ويدخل ممداني، الاشتراكي البالغ من العمر 34 عاما، والذي يُتوقّع أن يصبح قريبا أحد أبرز وجوه الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، في مسار تصادمي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وسلط تقرير لصحيفة “ذا تايمز” البريطانية الضوء على الخلافات بين ممداني وترامب، والاستراتيجيات التي يتوقع أن يلجأ إليها كل طرف منهما.
وقالت الصحيفة، إن ترامب “رجل العقارات الثري” وممداني “المستشار السابق للإسكان”، لا يتوقفان عن انتقاد بعضهما، لخدمة مصالحهما السياسية.
ووصف ممداني نفسه بأنه “أسوأ كوابيس الرئيس”، وقدّم نفسه خلال حملته الانتخابية باعتباره المرشح الذي سيقف في وجه ترامب بخلاف خصمه الرئيسي أندرو كومو، قائلا: “إنهم يتقاسمون المموّلين أنفسهم، والرؤية الضيقة نفسها، والإحساس ذاته بالحصانة من المساءلة”.
أما ترامب، فدأب على وصف ممداني بأنه “شيوعي”، فيما انخرط الإعلام اليميني والجمهوريون في تضخيم هذه الصورة قائلين إن “أول مسلم ومن أصول جنوب آسيوية يتولّى قيادة المدينة، يُشكّل تهديدا للمجتمع”.
واستخدم آخرون ممداني كفزّاعة سياسية لحشد قاعدة “اجعلوا أميركا عظيمة مجددا”.
وبغياب زعيم رسمي للمعارضة، يتوقّع الديمقراطيون أن يتحوّل ممداني سريعا إلى أحد أكثر الشخصيات شهرة في حزبهم.
وبالنسبة للطرفين، فالمسألة شخصية، فالمقرّبون من الرئيس يقولون إن ترامب ينظر إلى نيويورك كحبه الأول ويشعر بواجب حمايتها.
وهنا يبرز السؤال: كيف سينعكس هذا الصدام على سكان نيويورك وعلى الولايات المتحدة بأكملها؟
وفق “ذا تايمز”، فإن خطوط المواجهة قد رُسمت فعلا، حول الإنفاق، والهجرة، والقانون والنظام.
ممداني دعا إلى رفع الضرائب، بما في ذلك أغنى سكان نيويورك، وزيادة معدل الضريبة على الشركات، وتوفير المزيد من المساكن المدعومة، وتجميد إيجارات الشقق ذات الأسعار الثابتة.
وخلال حملته، أجرى ممداني مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز”، وجّه فيها نظره مباشرة إلى الكاميرا متحدثا إلى ترامب، معبّرا عن استعداده للتعاون ولكن “على الشروط الصحيحة”.
ووقتها قال ممداني: “سأكون عمدة مستعدا للحديث في أي وقت من أجل خفض تكاليف المعيشة. هكذا سأقود هذه المدينة. تلك هي الشراكة التي سأبنيها، ليس فقط في واشنطن العاصمة، بل مع أي شخص في جميع أنحاء هذا البلد”.
وهدد ترامب في وقت سابق بالردّ على ممداني عبر خفض التمويل الفيدرالي، وكتب على منصة “تروث سوشيال”: “من غير المرجح أن أقدّم أموالا فيدرالية -باستثناء الحد الأدنى المطلوب قانونا- لأن هذه المدينة العظيمة سابقا ليس لديها أي فرصة للنجاح، أو حتى للبقاء. ستزداد الأمور سوءا مع وجود شيوعي على رأسها”.
وبحسب تقرير صادر عن مكتب المراقب المالي لولاية نيويورك، ستقدم الحكومة الفيدرالية حوالي7.4 مليارات دولار لمدينة نيويورك في السنة المالية 2026، أي ما يعادل6.4 بالمئة من إجمالي إنفاق المدينة.
ولا تعد التهديدات بقطع التمويل الفيدرالي جديدة على ترامب، فقد استخدمها سابقا ضد برامج التنوع والدمج، ومبادرات المناخ.
لكن إلى أي مدى يمكن أن يكون ذلك مؤثّرا فعلا؟
تقول آنا تشامبني، نائبة رئيس الأبحاث في لجنة ميزانية المواطنين إن “الأثر الأكثر وضوحا هو التمويل المباشر.
فالمدينة تتلقى ما يقرب من 8 مليارات دولار سنويا من التمويل والمنح الفيدرالية لبرامج التعليم والخدمات الاجتماعية والإسكان وتنمية المجتمع. فكيف يمكن إعادة ترتيب الأولويات، وإعادة توزيع الموارد، واتخاذ قرارات بشأن ما يجب تمويله”.
وتضيف تشامبني أن “الخلافات حول التمويل يمكن أن تنتهي في المحاكم؟ هناك أكثر من 50 ولاية وهيئة محلية ترفع دعاوى قضائية حاليا، تقول إن تخفيضات معينة في التمويل غير قانونية. سيستغرق الأمر بعض الوقت داخل نظامنا لتحديد مدى السلطة الحقيقية التي يمتلكها الرئيس”.
وقد تمتد هذه المواجهة أيضا إلى قضايا الهجرة ووكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك.
فترامب جعل من مداهمات المهاجرين محورا أساسيا في ولايته الثانية، وقال في مقابلة هذا الأسبوع إنها “لم تذهب بعيدا بما فيه الكفاية”.
وفي المقابل، فإن ممداني، الذي يحتفي بالمهاجرين، فوقف ضد تلك الممارسات، ووعد بـ”قيادة المقاومة” من خلال تعزيز وضع المدينة كـ ملاذ آمن، وهو ما يعني إنهاء التعاون مع وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك .
ومن الممكن أن يتطور الأمر لمنع الوكالة من استخدام المرافق التابعة للمدينة، وتوسيع الدعم القانوني للمهاجرين، ومنع تسليم بياناتهم الشخصية للوكالة الفيدرالية.
وهذا قد يؤدي إلى مشاهد احتجاجية ضخمة الوكالة، مع احتمال أن ينضمّ عمدة نيويورك نفسه إلى صفوف المحتجين بدلا من معارضتهم.
وخلال حملته، تراجع ممداني عن بعض مواقفه السابقة، ففي عام 2020 كان قد رفع شعار “أوقفوا تمويل شرطة نيويورك”، لكنه اعتذر لاحقا وأكد أنه يريد العمل مع رجال الشرطة، ووعد بالإبقاء على المفوضة جيسيكا تيش في منصبها.
ومع ذلك، يرى الجمهوريون أن سيناريوهات شبيهة بما حدث في شيكاغو وكاليفورنيا قد تتكرر في نيويورك، وربما تؤدي في النهاية إلى تدخّل فيدرالي أو إرسال قوات.
ومع حبّ ترامب المعروف لمدينته الأم (إذ لا يزال يتحدث عنها باستمرار)، يبدو أنه لن يحتاج إلى سبب كبير ليحاول فرض سيطرته عليها من جديد.


