 دولار مع بعض التصحيحات لاحقاً، لكن التوقعات لا تزال ترجح إمكانية وصولها إلى 5700 دولار وربما أكثر بنهاية العام، خاصة مع التشريعات الجديدة الخاصة بالعملات المستقرة في الولايات المتحدة والصين وأوروبا، والتي تشكل دفعة إضافية للإيثيريوم”.
في المقابل، يوضح يرق أن “البتكوين يظل محدوداً في وظيفته كمخزن للقيمة، وهو ما يجعل نوعية المستثمرين فيه أكثر انتقائية. بينما نرى في الوقت الحالي المؤسسات المالية الكبرى توجه استثمارات ضخمة نحو الإيثيريوم (..) بالتوازي مع خروج ملحوظ من استثمارات البتكوين”.
ويعتقد بأن التطورات المختلفة، سواء على مستوى التشريعات أو التحديثات التقنية، تجعل الإيثيريوم في موقع أفضل حالياً مقارنة بالبتكوين، وتفسر الطلب المتزايد عليه من قبل المستثمرين الأفراد والمؤسسات”.
تصدر الإيثريوم
يشير تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، إلى أن الإيثر، وليس البتكوين، كان هو المتصدر لسوق العملات المشفرة لعدة أسابيع بفضل الرياح التنظيمية الداعمة، والطفرة في الاهتمام بالأصول المشفرة، والشراء الجماعي من قبل مجموعة جديدة من شركات تجميع الإيثر مثل Bitmine و SharpLink.
ساعد هذا التحول في دعم الإيثريوم، الذي يحافظ على مستوى فوق 4000 دولار هذا الشهر بعد اختبار مستوى المقاومة دون جدوى عدة مرات منذ عام 2021.
تغير مهم
يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن التحول الحالي للأنظار نحو الإيثريوم على حساب البتكوين يعكس تغيراً مهماً في حركة سوق العملات الرقمية، مدفوعاً بعوامل مالية وتقنية إلى جانب توجهات المستثمرين المؤسساتيين.
ويستطرد: الإيثريوم بات يجذب تدفقات رأسمالية قياسية، حيث سجلت صناديق الاستثمار المتداولة (ETF) الخاصة به في الولايات المتحدة أكثر من 6.7 مليار دولار هذا العام، وهو ما يعكس دخول شركات إدارة أصول رقمية كبرى إلى السوق وضخها استثمارات بملايين الدولارات في عملة الأثير، الأمر الذي يعزز الثقة بمستقبلها ويدعم التوقعات بوصولها إلى مستويات تاريخية جديدة.
ويشير إلى أن الجانب التقني للإيثريوم يمنحه أفضلية على البتكوين، إذ لا يقتصر دوره على كونه عملة رقمية، بل يمثل منصة رئيسية للعقود الذكية وتطبيقات التمويل اللامركزي (DeFi) والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs).
ويشدد على أن التحديثات الأخيرة، ولا سيما الانتقال إلى آلية إثبات الحصة (PoS)، أسهمت في زيادة كفاءته وخفض استهلاكه للطاقة، مما ساعد على تعزيز مكانته في الأسواق وجذب المزيد من المستثمرين المؤسسيين.
وفي المقابل، يرى سعيد على أن البتكوين ما زال يحتفظ بمكانته كـ “ذهب رقمي” ومخزن للقيمة، لكنه يعاني من حالة تذبذب وصعوبة متكررة في اختراق مستوياته التاريخية، بينما تظهر الإيثريوم مرونة أكبر وقدرة على استقطاب رأس المال، خاصة مع الطلب المتزايد على منصات بناء التطبيقات الذكية وحلول الطبقات الثانية المرتبطة بها.
وعلى الصعيد الفني، يؤكد خبير أسواق المال أن الإيثريوم يواصل التمسك بمناطق دعم حرجة ويحافظ على هيكل سعري صاعد، في حين يواجه البتكوين مقاومات قوية أمام تحقيق مكاسب إضافية، وهو ما يعزز النظرة التفاؤلية للإيثريوم كقائد محتمل لموسم العملات البديلة.
ويختتم سعيد بالقول إن أسواق العملات الرقمية تشهد تحولاً في توجهات المستثمرين من الاعتماد شبه الكامل على البتكوين إلى تنويع المحافظ الرقمية عبر الإيثريوم والعملات المرتبطة به، بما يعكس نضج السوق وزيادة وعي المستثمرين بضرورة الاستفادة من زخم الابتكار التقني الذي يوفره النظام البيئي الواسع للإيثريوم.