فبعد فترة اتسمت بارتفاعات حادة في بعض الأصول، وتبدّل قواعد التجارة الدولية، وتنامي تدخل السياسة في مفاصل الاقتصاد، تتجه أنظار الأسواق إلى العام الجديد محمّلة بقدر كبير من الترقب والقلق في آن واحد.
لم يعد السؤال المطروح ما إذا كان العالم قد تجاوز صدمات 2025، بل إلى أي مدى ستنعكس تداعياتها المؤجلة على النمو، والاستثمار، واستقرار الأسواق المالية.
في هذا المشهد المعقّد، تتداخل الحرب التجارية مع السياسة النقدية، وتتصارع توقعات الفائدة مع واقع النمو، بينما تقف أسواق المال أمام اختبار الفقاعات المحتملة، من الذكاء الاصطناعي إلى السلع والمعادن النفيسة.
فهل يواصل الاقتصاد العالمي الإبحار بهدوء نسبي، أم أن موجة تصحيحات قاسية تلوح في الأفق؟ وهل تتحول المكاسب القياسية التي سُجلت في 2025 إلى عبء ثقيل في 2026؟
هذه الأسئلة وغيرها تفرض نفسها بقوة على أجندة المستثمرين وصنّاع القرار، في عام يبدو مرشحاً لأن يكون عام إعادة تقييم شاملة للأسعار، والسياسات، وموازين القوة الاقتصادية عالمياً، حيث لا مكان لليقين بقدر ما تتقدم سيناريوهات المخاطر والحسابات الدقيقة.
الأسواق الأميركية تحت رحمة التعريفات والسياسات الفردية
كشف الرئيس التنفيذي لشركة مزايا الغاف من لونيت، محمد علي ياسين، في مقابلة مع برنامج “بزنس مع لبنى” على سكاي نيوز عربية، عن تأثير التعريفات الجمركية الأميركية والسياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي على الأسواق العالمية.
وأوضح ياسين أن الإدارة الأميركية استخدمت التعرفة كسلاح للضغط على الدول للتفاوض، ما اضطر بعضها إلى تقديم تنازلات لضمان استمرار مستويات تجارتها السابقة، رغم تكبدها لضرائب إضافية.
وأشار إلى أن هذه السياسة انعكست على أرباح الميزانية الأميركية، لكنها أثارت قلقًا في الداخل الأميركي بسبب التباين بين قرارات الرئيس والنظام القانوني، حيث لا يُطلب إعادة الأموال المدفوعة تحت التعريفات، مما يخلق حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.
وأوضح ياسين أن هذه السياسات الاقتصادية الفردية، المتقلبة حسب مصالح يومية لشخص واحد وليس وفق خطة طويلة الأجل، ستستمر على الأرجح في العام 2026.
وأكد أن هذه الموجة من عدم القبول قد تتسبب في تذبذبات وخسائر محتملة في الأسواق إذا تغيرت طريقة تنفيذ السياسات.
الصراع حول الفائدة: ترامب والفيدرالي الأميركي
تطرق ياسين إلى تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول سياسة الفيدرالي الأميركي، مشيرًا إلى أن ترامب يرى أن الفيدرالي كان بطيئًا في تخفيض معدلات الفائدة، ما أثر على استراتيجيات الأسواق المالية.
ورغم أن جيروم باول تم تعيينه أيام ترامب، فإن السياسة النقدية الأميركية ليست دائمًا انعكاسًا لرغبات الرئيس، إلا أن الأرقام الاقتصادية الحالية، مع نمو الاقتصاد الأميركي فوق 4 بالمئة، تشير إلى أن الحاجة إلى خفض الفائدة غير مبررة وقد يكون رفعها هو الخيار الأنسب لتفادي سخونة الاقتصاد.
وأضاف ياسين أن أسواق السندات الأميركية شهدت ارتفاعات في العوائد وصلت إلى نحو 5 بالمئة لأجل 30 سنة، وهو مؤشر مقلق للفيدرالي لأنه يزيد تكلفة خدمة الدين، ويزيد احتمال تكرار الصراع بين الإدارة ورغبات الرئيس في منتصف العام المقبل.
