ويشير مختصون إلى أن الحملة الإخوانية عملت على استدعاء السردية التي استخدمها التنظيم في بدايات سيطرته على السلطة قبل أكثر من 30 عاما، عندما سعى لخلق اصطفاف شعبي حول دعواته “الجهادية” خلال حرب الجنوب، مستعطفا الشارع بتصوير الحرب كصراع ديني وهوياتي ضد “التمرد” و”الأجندات الأجنبية”، وربط الجيش بـ”حماية الدولة والشريعة”، في مقابل ربط خصومه بالخارج والعمالة.
لكنهم نبهوا إلى أن ذلك التصميم القديم اصطدم بالمتغيرات التكنولوجية الكبيرة التي حدثت منذ ذلك الوقت وحتى اندلاع الحرب الحالية، التي جعلت من السهل غربلة المعلومات والتعرف على الأخبار الكاذبة و”الفبركات” المضللة.
وفي محاولة لمواكبة تلك المتغيرات، عملت الحملة على تكييف الوسائل الحديثة المتاحة لنشر الشائعات، عبر مواقع وصفحات و”غرف” على منصات مثل “تلغرام” و”فيسبوك” و”واتساب”، مع تنسيق حملات تستخدم وسوم وتسريبات مصنوعة، ومقاطع مفبركة أو مجتزأة.
ورغم شراسة حملة التضليل الإخوانية وإنفاق أموال طائلة من ثروات البلاد لإدارتها، فإن وجود العديد من المنصات المتخصصة ومعرفة العديد من الناشطين بأساليب استخدام التكنولوجيا أدى إلى كشف الكثير من الأكاذيب التي تضمنتها الحملة.
وإضافة إلى محاولة تشويه القوى المدنية التي قادت الثورة التي أطاحت بنظام حكمها في أبريل 2019، وخلق اصطفاف حول سرديات التنظيم وتهيئة المناخ لعودته للسلطة عبر الحرب، استهدفت الحملة القاعدة الاجتماعية للإخوان وأنصار الجيش لتثبيت تعبئة طويلة النفس، وتبرير كلفة الحرب بوصفها ثمن “استعادة الدولة”.
كما استهدفت الشرائح الحضرية المتقلبة عبر رسائل “الاستقرار مقابل الفوضى”، و”السيادة ضد التبعية”.
واستهدفت أيضا تليين مواقف المجتمع الدولي والإقليمي، من خلال مخاطبة العواصم والإعلام الخارجي برواية “الجيش حائط الصد ضد التطرف والتفكك”.
قصة التسعينات بوسائل جديدة
استثمرت حملة تنظيم الإخوان في شبكة الدعاية القديمة بكل أدواتها التي كانت مستخدمة في تسعيات القرن الماضي، بما في ذلك “وحدة الجهاد الإلكتروني”، لكنها في نفس الوقت عملت على تكييف الوسائل الحديثة المتاحة لنشر الشائعات والتأثير على الفضاء الإعلامي، مستفيدة من الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي، والأموال الضخمة التي تمتلكها في إنشاء مواقع وصفحات و”غرف” في عدد من البلدان.
ووفقا للخبير الإعلامي المدير الأسبق لوكالة السودان للأنباء محمد عبد الحميد، فإن أبرز أدوات الحملة تمثلت في “فبركة مواد مرئية وصوتية، وإعادة تدوير لقطات قديمة من ألعاب فيديو أو نزاعات أخرى، مع حزم رسائل متزامنة عبر وسائط مرتبطة بالفاعلين”.
ويوضح عبد الحميد لموقع “سكاي نيوز عربية”: “استخدمت حملة الإخوان المضللة فيض مواد دعائية لصرف الأنظار عن جرائم على الأرض في دارفور والخرطوم، أو نسبها للطرف الآخر، إضافة الى موجات تشهير شخصية ضد أعضاء أو متحدثين باسم القوى المدنية”.
ويلخص الصحفي ياسر قاسم أبرز ملامح حملة التضليل الإخوانية في “إعادة خطاب الهوس الديني الذي ساد فترة التسعينات، مصحوبا بتسليح الكتائب الجهادية، وإعلاء ظهور كتيبة البراء بهدف اللعب على المشاعر بالخطاب الديني”.
وفي حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، ينبه قاسم إلى أن استهداف المكون المدني ظل هدفا أساسيا للحملة، إضافة إلى تحميل تبعات الحرب لدول خارجية.
ويقول إن تأثير الحملة على مؤسسات الدولة كان واضحا في الخطاب الإعلامي الرسمي، وتبني عدد من سفراء السودان في الخارج خط إعلام الحملة متجاهلين الأعراف الدبلوماسية.
