وفيما تؤكد مصادر مطلعة أن طهران كثفت ضغوطها على رئيس البرلمان نبيه بري بالتوازي مع زيارة المبعوث الأميركي توم باراك، يتزايد الجدل حول نوايا حزب الله، الذي عاد إلى التلويح بـ”الزوال” في حال نزع سلاحه، في مشهد يختلط فيه التحذير بالتهديد.
تحركات إيرانية خلف الكواليس
كشفت مصادر دبلوماسية لـ”سكاي نيوز عربية” أن السفير الإيراني في بيروت أجرى عدة اجتماعات مع بري، قبل وأثناء زيارة باراك، في محاولة لدفع الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ موقف يحفظ مصالح طهران في ظل المستجدات الجارية، لاسيما ما يتعلق بملف سلاح حزب الله.
وبحسب المصادر، فإن إيران تسعى إلى التأثير على الموقف الرسمي اللبناني من خلال الضغط المباشر على دوائر القرار، ما يُنذر بردود فعل أميركية حادة، خصوصا من إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تراقب بدقة سلوك طهران في الساحة اللبنانية.
نبرة “حزب الله” التصعيدية مقابل الموقف الأميركي
ويصرّ حزب الله على نبرته التصعيدية، حيث أكد عضو المجلس السياسي في الحزب، محمود قماطي، أن “شعار حصرية السلاح لا يعني حزب الله”، مشددا على أن الحزب “لن ينخدع” بمثل هذه الشعارات، وأن سلاحه جزء من “الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان”.
وذهب قماطي أبعد من ذلك، بقوله إن “لبنان مهدد من كل الجهات، وإن التخلي عن سلاح المقاومة يهدد بزوال الوطن”، في خطاب يرى مراقبون أنه لا يخلو من تهديد مبطن للدولة اللبنانية ومؤسساتها.
كما اعتبر قماطي أن من يطالب بحصرية السلاح “يخدم إسرائيل”، واصفا ذلك بـ”الكلام الخطر” الذي يضرب الوحدة الوطنية، ويخدم مخططات الخارج.
من جانبه، شدد المبعوث الأميركي الخاص باراك على أن “قضية سلاح حزب الله يجب أن تُحل داخليا”، مضيفا أن واشنطن مستعدة لدعم لبنان فقط في حال التزمت الحكومة اللبنانية بفرض احتكار الدولة للسلاح.
وأوضح باراك أن الجيش اللبناني هو الجهة العسكرية الشرعية الوحيدة، وأن استمرار وجود سلاح خارج إطار الدولة يشكل تحديا لا يمكن قبوله.
“القوات اللبنانية”: حزب الله هو الخطر الحقيقي
في مداخلة نارية عبر برنامج “التاسعة” على “سكاي نيوز عربية”، أكد رئيس جهاز الإعلام في حزب القوات اللبنانية شارل جبور أن حزب الله أصبح معزولا طائفيا، وأن “غالبية اللبنانيين اليوم من السنة والمسيحيين والدروز، وحتى قسم من الشيعة، يرفضون استمرار سلاح الحزب”.
وأشار جبور إلى أن “حزب الله غير قادر على شن حرب أهلية”، مستشهدا بانعدام الغطاء الإقليمي له، خصوصا بعد التغيرات في سوريا والعراق، وبتآكل قدراته أمام الهجمات الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف قياداته في لبنان وسوريا دون ردود فعل مؤثرة.
وحذّر جبور من أن السلاح غير الشرعي يشكل “خطرا وجوديا” على الجميع: على السنة والمسيحيين والدروز، وحتى على الشيعة أنفسهم، معتبرا أن الضمانة الحقيقية ليست في هذا السلاح بل في الدولة اللبنانية ومؤسساتها.
وأضاف: “هذا السلاح هو من أدخل إسرائيل إلى لبنان، وهو من قتل الشعب السوري، وهو من منع قيام الدولة”، داعيا إلى نزع سلاح حزب الله وتفكيك بنيته الأمنية والعسكرية.
وفي معرض تذكيره بالتاريخ، لفت جبور إلى أن القوات اللبنانية دفعت ثمنا باهظا لرفضها تسوية السلاح خارج إطار اتفاق الطائف، مشيرا إلى أن “حزب الله لم يلتزم بأي من بنود الاتفاق منذ عام 1991، واستمر كسلاح غير شرعي خارج مظلة الدولة”.
وأكد جبور أن ما يُطرح اليوم ليس سوى محاولة لتكرار تجارب فاشلة سابقة تحت مسمى “الاستراتيجية الدفاعية”، مشددا: “جربنا هذا الحوار منذ عام 2006، وكانت النتيجة دمارا وخرابا. اليوم، المطلوب موقف واضح من الدولة اللبنانية بمهلة زمنية لتسليم السلاح”.
أيلول الأسود
في تحذير مبطن، ألمح جبور إلى أن لبنان قد يكون على موعد مع “أيلول أسود ثانٍ”، إذا لم تبادر الدولة اللبنانية إلى الإمساك بزمام المبادرة.
وأوضخ جبور قائلا إن “هناك من ينتظر جولة عنف جديدة، وسط صمت رسمي مريب وتلكؤ في فرض هيبة الدولة”.
واعتبر أن “الضمانة الحقيقية للبنانيين ليست في سلاح حزب الله بل في عودة الدولة”، مضيفا: “كل ذرائع الحزب سقطت في الميدان، وكل حججه لم تعد تقنع أحدا، وعلى الدولة أن تقول له: سَلّم سلاحك”.
نهاية الاحتكار أو بداية الانفجار؟
الخطاب اللبناني الرسمي لا يزال حذرا، لكن واشنطن تمارس ضغوطا متزايدة، وطهران لا تتراجع عن تدخلها، أما حزب الله، فمتمسك بالسلاح باعتباره “خطاً أحمر”، بينما ترى جهات لبنانية وازنة، وفي طليعتها القوات اللبنانية، أن هذا السلاح هو السبب في انهيار لبنان وفقدان سيادته.
لبنان أمام مفترق حاسم: إما السير نحو دولة حقيقية تحتكر السلاح وتفاوض باسم الشعب، وإما البقاء ساحة مفتوحة لصراعات الخارج ومغامرات الداخل.