فيما يخص صندوق الثروة السيادي النرويجي (الأكبر في العالم، والذي تبلغ قيمته 1.7 تريليون دولار)، فقد خفض حصصه في Meta Platforms وNovo Nordisk وASML Holding ، وهي جميعها من بين أكبر 10 حصص له، وذلك خلال النصف الأول من العام.
- خفض الصندوق حصته في Meta إلى 1.18 بالمئة (بقيمة حوالي 15.1 مليار دولار) اعتباراً من منتصف العام، وذلك من 1.22 بالمئة في نهاية العام الماضي 2023، وفقاً لقائمة محدثة للاستثمارات نُشرت يوم الثلاثاء.
- الصندوق احتفظ بحصة 1.75 بالمئة في Novo في منتصف العام، انخفاضاً من 1.87 بالمئة في 31 ديسمبر، بينما انخفضت حيازته في ASML إلى 2.54 بالمئة من 2.61 بالمئة خلال نفس الفترة.
نجح الصندوق في تحقيق المليارات من شركات التكنولوجيا في النصف الأول من العام الجاري. وكان قد أعلن الأربعاء عن أرباح النصف الأول من العام بلغت 1.48 تريليون كرونة (138 مليار دولار)، مدفوعة في المقام الأول بالعوائد القوية على استثماراته في “أسهم التكنولوجيا”.
وقالت مؤسسة التقاعد الحكومية العالمية – أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم – إن قيمتها بلغت 17.75 تريليون كرونة في نهاية يونيو. وبلغ العائد الإجمالي للصندوق خلال الفترة المكونة من ستة أشهر 8.6 بالمئة، وهو أقل بنحو 0.04 نقطة مئوية من العائد على مؤشره المرجعي.
وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة إدارة الاستثمار في بنك نورجيس، نيكولاي تانجن، فإن الاستثمارات في الأسهم حققت عائدا قويا للغاية في النصف الأول من العام، مشيراً إلى أن النتيجة كانت مدفوعة بشكل رئيسي بأسهم “التكنولوجيا”، بسبب زيادة الطلب على حلول جديدة في مجال “الذكاء الاصطناعي”.
وارن بافيت.. نموذج آخر
وفي سياق يُبرز أيضاً تقليص مستثمرين كبار لحصصهم بشركات التكنولوجيا، فقد تخلصت شركة بيركشاير هاثاواي التابعة لوارن بافيت، من ما يقرب من نصف أسهم شركة أبل العملاقة، وذلك في خطوة مفاجئة للمستثمر الشهير بتركيزه على الأمد الطويل.
كشفت شركة بيركشاير هاثاواي، التي تتخذ من أوماها مقراً لها، في تقرير أرباحها، أن حصتها في الشركة المصنعة لآيفون بلغت 84.2 مليار دولار في نهاية الربع الثاني، وهو ما يشير إلى أن شركة بافيت تخلصت من أكثر من 49 بالمئة من حصتها في التكنولوجيا. لكن حتى بعد البيع، تظل شركة آبل هي أكبر حصة أسهم لشركة بيركشاير هاثاواي.
يأتي بيع أسهم أبل في ظل نمط أوسع من البيع من جانب بافيت في الربع الثاني، حيث باعت بيركشاير أكثر من 75 مليار دولار من الأسهم في تلك الفترة ، مما رفع القلعة النقدية للمجموعة إلى مستوى قياسي بلغ 277 مليار دولار.
وكان بافيت قد قلص حصته في أبل بنسبة 13 بالمئة في الربع الأول من العام، وألمح في الاجتماع السنوي لشركة بيركشاير في مايو إلى أن ذلك كان لـ “أسباب ضريبية”، مشيراً إلى أن بيع جزء صغير من أبل هذا العام من شأنه أن يفيد مساهمي بيركشاير في الأمد البعيد إذا ما تم رفع الضريبة على مكاسب رأس المال في المستقبل من قِبَل الحكومة الأميركية الراغبة في سد العجز المالي المتزايد.
لكن بحسب تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، فإن حجم هذا البيع يشير إلى أنه قد يكون أكثر من مجرد خطوة لتوفير الضرائب.
أسباب مختلفة
وفي تقدير محللين، فإن التخارج من أسهم التكنولوجيا -التي تظل عند مستويات مرتفعة ولا تزال تحظى برهانات واسعة بالرغم من ذلك- يأتي مدعوماً بعدة عوامل، من بينها (التقييمات المرتفعة والبحث عن تقييمات عادلة)، ذلك أن التقييمات المرتفعة لبعض شركات التكنولوجيا تعتبر من أبرز العوامل التي قد تدفع كبار المستثمرين للتخارج. مع ارتفاع أسعار الأسهم بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، قد يرى المستثمرون أن الأسعار الحالية تعكس تقييمات مبالغ فيها. في هذه الحالة، يمكن أن يكون التخارج استراتيجية لحماية الأرباح وتحقيق عوائد مغرية قبل حدوث تصحيح في السوق.
