وشكل الصراع الذي دار بين لبنان وإسرائيل لمدة قاربت 14 شهراً وتصاعدت وتيرته في الشهرين الأخيرين، صدمة إضافية للاقتصاد اللبناني الهش، ما جعل العجلة الاقتصادية تهبط بسرعة قياسية الى قعر الهاوية على مختلف المستويات.
وكشف رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، الوزير السابق محمد شقير، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن القطاعات الاقتصادية والإنتاجية في البلاد مرّت خلال الحرب بوضع غير مسبوق من مختلف الجوانب، الأمر الذي كان يهدد بسقوط الدولة اللبنانية.
وأشار إلى توقف نحو 30 بالمئة من المصانع عن العمل، بسبب وجودها في المناطق الساخنة، في حين انخفض نشاط القطاع الصناعي ككل، بحدود 50 بالمئة.
انهيارات في مختلف القطاعات
لفت شقير إلى أن القطاع التجاري في لبنان ما عدا الطعام والدواء، سجل تراجعاً كبيراً تراوحت نسبته بين 80 و90 بالمئة، وهذا التراجع انسحب أيضاً على قطاع المطاعم الذي سجل إنكماشاً فاقت نسبته 90 بالمئة.
في حين تراوح معدل الإشغال في الفنادق بين 5 و10 بالمئة وهي نسبة كارثية بالنسبة للقطاع، بحسب شقير، مشيراً إلى أن أعمال قطاع المعارض والمؤتمرات، بلغت صفر مع إلغاء مختلف النشاطات، بينما أصاب الشلل الكامل قطاع السهر الذي تراجع بنسبة 100 بالمئة.
وكشف شقير أن النشاط الزراعي في لبنان انخفض بأكثر من 40 بالمئة، بينما انخفضت حركة السفر الجوي بدرجة كبيرة، مع تراجع حركة الوصول إلى مطار رفيق الحريري الدولي بنسبة 90 بالمئة، إضافة إلى تراجع حركة المغادرة بنسبة 60 بالمئة، في حين حافظ مرفأ بيروت على حركته مقارنة بالعام الماضي، إلا أنه سجل إنخفاضاً بحدود 30 في المئة نسبة للتوقعات المفترضة لهذه الفترة.
وبحسب ما كشف مصدر مسؤول في الهيئات الاقتصادية لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإنه فور انتهاء الحرب، دعا شقير الهيئات الاقتصادية اللبنانية، الى عقد اجتماع طارىء ظهر غدٍ الجمعة، بهدف وضع تصور ورؤية لمتطلبات النهوض بالقطاع الخاص، وكذلك لتنشيط الشركات والمؤسسات الخاصة في اليوم التالي للحرب، حيث سيركز الاجتماع على كيفية توفير تمويل ميسر للمؤسسات والشركات الخاصة، التي تضررت بشكل كبير جراء القصف وأيضاً بسبب تراجع الأعمال.
واعتبر المسؤول في الهيئات الاقتصادية، أن مستوى الأعمال في لبنان، تراجع بحدود 85 بالمئة بسبب الحرب، ما جعل المؤسسات في وضع حرج وأجبرت على تسريح عمالها.
وبالتالي فإن إعادة نهوض هذه المؤسسات يتطلب تمويلاً طويل الأمد، وهذا ما ستعمل على تأمينه الهيئات الاقتصادية في المرحلة المقبلة، وذلك بالتعاون مع الحكومة والجهات المانحة، خصوصاً أن المصارف وبسبب الأزمة التي تمر بها غير قادرة على توفير التمويل أو منح القروض.
فاتورة قاسية على الاقتصاد
بدوره قال الباحث في “الدولية للمعلومات”، محمد شمس الدين في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الأرقام تُظهر أن حجم الأضرار المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن الحرب، حتى يوم انتهائها بالأمس، بلغ نحو 12 مليار دولاراً أميركياً.
