لكن المحللين أوضحوا في المقابل أن هذه “الشرعنة” لا تنهي الجدل حول هذه الفئة من الأصول التي يُنظر إليها في الغالب على أنها شديدة الخطورة والتقلب، على الرغم من أنها بدأت تصبح أصلاً مرغوباً بحد ذاته للجيل الأصغر من المستثمرين.
ووافقت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) أخيراً على إطلاق صناديق استثمار فورية للبتكوين، حيث يتوقع محللون في بنك “ستاندرد تشارترد” بعد هذه الموافقة تدفقات الأموال في حدود 50 مليار دولار إلى 100 مليار دولار في عام 2024، وفقاً لشبكة CNBC، والتي اعتبرت بأنها ستكون بمثابة الفرصة الأولى للعديد من مديري الثروات الكبار للوصول إلى العملات المشفرة، وأنه يمكن لصناديق الاستثمار المتداولة في البتكوين أن تفتح الباب على مصراعيه لسوق إدارة الثروات والذي يقدر بـ 30 تريليون دولار.
ونقلت الشبكة عن أنتوني بومبليانو، مؤسس شركة Pomp Investments: ” “أن عملة البتكوين بدأت تصبح أصلاً مرجعياً لجيل الشباب”.
وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة VanEck، جان فان إيك، فقد تم إخبار العديد من الوكلاء والمستشارين الماليين والبنوك صراحةً في الماضي “بعدم الاقتراب من العملات المشفرة”، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى طبيعتها غير المنظمة.
وحتى قبل إعلان موافقة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية وجدت دراسة “ثقة المستثمر” التي أجراها معهد CFA لعام 2022 أن 94 بالمئة من خطط التقاعد الحكومية والمحلية تعرضت للعملات المشفرة، حيث من المحتمل أن توفر المنتجات الجديدة شرعية أكبر وتكاليف أقل لخطط التقاعد التي ترغب في زيادة المخصصات”.
وتقدم الشركات المالية نصائح مختلفة حول أفضل السبل لدخول هذا المجال، حيث قامت شركة “فيديليتي” بتحليل الأداء حتى منتصف عام 2022، وأشارت إلى أن “عملة البتكوين عززت عوائد المحفظة خلال فترات محددة في الماضي”.
وفي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يؤكد الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons” علي حمودي، أن “شرعنة” صناديق استثمار البتكوين قد يحل مشكلة الدخول إلى سوق العملات المشفرة، مقارنة بشراء البتكوين مباشرة والاحتفاظ بها في محفظة رقمية، لكن ذلك لا ينهي الجدل حول هذه الفئة من الأصول التي يُنظر إليها في الغالب على أنها شديدة الخطورة والتقلب.
إحياء اهتمام المستثمرين بالعملات المشفرة
يرى حمودي أن القدرة على الاستثمار في صناديق الاستثمار المتداولة للبيتكوين التي تقدمها بعض الأسماء الأكثر ثقة في الصناعة المالية وادارة الثروات يمكن أن يعيد إحياء اهتمام المستثمرين في أعقاب الفضائح الأخيرة التي مرت على قطاع العملات المشفرة، إذ أن حركة سعر البتكوين في الأشهر الثلاثة الماضية، التي ارتفعت بنسبة تزيد عن 75 بالمئة توضح أن عدداً كبيراً من المستثمرين قد تجاوزوا مرارة أزمة ” FTX” و”Binance”.
وكانت صناعة العملات المشفرة شهدت سلسلة من الإفلاسات والفضائح، بما في ذلك انهيار بورصة العملات المشفرة FTX، التي أدين مؤسسها بالاحتيال، كما تم اتهام بورصات أخرى بانتهاك قوانين الأوراق المالية الأميركية، من بينها بينانس، أكبر بورصة للعملات المشفرة في العالم.
وقد تتحرك قريباً البنوك المركزية الكبرى مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لاستكشاف إدخال العملة الرقمية للبنك المركزي، أو “الدولار الرقمي”، طبقاً لما قاله حمودي الذي يتوقع أن يكون الجمع بين قدرات البتكوين والعملة المدعومة من قبل حكومة الولايات المتحدة أمراً مثيراً، بل وقد يشكل تحدياً كبيراً للبيتكوين.
