هذه الضربات ليست مجرد رد فعل على الهجمات الحوثية ضد السفن الأميركية والإسرائيلية، بل تحمل في طياتها رسائل سياسية وعسكرية موجهة إلى طهران، التي تُعتبر الداعم الرئيسي للحوثيين.
الضربات.. بين تأمين الملاحة ومواجهة النفوذ الإيراني
أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي اليمني، خالد النسي خلال حديثه لغرفة الأخبار على “سكاي نيوز عربية”، أن الضربات الأميركية تستهدف بشكل رئيسي تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الذي يُعتبر أحد أهم الممرات المائية في العالم.
ويشير النسي إلى أن الحوثيين، الذين يصفهم بـ”الذراع الإيراني”، يستخدمون تكتيكات عسكرية متطورة بتوجيه من طهران، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية.
ويضيف النسي: “إيران هي من تحرك الحوثيين منذ بداية الصراع في اليمن، وهم ليسوا سوى أدوات في يد طهران لزعزعة أمن المنطقة”.
ويؤكد أن الضربات الأميركية ليست موجهة فقط لتدمير القدرات العسكرية للحوثيين، بل أيضا لإرسال رسالة واضحة إلى إيران بأن واشنطن لن تسمح بتصعيد التهديدات ضد مصالحها وحلفائها.
ويشير النسي إلى أن الحوثيين، رغم الضربات الأميركية، لا يزالون يمتلكون قدرات عسكرية كبيرة، بما في ذلك مخازن أسلحة مخبأة في الكهوف والمناطق الجبلية.
ويقول: “الضربات الجوية، مهما كانت قوية، لن تقضي على الحوثيين بشكل كامل دون وجود قوات برية على الأرض”.
إيران وحروب الوكالة.. استراتيجية التصعيد بالنيابة
من جانبه، يرى الخبير في العلاقات الدولية مهند العزاوي أن الضربات الأميركية هي جزء من استراتيجية أوسع لمواجهة “حروب الوكالة” التي تنتهجها إيران في المنطقة.
ويقول العزاوي: “إيران تعتمد على وكلائها، مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، لتصعيد التوترات دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة”.
ويشير العزاوي إلى أن الضربات الأميركية، رغم قوتها، لن تقضي على الحوثيين بشكل كامل، لأنهم يعتمدون على بنية تحتية معقدة، بما في ذلك مخازن أسلحة مخبأة في الكهوف والمناطق الجبلية.
ومع ذلك، يرى أن هذه الضربات تهدف إلى تقليص القدرات العملياتية للحوثيين، وإجبار إيران على إعادة حساباتها في المنطقة.
ويضيف العزاوي ان الولايات المتحدة تريد إشعار إيران بأنها تعلم كل شيء عن دعمها للحوثيين، وأن الضربات ليست عشوائية بل مدروسة لتحقيق أهداف استراتيجية”.
ويشير إلى أن إيران قد ترد على هذه الرسائل عبر قنوات دبلوماسية خلفية، خاصة بعد أن أرسلت طهران رسائل عبر سلطنة عمان تفيد برغبتها في خفض التصعيد.
ترامب واستراتيجية “السلام من خلال القوة”
أوضح محلل الشؤون الأميركية في سكاي نيوز عربية، موفق حرب خلال تحليله أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتبع سياسة “السلام من خلال القوة”، حيث يعتمد على الضربات العسكرية المحدودة لإرسال رسائل سياسية قوية. ويقول حرب: “ترامب يريد إيصال رسالة إلى إيران وحلفاء الولايات المتحدة بأن واشنطن لن تتردد في استخدام القوة لحماية مصالحها”.
ويضيف أن الضربات الأميركية ليست فقط ردا على الهجمات الحوثية، بل هي أيضًا جزء من استراتيجية أوسع لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
ويشير إلى أن ترامب يريد إنهاء حروب الوكالة التي تفضلها إيران، ويرسل رسالة واضحة إلى طهران بأن واشنطن لن تسمح بتكرار سيناريوهات مماثلة لتلك التي حدثت في سوريا ولبنان.
ويقول حرب: “ترامب يريد أن يعطي إشارة جديدة بأن الولايات المتحدة لن تنتظر حتى تتعرض مصالحها للهجوم، بل ستتحرك بشكل استباقي لمواجهة التهديدات”.
ويشير إلى أن هذه الضربات هي أيضا رسالة إلى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة دول الخليج، بأن واشنطن جادة في حماية مصالحها وحلفائها.
إيران بين التصعيد والدبلوماسية.. رسائل خلفية عبر عُمان
يكشف المحلل الخاص لسكاي نيوز عربية محمد صالح صدقيان أن إيران أرسلت رسائل دبلوماسية خلفية عبر سلطنة عمان، تفيد برغبتها في خفض التصعيد في اليمن.
ويقول صدقيان: “إيران لا تريد التصعيد في هذه المرحلة، وقد أرسلت رسائل إلى واشنطن عبر الوساطة العمانية تؤكد أنها ليست وراء قرارات الحوثيين باستهداف السفن في البحر الأحمر”.
ويشير صدقيان إلى أن هناك اتجاهين داخل مجلس الأمن القومي الإيراني: الأول يرى أن الرد على رسالة ترامب قد يؤدي إلى تصعيد غير مرغوب فيه، بينما يرى الاتجاه الثاني أن طهران يجب أن ترد على الرسالة الأميركية بشكل دبلوماسي لتجنب المواجهة المباشرة.
ويضيف: “إيران تدرك أن خياراتها محدودة في ظل الضغوط الأميركية، وقد تلجأ إلى الدبلوماسية لتجنب التصعيد”.
ويشير صدقيان إلى أن إيران قد تستخدم الحوثيين كأداة للضغط على الولايات المتحدة، لكنها في نفس الوقت تريد تجنب التصعيد المباشر الذي قد يعرضها لعقوبات إضافية وضغوط دولية.
اليمن ساحة صراع إقليمي بامتياز
يتحول اليمن إلى ساحة صراع إقليمي بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تحاول واشنطن إرسال رسائل قوية عبر الضربات الجوية ضد الحوثيين، بينما تسعى طهران للحفاظ على نفوذها عبر دعم الجماعة.
الخبراء يتفقون على أن الضربات الأميركية ليست مجرد رد فعل عسكري، بل هي جزء من استراتيجية أوسع لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
ومع استمرار التصعيد، تبقى المنطقة على حافة مواجهة أوسع قد تؤثر على استقرار البحر الأحمر والممرات الملاحية الدولية. السؤال الأكبر الآن هو: هل ستستجيب إيران للضغوط الأميركية وتخفف من دعمها للحوثيين، أم ستستمر في استخدام اليمن كساحة لتصفية الحسابات الإقليمية؟.. الإجابة قد تحدد مستقبل التوترات في المنطقة لسنوات قادمة.
بين المطرقة والسندان
اليمن أصبح بين مطرقة الضربات الأميركية وسندان النفوذ الإيراني، في صراع يعكس التنافس الإقليمي والدولي على السيطرة على الممرات المائية الحيوية. الضربات الأميركية، رغم قوتها، لن تحل الأزمة اليمنية بشكل جذري دون حل سياسي شامل.
وفي الوقت نفسه، تبقى إيران لاعبا رئيسيا في المعادلة، حيث تحاول تحقيق أقصى استفادة من حروب الوكالة دون الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن. المستقبل يبقى غامضا، ولكن ما هو مؤكد أن اليمن سيبقى ساحة ساخنة للصراعات الإقليمية والدولية في الفترة القادمة.