كما تعكس بعض عمليات التخارج “تغيرات في استراتيجيات الاستثمار” وتحولات نحو قطاعات أخرى تعتبر أكثر استقراراً أو توفر فرص نمو أعلى، بالنظر إلى أن الاستثمار في الشركات التكنولوجية قد يتطلب مستوى عالٍ من المخاطرة، مما يجعل التنويع والبحث عن استثمارات أقل تقلبًا أكثر جاذبية.
هذا بالإضافة أيضاً إلى التأثيرات الناجمة عن التغيرات في الاقتصاد الكلي، لا سيما فيما يرتبط بأسعار الفائدة الأميركية، جنباً إلى جنب وتغيرات في نماذج أعمال الشركات التكنولوجيا ربما تكون دافعة لهذا الاتجاه، لا سيما في ظل الاندفاع في الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي دون أن يرى المستثمرون المردود الأكبر المُنتظر حتى الآن بما يلبي تلك الاستثمارات.
تخارج واسع النطاق
من جانبه، يشير الخبير التكنولوجي، محمد حجازي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن ثمة مجموعة من الدلائل تشير إلى تخارج واسع النطاق للمستثمرين من أسهم شركات التكنولوجيا؛ فبعد قرار صندوق الثروة السيادي النرويجي ببيع حصص كبيرة في شركات عملاقة (مثل ميتا)، وتزامنًا مع قرارات مماثلة من مستثمرين بارزين مثل وارن بافت، يبدو أن التوقعات بتراجع أداء هذه الشركات في المستقبل آخذة في الازدياد.
ويضيف:
- تزايد معدلات البيع والتخارج من الصناديق الاستثمارية الكبيرة من أسهم شركات التكنولوجيا خلال الفترة الماضية يعكس بوضوح هذه التوقعات.
- تؤكد تقلبات أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى وهبوط قيمتها مقارنة بالسنوات السابقة على هذا الاتجاه.
ويشدد استشاري تشريعات التحول الرقمي والإبتكار والملكية الفكرية، في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، على أن أسعار الفائدة المرتفعة، ولا سيما في الولايات المتحدة، تؤثر سلباً على أداء شركات التكنولوجيا. ومع خروج المستثمرين بشكل تدريجي، يتضح أنهم يرون بعض المخاطر والتحديات التي قد تواجه هذه الشركات.
ومن المتوقع أن تشهد أسواق الأسهم مزيداً من التقلبات والتذبذبات، مما سيؤدي إلى الضغط على أسعار الأسهم وهبوطها. وقد يؤدي ذلك إلى تراجع ثقة المستثمرين الجدد في الاستثمار في شركات التكنولوجيا، وفق حجازي، الذي يوضح أن تخارج المستثمرين الكبار يدفع إلى إعادة تقييم المخاطر المرتبطة بالاستثمار في الأسهم التكنولوجية.
أسهم القيمة والنمو
من جانبه، يقول خبير أسواق المال، العضو المنتدب لشركة “آي دي تي للاستشارات والنظم التقنية”، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن عمليات تخارج كبار المستثمرين من شركات التكنولوجيا تعكس تحوّل قراراتهم الاستثمارية نحو “أسهم القيمة” بينما غالبية أسهم التكنولوجيا تندرج تحت تصنيف “أسهم النمو”.
ويضيف: “الارتفاعات الكبيرة التي حققتها أسهم التكنولوجيا خلال السنوات الأخيرة وارتفاع مضاعفات الربحية لهذه الشركات يضعها في خانة المخاطرة العالية، خصوصاً مع التساؤلات التي أثيرت أخيراً حول جدوى وعائد الاستثمار من الإنفاق الضخم على التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي؛ فقد استقبلت هذه التكنولوجيا استثمارات ضخمة جداً في الوقت الذي لم تحقق فيه عوائد تتناسب مع هذا الإنفاق، مما يلفت الانتباه إلى درجات المخاطرة في ظل التقييمات المرتفعة الحالية لشركات التكنولوجيا، والتي ربما تكون خطرة”.
ويشدد على أن “المسألة ليس مرتبطة فقط بشركات التكنولوجيا، بل السوق الأوسع نفسها بدأت تواجه مخاطر كبيرة في الأيام الأخيرة، لا سيما بعد تقرير الوظائف الأميركي الصادر عن وزارة العمل، والذي عكست نتائجه احتمالات الركود الاقتصادي، ومما يزيد من درجة المخاطرة للاستثمار في سوق المال بشكل عام”.
ويضيف:
- حدثت اضطرابات شديدة في سوق المال خلال الأيام الماضية عندما رفع البنك المركزي الياباني الفائدة بشكل مفاجئ.
- نظراً لأن التمويل الأكبر للأموال الساخنة حول العالم وتجّار الفائدة الذين ينشطون فيما يسمى بـ “الكاري تريد” يعتمدون على الين الياباني، فوجئوا بتحرك البنك المركزي الياباني والارتفاع المفاجئ في الين مقابل الدولار.
- هذا الأمر تسبب في تخارج سريع وقوي للأموال الساخنة في محاولة لتسديد الديون والالتزامات خشية تفاقم الخسائر، مما يلفت الانتباه إلى ضرورة تقليل المخاطرة من جانب المستثمرين والعودة للاستثمار في أسهم القيمة بدلاً من أسهم النمو، وبالتالي يحدث تخارج نسبي من شركات التكنولوجيا.