البتكوين تجذب جيل الشباب
ولكن بالنسبة لمديري الثروات، يوضح الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons” علي حمودي، أنهم يُدركون حقيقة أن “البتكوين بدأت تصبح أصلاً مرغوباً بحد ذاته للجيل الأصغر من المستثمرين، ومع ذلك فإنه يرى “أن الأمر لا يخلو من المخاطر بالنسبة لمديري الثروات، حيث من المرجح أن يضيف الكثير من التقلبات إلى أي محفظة استثمارية بشكل عام، لكن مع الوقت ستتضح الصورة وسيقبل مديرو الثروات على جعلها جزءاً من المحافظ التي يديرونها”.
ولأنه من الصعب وضع منتج في محفظة العميل ليس لديه القدرة على كسب الدخل كما في الأسهم، فإن بعض مديري صناديق الاستثمار قد يتجنبون البتكوين ويستمرون بالنظر إليها على أنها سلعة مضاربة، إلا أنه من المؤكد أن العديد من مديري الصناديق سيدرجون ” Bitcoin ETFs” في بعض الصناديق التي يديرونها، بحسب حمودي.
تغير قواعد اللعبة
بدوره، يقول محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام:”إن موافقة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية لاعتماد صناديق استثمار البتكوين الفورية في عام 2024 وقبلها صناديق الاستثمار للبيتكوين للعقود الآجلة في عام 2021، تعد تغييراً لقواعد اللعبة بما يخص العملات المشفرة بشكل كامل”.
ويشرح عزام في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن صناديق استثمار البتكوين الفورية قد تكون جاذبة بشكل أكبر من العقود الآجلة لأن عوائدها تعتبر أكبر، حيث يتم إغلاق العقود الآجلة كل فترة زمنية وبالتالي يتم اقتطاع جزء من الأرباح وهو ما يجعل صناديق الاستثمار الفورية جاذبة لأسواق إدارة الثروات.
ومن ناحية أخرى، يوضح عزام أن العمولات بالنسبة لصناديق استثمار البتكوين الفورية تعتبر أقل لأنه سيكون عليها حرب بين شركات الاستثمار الـ 11 التي قدمت طلباً لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية نتيجة محاولة تقليص العمولة على المستثمرين وبالتالي ستكون جاذبة نوعاً ما لقلة عمولتها.
تبديد مخاوف القرصنة والاحتيال
ويضيف محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي: “لكن إذا نظرنا إلى أسواق العملات المشفرة وما ستتيحه صناديق الاستثمار للمستثمرين من القدرة على امتلاك العملات الرقمية دون الحاجة لتخزينها، فإن ذلك يبدد المخاوف التي كانت سائدة لدى الأفراد الذي يرغبون امتلاك العملات الرقمية لجهة القرصنة أو لجهة وجود عملات عليها عمليات احتيال، ما يعني أن شراءها العملات من شركات كبيرة سيعطي موثوقية للمستثمرين وهذا عامل آخر يؤدي لرفع جاذبية الدخول إلى سوق إدارة الثروات”.
كما أن إدخال صناديق استثمار البتكوين الفورية في أكبر البورصات مثل شيكاغو ونيويورك سيعطي زخماً كبيراً لاستثمار الشركات الاستثمارية بهذه الصناديق باعتبارها متقلبة أكثر من الأصول الأخرى وبالتالي ستكون العملات الرقمية جزءاً من المحافظ الاستثمارية لأنها قد تحمل عائداً أكبر من الأصول الأخرى وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الطلب عليها، وفقاً لأحمد عزام محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي.
ويخلص عزام إلى أن “صناديق استثمار العملات المشفرة ستحصل على جزء من قيمة صناديق الاستثمار في الولايات الأميركية والبالغة 6.5 تريليون دولار، وسيكون دخول الصناديق الفورية للأصول المتداولة مربحاً لمجتمع العملات المشفرة ولأسواق إدارة الثروات وخصوصاً أن “شرعنة” صناديق استثمار البتكوين سيكون جاذباً لدخول أصل جديد بالنسبة لأسواق إدارة الثروات وسيشكل حافزاً للاستثمار فيها”.
يشار إلى أن عملة البتكوين ارتفعت إلى مستوى 49000 دولار الخميس، مسجلة مستويات لم تشهدها منذ ديسمبر 2021، قبل أن تنخفض يوم الجمعة 12 يناير إلى حوالي 43000 دولار.