يُعد “أديبك” الحدث الأضخم عالميًا في صناعة الطاقة، إذ يهدف في نسخته الحادية والأربعين إلى معالجة التحدي المزدوج الذي يواجه العالم: تعزيز مرونة أنظمة الطاقة الحالية، وفي الوقت ذاته توسيع نطاق الحلول الذكية لتسريع التقدم الشامل، في عقد يُوصف بأنه حاسم لمستقبل الطاقة العالمي.
وفقًا للموقع الرسمي للمؤتمر، يشكل “أديبك” منصة يتحول فيها الحوار إلى إنجاز فعلي، تُعرض فيها الحلول وتتخذ القرارات ويُحفز التعاون لتحقيق قيمة طويلة الأجل، ودفع عجلة التحول في منظومة الطاقة الدولية.
ومن بين أبرز المشاركين هذا العام، كان رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة توتال إنرجيز، باتريك بويانيه، الذي تحدث في حوار حصري ضمن برنامج “بزنس مع لبنى” ضمن فعاليات المؤتمر، مقدماً رؤية شاملة حول استراتيجية الشركة، والتحولات الجارية في سوق الطاقة، ودور الغاز الطبيعي المسال والتقنيات منخفضة الانبعاثات في تلبية الطلب العالمي المتزايد.
أبوظبي مركز الطاقة العالمي: تحوّل في المشهد الدولي
استهل بويانيه حديثه بالإشادة بمكانة أبوظبي في المشهد العالمي، معتبرًا إياها “عاصمة الطاقة في العالم”، مشيراً إلى التطور النوعي الذي شهده “أديبك” منذ انطلاقه قبل أكثر من أربعة عقود.
وقال في هذا السياق إن حضور قادة القطاع في العاصمة الإماراتية أصبح “تقليدًا سنويًا”، مؤكداً أن النقاشات التي تُجرى في أروقة المؤتمر باتت تؤسس لقرارات مؤثرة في مستقبل الطاقة العالمي.
وأشار بويانيه إلى أن مقاربة الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ “أدنوك ” ومجموعة شركاتها، “عملية وواضحة”، إذ شدد على الحاجة إلى مزيد من الطاقة لتلبية متطلبات النمو والتوسع في مجالات الذكاء الاصطناعي والصناعة، بالتوازي مع خفض الانبعاثات عبر تبني تكنولوجيات أكثر كفاءة.
وأكد بويانيه دعمه الكامل لهذه الرؤية، معتبرًا أن المزيج بين الطاقة والذكاء والأثر البيئي يمثل مقاربة متكاملة لتحقيق الاستدامة.
استراتيجية توتال إنرجيز: بناء على الغاز والنفط والكهرباء
كشف بويانيه أن استراتيجية الشركة تقوم على ثلاث ركائز رئيسية: الغاز، النفط، والكهرباء، مؤكدًا أنها تستند إلى نظرة طويلة المدى لا ترتبط مباشرة بأسعار النفط في الأسواق.
وأوضح أن الطلب العالمي على النفط ما يزال قويًا، إذ ينمو بنسبة 1 بالمئة سنويًا، مدفوعًا بقطاعات البتروكيماويات والطيران والتنقل.
كما أشار إلى أن الطلب على الغاز الطبيعي المسال والكهرباء يشهد توسعًا كبيرًا، مما يدفع الشركة إلى تنمية أعمالها في مختلف الأسواق.
وشدد بويانيه على أن توتال إنرجيز تتبع نهجًا فعالًا في تطوير مشاريعها، حتى في ظل أسعار منخفضة للنفط، مشيرًا إلى أن تكلفة إنتاج البرميل في أبوظبي تقل عن خمسة دولارات، ما يجعل الاستثمار في المنطقة خيارًا مجديًا ومغريًا من حيث الكفاءة والعائد.
وأضاف أن العلاقة بين العرض والطلب ظلت متوازنة نسبيًا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مع استقرار أسعار النفط بين 65 و80 دولارًا للبرميل، نتيجة الطلب الجيد والعوامل الجيوسياسية مثل العقوبات المفروضة على روسيا.
ولفت إلى أن قرار الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة على شركتين روسيتين يشكل عنصرًا مؤثرًا في الأسواق، متوقعًا استمرار الأسعار ضمن نطاق مستقر دون تراجع كبير، بفضل قوة الأسس الاقتصادية للطلب العالمي واستقرار إنتاج أوبك ودول خارجها.
الغاز الطبيعي المسال: ركيزة النمو وتنويع المحفظة
وصف بويانيه الغاز الطبيعي المسال بأنه “عنصر محوري في محفظة الشركة واستراتيجيتها المستقبلية”.
وأوضح أن توتال إنرجيز تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في هذا المجال، بقدرة مبيعات سنوية تصل إلى 40 مليون طن. وتعمل الشركة على توسيع حصتها في سوق يتراوح حجمه بين 400 و600 مليون طن سنويًا، عبر استثمارات استراتيجية في مناطق مختلفة.
وأشار إلى أن نحو ثلث محفظة الغاز الطبيعي المسال للشركة يُنتج في الولايات المتحدة، التي تمثل سوقًا آمنة ومستقرة. كما تعمل الشركة على تنويع مواقع الإنتاج عبر مشاريع في عُمان وقطر وموزمبيق، إلى جانب مشاريع أخرى قيد الإنشاء في الشرق الأوسط.