نقاط ضعف
استثمرت الحملة الإخوانية عدد من العوامل المتوافرة على الأرض، لتوصيل رسائلها المضللة، ووجدت فضاءا واسعا من واقع انتشار الأمية بين أكثر من 60 بالمئة من سكان السودان البالغ تعدادهم نحو 48 مليون نسمة بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وضعف الرغبة في البحث أو التحقق لدى الكثيرين.
ويشرح الصحفي الاستقصائي عبد الرحمن الأمين النقاط التي استثمرت فيها حملة التضليل الإخوانية، بالقول: “تنتشر الأمية البحثية بشكل واسع، كما يجنح الكثيرون إلى سرعة تصديق المعلومة المضمنة في الرسائل المضللة من دون أي جهد فردي للتدقيق رغم توفر محركات البحث بين أصابعه بذات الطريقة التي وصلته بها المادة”.
ويضيف لموقع “سكاي نيوز عربية”: “واحدة من مشكلات التلقي السلبي تكمن في استخدام أدوات منصات التواصل الاجتماعي في حدود الرد وإعادة الإرسال، مع إهمال تام للجانب البحثي او التدقيقي”.
استهداف ممنهج
ونال الخصوم المدنيين المحليين النصيب الأكبر من حملات التشويه التي استهدفت نشطاء وصحفيين وقادة مبادرات إغاثة، لتقويض مصداقيتهم وإضعاف شبكات المجتمع المدني.
ويرى إعلاميون أن الحملة استهدفت بشكل أساسي إزالة كل ما يقف في طريق عودة التنظيم إلى السلطة، وتهيئة الرأي العام المحلي والدولي لذلك.
كما استهدفت إعادة صياغة سردية الحرب لإخفاء مسؤوليته عن إشعالها، وشيطنة القوى المدنية الأخرى.
ويقول الصحفي حيدر المكاشفي لموقع “سكاي نيوز عربية”: “استخدمت الحملة الإخوانية منصات وهمية وعملت على توظيف الخطاب الديني والوطني لإعادة بناء صورة التنظيم”.
ويشير الصحفي والمحلل السياسي عادل خليفة إلى أن الحملة “استهدفت منذ الساعات الأولى للحرب توصيل رسائل سالبة ضد الحكم المدني، الذي كان يرفع شعار تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989، الذي كان يقوده تنظيم الإخوان”.
ويقول لموقع “سكاي نيوز عربية”: “لتحقيق أهداف حملتهم استخدموا أدوات مضللة دون مراعاة لحجم تداعيات ومآساوية الحرب”.
تمزيق النسيج المجتمعي
يؤكد مختصون أن تمزيق النسيج الاجتماعي كان أحد أبرز الأهداف التي صمم من أجلها الإخوان حملتهم التضليلية، مشيرين إلى أن سياسة “فرق تسد” ظلت تشكل تكتيكا ملازما لمنهج التنظيم لسنوات طويلة، باعتبار أن حالة التفكك المجتمعي ستمكنه من التحكم في كافة مكونات الشعب، بحسب اعتقاده.
وفي هذا السياق، تحذر الإعلامية نادين علاء الدين من خطورة الحملة التضليلية التي لازمت الحرب الحالية، مشيرة إلى أن تنظيم الإخوان كان يعد لتلك الحملة قبل فترة من إشعاله الحرب وبشكل أكثر تنظيما وقوة من إعداده للقتال.
وتقول لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “خطورة حملة التضليل هذه في قدرتها على تمزيق النسيج الاجتماعي، الذي يعتبر أكثر الإفرازات كارثية لهذه الحرب”.
وتوضح: “هي حملة ممنهجة وشرسة وتفوق خطورتها خطورة العمليات القتالية نفسها، لأنها أدت إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وضرب التماسك المجتمعي وتأجيج حالة الكراهية والانقسام، بحيث يسهل على التنظيم التحكم في كل مكونات الشعب، استمرارا لسياسة فرق تسد التي ظل ينتهجها منذ بداية تكوينه في اربعينات القرن الماضي”.
وتشير علاء الدين إلى أن الحملة “استهدفت منذ بداية الحرب ضرب القوة المدنية التي أطاحت حكم الإخوان في أبريل 2019، وخلق هوة بين الثوار والشارع، وتصميم رسائل مضللة بأن الثورة كانت سببا في زعزعة الاستقرار واندلاع الحرب وبالتالي تخويف الناس من المطالبة بوقفها”.
وتضيف: “في الواقع استهدفت الحملة التضليلية كل من ينادي بالسلام وينبذ الحرب والعنف، وهو ما أدى إلى إطالة أمد الحرب ومضاعفة تداعياتها الكارثية”.


