فالتطور السريع في قدرات الذكاء الاصطناعي لا يعتمد فقط على الخوارزميات والمعالجات، بل على الطاقة التي تغذي مراكز البيانات العملاقة التي تحتضن هذه التقنيات.
الغاز الطبيعي.. الوقود الخفي وراء ثورة الذكاء الاصطناعي
ومع تزايد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، سيشكل الغاز الطبيعي العمود الفقري الذي يدعم هذه الثورة. فمراكز البيانات التي تُدرّب وتستضيف نماذج الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى كميات هائلة من الطاقة، ومن المتوقع أن يتضاعف استهلاك هذه المراكز بحلول عام 2030، مما يُصعّد الطلب على الكهرباء ومن ثم على الغاز الطبيعي.
اليوم، يُلبي الغاز الطبيعي نحو 25 بالمئة من الطلب العالمي على الطاقة، ولكن دوره في المستقبل لن يقتصر على تلبية الطلب الكهربائي فقط. فمع توسّع الذكاء الاصطناعي، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، والتوسع الصناعي، يُتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بنسبة 56 بالمئة بحلول 2040، بينما يُتوقع أن يقفز الطلب على الغاز الطبيعي المسال بنسبة 100 بالمئة بحلول 2050، مدفوعًا بتوسع الذكاء الاصطناعي، والتحول الصناعي، والنمو السكاني العالمي.
من جانبه، أكد زميل أول في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي أندريه كوفاتاريو لسكاي نيوز عربية، أن الذكاء الاصطناعي أصبح من أبرز العوامل التي تدفع نحو زيادة الطلب العالمي على الطاقة، وعلى رأسها الغاز الطبيعي.
وفي حديثه لـ”سكاي نيوز عربية ضمن برنامج عالم الطاقة”، أوضح كوفاتاريو أن التوسع في بناء مراكز البيانات حول العالم، والتي تُعد المحرك الأساسي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، يتطلب تسريع وتيرة توليد الطاقة، وهو ما يجعل الغاز الطبيعي أحد الحلول الحيوية لدعم هذا التحول.
وأضاف أن الغاز الطبيعي لا يقتصر دوره على دعم الطاقة التقليدية، بل يساهم أيضًا في تعزيز إنتاج الطاقة المتجددة، ما يجعله عنصرًا أساسيًا في مزيج الطاقة المستقبلي.
وأشار إلى أن الاقتصادات الصاعدة تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي كمصدر رئيسي للطاقة، في وقت لا تزال فيه كميات كبيرة من الفحم تُستخدم عالميًا، ما يفتح المجال أمام الغاز ليكون من بين المنتجات الأكثر أهمية في المرحلة المقبلة.
أدنوك للغاز : بوصلة الإمارات في مشهد الطاقة الذكية
في هذا المشهد، تبرز الشركات المنتجة للغاز الطبيعي والتي تتمتع بمزايا تنافسية حقيقية — مثل القرب الجغرافي من الأسواق وتكاليف الإنتاج المنخفضة — كلاعبين محوريين في هذه المرحلة القادمة، وفي مقدمتها شركة “أدنوك للغاز”، التي تغطي 60 بالمئة من احتياجات السوق الإماراتية، وتُصدّر منتجاتها لأكثر من 20 دولة حول العالم.
وبهذا الصدد، أكد أندريه كوفاتاريو، الزميل الأول في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، أن الإمارات العربية المتحدة تتمتع بموقع تنافسي مميز في سوق الغاز الطبيعي، لا سيما مع التوسع العالمي في الطلب على الغاز الطبيعي المسال خلال السنوات المقبلة.
وفي حديثه لـ”سكاي نيوز عربية”، أوضح كوفاتاريو أن تكلفة الإنتاج تلعب دورًا محوريًا في تحديد قدرة الدول على المنافسة، مشيرًا إلى أن قرب المنتجين من الأسواق المستهلكة يمثل ميزة استراتيجية، خصوصًا في ظل التحولات الجارية في سوق الطاقة العالمي.
وأضاف أن المصدرين والمستوردين باتوا يركزون بشكل متزايد على الغاز الطبيعي المسال، الذي يشهد طفرة متوقعة في الطلب، ما يضع بعض المنتجين في موقع أكثر راحة من الناحية التنافسية.
وفي هذا السياق، يرى كوفاتاريو أن دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات، ستكون في وضع جيد خلال السنوات المقبلة، بفضل استثماراتها المستمرة في قطاع الغاز، وتطور بنيتها التحتية، واستقرارها السياسي والاقتصادي.
استثمارات طموحة
تعتزم شركة أدنوك للغاز استثمار 20 مليار دولار لزيادة قدراتها الإنتاجية، في خطوة تعكس رؤيتها لقيادة المرحلة المقبلة من التحول في أسواق الطاقة العالمية.
