مع انتشار التطبيقات الذكية، بات بإمكان الأفراد والشركات توظيف هذه التقنيات لتحليل البيانات، وأتمتة المهام، واتخاذ قرارات أكثر دقة وسرعة، مما يمنحهم ميزة تنافسية في سوق متغير باستمرار.
ورغم المخاوف من تأثير الذكاء الاصطناعي على بعض الوظائف التقليدية، فإن الواقع يثبت أن استخدامه بذكاء يمكن أن يعزز الأداء الوظيفي ويتيح للعاملين التركيز على المهام الإبداعية والاستراتيجية.
فكيف يمكن توظيف هذه النماذج بفعالية لضمان تحقيق أقصى استفادة منها في بيئة العمل؟
تقرير لشركة ريدريس كومبلاينانس الاستشارية، يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي أحدث تحولاً في أماكن العمل الحديثة، وثورة في المهام والمنظمات.. ورغم الاهتمام الكبير بالتحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على التوظيف، فإن تأثيراته الإيجابية عميقة بنفس القدر.
من زيادة الكفاءة إلى خلق فرص عمل جديدة، يعمل الذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل القوى العاملة بشكل هادف وتعزيز الابتكار عبر الصناعات.. وسلط التقرير الضوء على المجالات الرئيسية التي أحدث فيها الذكاء الاصطناعي فرقًا كبيراً، على النحو التالي:
- زيادة الكفاءة: تعمل الذكاء الاصطناعي على أتمتة المهام الروتينية التي تستغرق وقتًا طويلاً، مما يسمح للعاملين من البشر بالتركيز على الأنشطة الأكثر تعقيدًا والقيمة المضافة.
- إنشاء فئات وظيفية جديدة: مع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فقد أدت إلى ظهور مجالات وأدوار جديدة تمامًا، مما أدى إلى تحويل مشهد التوظيف.. من بين الفئات الجديدة (مدربو الذكاء الاصطناعي، وخبراء الصيانة، وخبراء أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ومحللو ومهندسو البيانات).
- تعزيز السلامة: تعمل الأتمتة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي على إحداث ثورة في مجال السلامة في مكان العمل من خلال تقليل التعرض البشري للبيئات الخطرة.
- القدرة على مواجهة التحديات العالمية المعقدة: تُمكِّن قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة في معالجة البيانات والتحليلات التنبؤية المؤسسات من معالجة بعض القضايا الأكثر إلحاحًا في العالم.
- تعزيز الإمكانات البشرية: تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي على تعزيز القدرات البشرية من خلال توفير الأدوات والرؤى التي تعمل على تعزيز الأداء.
- تعزيز الابتكار: تمكّن أنظمة الذكاء الاصطناعي الشركات والأفراد من تجاوز حدود الابتكار.
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي، ياسين أحمد، أن الموظفين يمكنهم توظيف نماذج الذكاء الاصطناعي لتحقيق إنتاجية ونجاح أكبر في العمل؛ شريطة مراعاة الضوابط الأخلاقية واستخدام هذه التقنيات بطرق فعالة ومنهجية. موضحاً أن هناك عدة أمور يمكن اتباعها لتحقيق أقصى استفادة، وأبرزها:
- إدخال البيانات وتحليل التقارير وتدقيق المستندات: يمكن للذكاء الاصطناعي تولي هذه المهام الروتينية، مما يوفر الوقت للموظفين ويسمح لهم بالتركيز على الأعمال الإبداعية والاستراتيجية.
- تحليل البيانات واتخاذ قرارات مستنيرة: باستخدام أدوات تحليل البيانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكن استخراج أنماط وتوجهات من البيانات الكبيرة. هذا يساعد في اتخاذ قرارات دقيقة وتوقع الاحتياجات المستقبلية، مما يساهم في نجاح إدارة الأعمال.
- التعلم المستمر باستخدام الذكاء الاصطناعي: الموظفون يمكنهم تحسين مهاراتهم عبر أدوات التعلم الذاتي والتدريب، مثل الدورات التدريبية المتخصصة والمساعدات الذكية، ما يعزز من تطويرهم المهني بشكل مستدام.
- تحسين التواصل مع العملاء: بفضل روبوتات المحادثة مثل ChatGPT والنماذج المشابهة، يمكن للموظفين تحسين التفاعل مع العملاء من خلال تقديم إجابات سريعة ودقيقة لاستفساراتهم، مما يعزز رضا العملاء ويزيد من الكفاءة.
- مراعاة الضوابط الأخلاقية: من المهم الالتزام بالمبادئ الأخلاقية عند استخدام الذكاء الاصطناعي، لضمان الاستخدام المسؤول للتقنيات وحماية الخصوصية والشفافية.
- الابتكار في العمليات الداخلية للمؤسسات: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات الداخلية مثل إدارة المخزون، تحليل سلاسل الإمداد، وزيادة الإنتاجية التشغيلية، مما يؤدي إلى رفع الكفاءة وخفض التكاليف.
ويشدد على أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً للموظفين، بل أداة تمكينية تعزز إمكانياتهم وتفتح آفاقًا جديدة للابتكار والتميز في العمل.