وتحدث بويانيه عن مشروع الشركة في سلطنة عمان، وهو الأول من نوعه في المنطقة بفضل تشغيله بالكهرباء وانبعاثاته المنخفضة، مؤكداً أن هذا التوجه يعكس التزام الشركة بالمعايير البيئية العالمية.
وأعرب عن تفاؤله بقدرة أبوظبي على تطوير موارد الغاز الطبيعي التقليدية وغير التقليدية، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة تمثل “عصرًا جديدًا للتنمية في قطاع الغاز” في الإمارة، التي تسعى لتوسيع مساهمتها في مزيج الطاقة العالمي.
العراق: نموذج الشراكة والمسؤولية
انتقل بويانيه للحديث عن تجربة الشركة في العراق، التي وصفها بـ”المغامرة الكبرى”.
وقال إنه عاد إلى العراق في عام 2020، وبعد أحد عشر عامًا من العمل المتواصل، أصبحت لتوتال إنرجيز مشاريع متعددة أسهمت في تطوير البنية التحتية للطاقة في البلاد.
وأوضح أن الحكومة العراقية طلبت من الشركة دعم إنتاج الكهرباء من خلال الغاز والطاقة الشمسية، وأن الفريق الهندسي ركز على الاستفادة من الغاز المصاحب في منطقة البصرة بدلاً من حرقه، وتحويله إلى مصدر مستدام لتوليد الكهرباء محليًا، ما يقلل الاعتماد على الاستيراد.
وأشار بويانيه إلى أن الشركة شرعت في بناء محطة طاقة شمسية بقدرة غيغاوات واحد، من المقرر أن يبدأ تشغيلها في عام 2026، إلى جانب مشروعات أخرى في منطقة العطاوي ومرافق لتحلية مياه البحر لدعم عمليات إنتاج النفط.
وأكد أن هذه المبادرات تمثل التزامًا طويل الأمد تجاه العراق، مشيدًا بالشراكة الوثيقة بين الشركة والحكومة العراقية، ومؤكدًا أن “توتال إنرجيز كانت أول من استثمر عندما غادر الآخرون”، في إشارة إلى روح الريادة التي تتمتع بها الشركة.
التحالف ضد انبعاثات الميثان: التزام بيئي عالمي
تطرق بويانيه في حديثه إلى مبادرة “OGDC” أو ما يعرف بـ ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز (Oil & Gas Decarbonization Charter) التي أُطلقت في دبي بمبادرة من الدكتور سلطان أحمد الجابر، خلال مؤتمر الأطراف COP28، بالتعاون مع 59 شركة من القطاع، من بينها أرامكو السعودية وتوتال إنرجيز.
وأوضح أن الهدف من هذه المبادرة هو القضاء على انبعاثات الميثان في صناعة النفط والغاز بحلول عام 2030، والوصول إلى مستويات قريبة من الصفر في الانبعاثات.
وأكد بويانيه أن الميثان يمثل تحديًا بيئيًا كبيرًا رغم كونه ناتجًا طبيعيًا عن عمليات تطوير الغاز، لكنه أشار إلى أن المعالجة الفعالة للانبعاثات يمكن أن تجعل الطاقة الناتجة عنه مستدامة.
وأوضح أن توتال إنرجيز نجحت في خفض انبعاثات الميثان بنسبة 50 بالمئة بين عامي 2010 و2020، و60 بالمئة بين 2020 و2025، وتستهدف الوصول إلى نسبة 0.01 بالمئة من الانبعاثات بحلول نهاية العقد الحالي.
وأشار إلى أن الشركة تعتمد تقنيات متقدمة، مثل استخدام الطائرات المسيرة ل العالم نيوزانبعاثات الميثان بدقة في جميع أصولها الإنتاجية حول العالم، بما في ذلك أنغولا ونيجيريا، حيث تُستخدم تقنيات الشركة بالفعل.
وأكد أن هذه الجهود لا تقتصر على الالتزامات التنظيمية، بل تشمل نقل المعرفة والتكنولوجيا إلى الشركاء في مختلف الدول، ضمن إطار من التعاون المفتوح.
وختم بويانيه حديثه بالإشارة إلى أن الاجتماع المقبل لمجلس التنمية في قطاع النفط والغاز خلال مؤتمر COP30 سيُكرّس لمناقشة مبادرة “OGDC”، ما يعكس التزام القطاع العالمي بتحقيق التحول البيئي التدريجي، مثنيًا على دور الدكتور سلطان الجابر في إشراك جميع الفاعلين في هذه الحركة.
يتضح من خلال تصريحات باتريك بويانيه، أن توتال إنرجيز تعتمد نهجًا واقعيًا ومتوازنًا في تعاملها مع التحول العالمي للطاقة.
فبينما تؤكد الشركة تمسكها بالغاز والنفط كركائز أساسية لتلبية الطلب المتزايد، فإنها تدفع بقوة نحو تنويع محفظتها بالاستثمارات في الطاقة النظيفة والتقنيات منخفضة الانبعاثات.
ويبدو أن الرؤية التي عبّر عنها بويانيه تنسجم مع التحول الأوسع الذي يقوده “أديبك”، والذي يركز على دمج الحلول الذكية والابتكار التكنولوجي لتحقيق أمن الطاقة واستدامتها في آن واحد.
بهذا المعنى، يمكن قراءة حضور توتال إنرجيز في أديبك 2025 كجزء من تحالف استراتيجي عالمي يتجاوز حدود الأسواق التقليدية، ليكرس مفهوم “التحول المسؤول” حيث تبقى الكفاءة الاقتصادية والالتزام البيئي وجهين لعملة واحدة في مستقبل الطاقة.

			
			
                                
                             
		