الذكاء الاصطناعي: محفز الاستثمار والتقييمات السوقية
وأكد ياسين أن تقنيات الذكاء الاصطناعي كانت من أبرز محركات السوق في 2025، موضحًا أن إدخال الصين لتقنيات الذكاء الاصطناعي على شرائح إنفيديا القديمة أعاد تشكيل تقييمات الشركات وأدى إلى عمليات استثمار واسعة.
وأضاف أن نتائج هذه الاستثمارات ستظهر بشكل أوضح في ميزانيات العام 2026، مما قد يؤثر على أرباح الشركات وأداء أسهمها، خاصة تلك التي تقود السوق الأميركي.
وأشار إلى أن هذه الاستثمارات ساهمت في خلق زخم إيجابي في الأسواق، مع إمكانية استمرار الضغوط على الأداء إذا لم تتكرر مثل هذه المبادرات.
الذهب والفضة: ملاذ آمن أم مضاربة متقلبة؟
فيما يتعلق بالسلع، رأى ياسين أن ارتفاع الذهب في نهاية 2025 كان مبررًا كونه ملاذًا آمنًا للمستثمرين والبنوك المركزية، بينما يعتبر ارتفاع الفضة غير مبرر رغم استخداماتها الصناعية.
وذكر أن الذهب قد لا يشهد ارتفاعًا يصل إلى 70 بالمئة في 2026، لكنه من المتوقع أن يحقق أرباحًا معتدلة إذا استمرت التذبذبات وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية.
وأوضح أن ارتفاع الذهب يعكس ثقة المستثمرين في الأسواق، وأن مرحلة التراجع قد توفر فرصًا لدخول جديد للأسواق، خاصة إذا انحسرت المخاوف الاقتصادية.
الدولار والعملات الأخرى: تأثير سياسة الفائدة
توقع ياسين استمرار ضعف الدولار نتيجة سياسة تخفيض الفائدة المعلنة من قبل الإدارة الأميركية، وهو ما سيكون إيجابيًا للأسواق الناشئة وأسواق السلع.
وأوضح أن ضعف الدولار يرفع القوة الشرائية في السياحة والاستثمارات بالدول الخليجية المرتبطة بالدولار، مع توازن محتمل مع اليورو.
وأشار في الأثناء إلى أن العوائد الحالية على السندات الأوروبية، التي تصل إلى 4–4.5 بالمئة، تجعل الجنيه الإسترليني ملاذًا آمنًا في حال تخفيض أسعار الفائدة الأوروبية خلال 2026، ما يوفر فرصًا لتحقيق أرباح إضافية من الاستثمارات المرتبطة بأسعار الفائدة.
النفط: التحديات والتقلبات الجيوسياسية
فيما يخص النفط، أوضح ياسين أن الأسعار شهدت انخفاضًا بنسبة 16 بالمئة رغم زيادة إنتاج أوبك بأكثر من مليون ونصف المليون برميل تدريجيًا.
وأضاف أن النفط يبقى صعب التنبؤ، وأن مستويات أقل من 60 دولارًا للبرميل ستؤثر سلبًا على الخطط التنموية للحكومات في 2026.
وأشار إلى أن أي توترات جيوسياسية أو عقوبات إضافية على إيران أو دول منتجة قد تعيد التوازن للأسعار، معتبراً أن المستويات الحالية مقبولة لبعض المستثمرين، لكنها محفوفة بالمخاطر بسبب الضغوط الجيوسياسية المحتملة.
رؤية مستقبلية للأسواق 2026
خلص ياسين إلى أن 2026 سيكون عامًا مليئًا بالتحديات الاقتصادية، مع استمرار التذبذبات في الأسواق المالية الأميركية، وضغوط على شركات التكنولوجيا نتيجة نتائج استثمارات 2025، وتذبذبات في أسعار الذهب والفضة، وضعف محتمل للدولار مقابل العملات الأخرى.
وأكد أن الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي والسلع الأساسية ستلعب دورًا حاسمًا في تشكيل أرباح الشركات والأسواق خلال العام المقبل، مع ضرورة متابعة السياسات النقدية الأميركية وأثرها على الأسواق العالمية.