زيادة الإنتاجية
تقرير للمعهد الاقتصادي الألماني، يشير إلى أن:
- ما يقرب من أربع من كل عشر شركات وظفت بالفعل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في بعض المجالات على الأقل أن استخدام الذكاء الاصطناعي أدى إلى زيادة إنتاجية العمل.
- لاحظ 45 بالمئة من الموظفين الذين يعملون مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي لبعض الوقت زيادة في أدائهم في العمل منذ عام 2022.
- هذه النسبة أعلى بكثير من تلك بين أولئك الذين لا يستخدمون الذكاء الاصطناعي (32 بالمئة).
- ولكن يعتقد حوالي 15 بالمئة من مستخدمي الذكاء الاصطناعي الذين يستخدمون تطبيقات حديثاً أن أداءهم قد انخفض بشكل عام. يبدو أن الأمر يستغرق قدرًا معينًا من الوقت لتطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل فعال.
- علاوة على ذلك، تعتمد العلاقة بين تطبيقات الذكاء الاصطناعي وأداء العمل على تعليم الموظفين وخبرتهم.
- تشير النتائج إلى أن الذكاء الاصطناعي من المرجح أن يرتبط بتحسين الأداء بين الموظفين ذوي المعرفة المتخصصة وخبرة العمل.
ويعد ظهور تقنيات قوية مثل ChatGPT من OpenAI وGemini من Google وغيرها من التقنيات يوفر فرصة للنمو الشخصي والمهني.
وفي حين أنه من غير الواضح بالضبط كيف سيتغير مكان العمل في عصر الذكاء الاصطناعي، فإن امتلاك المعرفة الأساسية بهذه الأدوات سيساعدك على البقاء على صلة بالواقع وقابلية التكيف، وفق تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية.
ووفقًا للخبراء، فإن المهارات البشرية مثل التفكير النقدي، والإبداع، والذكاء العاطفي ستظل ذات أهمية في بيئة العمل المدعومة بالذكاء الاصطناعي. فبدلاً من استبدال الوظائف بالكامل، يُتوقع أن تسهم هذه التقنيات في تعزيز الإنتاجية من خلال أتمتة المهام الروتينية، مما يتيح للموظفين التركيز على الجوانب الاستراتيجية والابتكارية.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي دون تطوير المهارات البشرية اللازمة قد يؤدي إلى فجوة معرفية بين الأفراد المتمكنين تقنيًا وأولئك الذين يفتقرون إلى الخبرة. لذا، فإن التحدي الحقيقي يكمن في تحقيق توازن بين تبني التكنولوجيا وتعزيز المهارات التحليلية والإبداعية، مما يضمن اندماجًا أكثر استدامة في بيئة العمل المستقبلية.
تطوير الأعمال
هذا ما تؤكده خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، لدى حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” والتي تشير إلى أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الأعمال، ذلك أنه يسهم بشكل كبير في تسهيل العمليات المختلفة وتعزيز الإنتاجية، مشددة على أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة شائعة، حتى في كتابة السير الذاتية للمتقدمين للوظائف، حيث يُساعد على تحسين عرض المهارات بشكل احترافي، مما يزيد من فرص الحصول على الوظائف.
وتوضح أن الذكاء الاصطناعي يدخل الآن في مختلف المجالات، مثل الهندسة والمحاسبة والتدريب الحياتي (Life Coaching)، مؤكدة على أهمية مواءمة استخدامه مع متطلبات المجتمع المحلي لترويج المهارات وتنشيط الأعمال بشكل فعال. وتضيف أن من يعرف كيفية استخدام هذه الأدوات بشكل صحيح وفي الوقت المناسب سيحظى بميزة تنافسية ويحقق مكانة أفضل.
كما تؤكد رمسيس أن استخدام الذكاء الاصطناعي لا يتعارض مع القيم المهنية، بل يمثل وسيلة لدعم وتطوير الذات، سواء للحصول على فرص عمل أفضل، أو تحقيق ترقيات، أو إبراز القدرات والمهارات أمام الرؤساء والزملاء، مشيرة إلى أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يتطلب الإبداع والقدرة على العمل تحت الضغط، مما يعزز مكانة المستخدم ويدفع الآخرين للسعي إلى تطوير أنفسهم.
كما تشدد على أهمية الاطلاع على ثقافات مختلفة والاستفادة من خبرات الآخرين عبر الوسائط الحديثة مثل البودكاست، الذي أصبح أداة فعالة للتأهيل المهني وتطوير الإنتاجية، خاصة في الشركات المتقدمة التي تعتمد على التكنولوجيا.
وتختتم خبيرة أسواق المال حديثها بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي أداة إيجابية إذا استخدمت لتنمية الذات وتعزيز العمل الجماعي، محذرة من استخدامه بشكل غير أخلاقي للإضرار بالزملاء. ووصفت الذكاء الاصطناعي بأنه وسيلة تساعد على تحسين بيئة العمل، رفع الإنتاجية، وتقليص الوقت، مما يعود بالنفع على الموظفين والشركات على حد سواء.