وأوضح أن الخسائر المباشرة شملت الدمار الكلي والجزئي للمباني والوحدات السكنية، بقيمة لا تقل عن 5.2 مليارات دولار، بالإضافة إلى أضرار في البنية التحتية، مثل شبكات المياه والاتصالات والكهرباء والطرق، بقيمة 600 مليون دولار، في حين بلغت خسائر المؤسسات التجارية والسياحية والصناعية نحو 520 مليون دولار، بينما تكبد القطاع الزراعي خسائر بقيمة 920 مليون دولار نتيجة الحرائق والكساد، إلى جانب تكاليف إزالة الأنقاض وإصلاح السيارات المتضررة التي قُدرت بـ430 مليون دولار أميركي.
وبحسب شمس الدين، فإن الخسائر غير المباشرة للحرب والناتجة عن تراجع الاقتصاد، قُدّرت بنحو 4.2 مليارات دولار، موزعة على مرحلتين، المرحلة الأولى امتدت من 8 أكتوبر 2023 حتى 16 سبتمبر 2024، حيث تكبّد الاقتصاد خسائر يومية تُقدّر بـ 6 ملايين دولار.
أما المرحلة الثانية، التي شهدت تصاعداً في وتيرة الحرب، فامتدت من 17 سبتمبر 2024 حتى وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024، وقدرت الخسائر خلالها بـ 30 مليون دولار يومياً، بإجمالي 2.1 مليار دولار خلال 70 يوماً، إذ بلغت الخسائر ذروتها مع توقف عجلة الاقتصاد بنسبة 50 بالمئة تقريباً.
ويكشف شمس الدين أن هناك 15 ألف مؤسسة قد تضررت بشكل جزئي أو كليّ يعمل فيها نحو 250 ألف موظف وعامل توقفوا عن العمل، وهؤلاء قد يعودون الى العمل في المؤسسات التي ستعود اليها الحياة، بينما يجب الانتظار لأسبوعين على أقل تقدير لإجراء المسح ببقية المؤسسات والعمال.
خطوات إنقاذ الاقتصاد
من جهته يقول المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة في لبنان الدكتور محمد أبو حيدر، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن المطلوب اليوم هو إعادة إطلاق الاقتصاد، وهو ما لا يتم إلا من خلال إقرار موازنة تعكس الواقع، وتتبنى سياسة نقدية ومالية واقتصادية متناغمة.
وشدد على ضروة إجراء تقييم دقيق للأضرار والخسائر، ووضع خطة عمل سريعة جداً، على أن تشمل الخطط المناطق الصناعية والمصانع التي تضررت، لتستعيد نشاطها بأسرع وقت ممكن، والتي بدورها ومن خلال صادراتها من السلع اللبنانية الى الخارج، تشكل مصدراً رئيسياً لإدخال العملة الصعبة الى البلاد.
كما شدّد أبو حيدر على أن مرحلة ما بعد الحرب، تتطلب إقرار خطة إصلاحية شاملة، تطال جميع القطاعات الاقتصادية، فإلى جانب ضرورة إقرار الموازنة، يجب الإسراع أيضاً في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، قادرة على تنفيذ الإصلاحات بشكل فوري، حيث أن هذه الخطوات ستساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، ما يعزز خلق فرص العمل ويدفع بعجلة النمو الاقتصادي، متوقعاً توقع أن يشهد لبنان في المرحلة المقبلة تدفقاً للعملات الصعبة، خصوصاً في إطار إعادة الإعمار، سواء من المغتربين أو من قبل الجهات المانحة الدولية.
وأشاد أبو حيدر بالسياسة النقدية المتماسكة التي انتهجها مصرف لبنان ومجلسه المركزي، بقيادة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، الذي اعتمد سياسة حكيمة في إدارة سعر الصرف، ما أسهم في تحقيق استقرار نقدي ملحوظ طيلة فترة الحرب، محافظاً بذلك على استقرار الليرة اللبنانية رغم التحديات الكبرى التي واجهها الاقتصاد.