يقر البرهان في عدد من خطاباته بالتداعيات الخطيرة التي نجمت عن الحرب التي أدت إلى مقتل أكثر من 150 ألفا، وأدت دمار اقتصادي واسع وتشريد الملايين وزيادة المعاناة الإنسانية، لكنه ظل يتمسك بالحل العسكري لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع والتي تقدر بنحو 40 في المئة من مساحة البلاد.
وبعد أيام قليلة من فقدانه كامل إقليم دارفور وأجزاء استراتيجية من إقليم كردفان المجاور، قال البرهان في خطاب أمام مجموعة من كبار الضباط إن الجيش لن يذهب للتفاوض ما لم يضع الدعم السريع سلاحه ويخرج من جميع المناطق التي يسيطر عليها، وهو ما اعتبره مراقبون شرطا “تعجيزيا” يعكس عدم الرغبة في وقف الحرب والمعاناة الإنسانية المتصاعدة.
ووفقا للمراقبين فإن اتباع البرهان نهجا مضادا لوقف الحرب وعودة المسار المدني يعود إلى الخوف من التبعات القانونية لأي عملية عدالة انتقالية محتملة، نظرا للاتهامات المتعلقة بتورطه في جرائم كبيرة من بينها فض اعتصام الثوار أمام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019، الذي قتل خلاله المئات من الشباب، إضافة إلى انقلابه على السلطة المدنية الانتقالية في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، وما أعقبه من مقتل العشرات في الاحتجاجات الرافضة للانقلاب.
يشير المراقبون أيضا إلى العديد من الدلائل التي قد تدفعه للخوف على سلامته الشخصية من تنظيم الإخوان وعناصره في الجيش، والذين لن يقبلوا بنهايات وتسويات للحرب قبل أن يتحقق مشروعهم السياسي المتمثل في استعادة سيطرتهم التي فقدوها بعد الإطاحة بهم في أبريل 2019.
ويرى المراقبون أن تلك المخاوف أثرت على مواقفه من الحلول المطروحة من المجتمع الدولي والإقليمي، ودفعته للنظر إلى الحرب من منظار مستقبله الشخصي.
اتساق وهيمنة
يرى مراقبون أن مواقف البرهان تعكس هيمنة تنظيم الإخوان على قرار الجيش، مما يدفعه لاتخاذ نهج يتسق مع أجندة التنظيم التي تهدف إلى مواصلة الحرب لأنها تشكل مصلحة وجودية للتنظيم رغم تبعاتها المدمرة على البلاد.
وبالتزامن مع تصريحات قائد كتيبة البراء وعدد من قيادات الإخوان رفضوا فيها علنا الحلول المطروحة واعتبروها تدخلا خارجيا، قال البرهان في تصريحات ببورتسودان الأسبوع الماضي إن أي حل يبقي على الدعم السريع لن يكون مقبولا.
وفي هذا الإطار، يقول السفير عادل شرفي لموقع سكاي نيوز عربية “اختطف تنظيم الإخوان الدولة والعمل الخارجي لصالح رؤيته وأهدافه حيث اتخذ قرار الانقلاب العسكري على الثورة والحكم المدني ثم إشعال الحرب لينفرد بالسلطة”.
ويحذر شرفي من أن تؤدي هذه الوضعية إلى المزيد من تدهور علاقات السودان مع محيطة الإقليمي والدولي، خصوصا في ظل النبرة العدائية المتصاعدة ضد بعض دول المنطقة.
ويشدد شرفي على خطورة رفض الحلول التي يقدمها المبعوثون الدوليون، معتبرا أن سبب رفضها يكمن في تعارضها مع الفكرة المركزية للإخوان المتمحورة في الهيمنة والسيطرة وتمكين عضويتهم من مفاصل الدولة.
مخاوف كبيرة
يعزو محللون رفض البرهان وقيادات الإخوان حلول وقف الحرب إلى الخوف من مواجهة التبعات القانونية على الجرائم التي تورط فيها البرهان أو تلك التي شاركت فيها عناصر التنظيم، إضافة إلى الخوف من مواجهة السؤال المتعلق بإشعالهم للحرب، وانفضاض التأييد الذي حصلوا عليه من شنهم الحرب، والاستمرار فيها، وما أنفقوه من دعاية في تجريم الثورة وقادتها ومؤيديها.
ويشير الصحفي والمحلل السياسي شوقي عبد العظيم إلى أن البرهان ظل يلمح للمبعوثين الدوليين بأنه مع وقف الحرب وإنهائها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، كما أنه قبل بخارطة الرباعية والهدنة المنصوصة في مقدمة نصوصها، ولكنه لا يقوى على تنفيذ ذلك خوفاً على سلامته الشخصية، وسلامة الجيش.
ويوضح “الإخوان يطوقون البرهان، ويجلسون في مكتبه على حد قول القيادي في الحركة الإسلامية عبد الحي يوسف”.
نهج استعدائي
يلخص مراقبون الأسباب التي تدفع قائد الجيش لاستدعاء نهج استعداء الخارج والاحتماء بالسلطة في محاولة إطالة أمد الحرب للتخلص من تبعات تورطه مع آخرين في الجرائم العديدة التي ارتكبت خلال السنوات الماضية ومنها فض الاعتصام وقتل المتظاهرين في أعقاب انقلاب أكتوبر.
ويشيرون، إلى أن البرهان وعددا من قادة الجيش ظلوا خلال الفترة الأخيرة يدلون بتصريحات متضاربة من أجل إرباك المشهد ومحاولة إيجاد سند شعبي تحت مبرر “الحفاظ على السيادة” رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبلاد بسبب استمرار الحرب ورفض الجهود الدولية الرامية لوقفها.
ومع تطاول أمد الحرب وتحول الكثير من المفاهيم حولها، تزايدت الضغوط الشعبية الداعية للوصول إلى حل سلمي، وهو ما شكل تحديا للمستفيدين من استمرارها.
وفي هذا السياق، يقول عثمان فضل الله رئيس تحرير مجلة افق جديد “في ظل فقدان الغطاء الشعبي والسياسي لجأت قيادة الجيش إلى نهج استعداء الخارج الذي استخدم على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وعاش السودان بسببها عزلة خانقة”.
ويضيف “هذا النهج غير المنضبط يفقد السودان مصداقيته أمام الشركاء ويعرقل أي جهود وساطة أو مساعدات إنسانية، كما يغذي الاستقطاب الداخلي لتبرير استمرار الحرب”.