كما أقرّت الشركة مؤخرًا موافقة نهائية على استثمار بقيمة 5 مليارات دولار في المرحلة الأولى من مشروع “تطوير الغاز الغني” (Rich Gas Development – RGD) الذي يستهدف توسيع كفاءة مرافق المعالجة في عدة .
تعزيز البنية التحتية للغاز المسال (LNG)
لتدعيم صادراتها والمنافسة عالميًا، منحت أدنوك عقودًا بقيمة 2.1 مليار دولار للعمل على البنية التحتية الضرورية لدعم مشروع “الغاز الطبيعي المسال في الرويس” عبر تجهيز محطات المعالجة والضغط وربط خطوط أنابيب بين مجمعات الغاز والمرفق البحري.
صفقات عالمية طويلة الأجل
على الصعيد الخارجي، وقّعت أدنوك للغاز العديد من الاتفاقيات (بحسب إفصاحات الشركة على موقع سوق أبوظبي المالي) منها على سبيل المثال لا الحصر:
- مؤسسة النفط الهندية المحدودة (IOCL): اتفاقية بيع وشراء طويلة الأجل تمتد لـ 14 عاماً، لتوريد ما يصل إلى 1.2 مليون طن متري سنوياً من الغاز المسال.
- هندوستان للبترول (HPCL): اتفاقية توريد لمدة 10 سنوات بكمية تبلغ 0.5 مليون طن متري سنوياً.
اليابان شريك تقليدي بعقود بالمليارات
كما عززت الشركة علاقاتها مع اليابان، الشريك التاريخي للإمارات في قطاع الطاقة، عبر توقيع:
- جيرا للأسواق العالمية (JERA): اتفاقية لتوريد الغاز المسال بقيمة تتراوح بين 1.8 إلى 2.5 مليار درهم إماراتي.
- أوساكا غاز: اتفاقية بيع وشراء لمدة 15 عاماً لتوريد الغاز المسال من مشروع الرويس للغاز المسال الذي يُعَدّ أولوية استثمارية لـ “أدنوك”.
التوسع غرباً: استثمار استراتيجي في أميركا
في خطوة لافتة لتنويع محفظتها الجغرافية، أكدت “أدنوك للغاز” توسعها في الأسواق الغربية من خلال الاستثمار في مشروع:
- ريو غراندي للغاز المسال (Rio Grande LNG): تمثل هذه الصفقة استحواذاً على حصة في المشروع الأميركي، مؤكدة التزام الشركة بالاستفادة من الفرص في أسواق الغاز العالمية خارج منطقة الشرق الأوسط.
وتؤكد هذه التحركات التزام “أدنوك للغاز” بتحقيق نمو عالمي مستدام وترسيخ مكانة الإمارات كمركز موثوق لإمدادات الطاقة العالمية.
كوفاتاريو: الإمارات لاعب تنافسي في سوق الغاز الطبيعي المسال
قال أندريه كوفاتاريو، الزميل الأول في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، إن الإمارات العربية المتحدة تواصل ترسيخ مكانتها كمنتج تنافسي في قطاع الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، مدفوعةً بمشاريع ضخمة وكميات إنتاج متزايدة.
وفي تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، أشار كوفاتاريو إلى أن “الأرقام والإحصائيات تتحدث عن نفسها”، موضحًا أن هناك توسعًا ملحوظًا في مشاريع الغاز الطبيعي المسال داخل الإمارات، إلى جانب تعهيد عدد من هذه الأعمال، ما يعكس جدية الدولة في تعزيز قدراتها الإنتاجية.
وأضاف أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي يشهد ارتفاعًا مستمرًا، مدفوعًا بعوامل متعددة أبرزها القرب الجغرافي من الأسواق المستهلكة، وتكلفة الإنتاج المنخفضة، إلى جانب الاستقرار السياسي الذي يدعم استمرارية التصدير.
وأكد كوفاتاريو أن الإمارات والمنطقة بشكل عام تواصل تطوير عمليات التصنيع والاستخراج، وهو ما يعزز من تنافسيتها في سوق الغاز الطبيعي، خاصة في ظل التوقعات بزيادة الطلب العالمي خلال السنوات المقبلة.
اعتراف دولي ومكانة استثمارية
في خطوة تبرز ثقة المستثمرين العالميين في أدنوك للغاز، أعلنت الشركة قبولها في مؤشر فوتسي للأسواق الناشئة بدءًا من 22 سبتمبر 2025، ما قد يجذب ما يصل إلى 250 مليون دولار استثمارات جديدة. هذا إلى جانب الانضمام سابقًا إلى مؤشر MSCI للأسواق الناشئة، الذي استقطب تدفقات رأسمالية كبيرة.