الإغلاق الذي يعبر عن أزمة سياسية حقيقية بين الكونغرس والإدارة، تحول إلى اختبار حقيقي لقدرة الشركات على الصمود في وجه توقف العقود والتمويلات الفيدرالية.
تكشف تطورات المشهد عن هشاشة الترابط بين القطاعين العام والخاص، إذ باتت مئات الشركات تواجه صعوبات تشغيلية حادة، نتيجة تجميد المشاريع الحكومية وتأخر الدفعات والموافقات التنظيمية.
يضع هذا الواقع الشركات الصغيرة والمتوسطة، خصوصاً المتعاملة مع الحكومة، أمام ضغوط مالية وتشغيلية متصاعدة تهدد استمرار نشاطها.
وفي الوقت الذي يسعى فيه صانعو القرار لتسوية الأزمة، تتصاعد التحذيرات من أن استمرار الإغلاق لفترة أطول قد يُحدث سلسلة من الانعكاسات الاقتصادية تمتد من تراجع الإنتاجية وتسريح العمال إلى تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة، ما يضع الاقتصاد الأميركي برمّته أمام تحدٍ جديد في نهاية عام مثقل بالتقلبات.
كيف تتأثر الشركات؟
يشير تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أنه:
- من مُصنّعي الأجهزة الطبية إلى مُسوّقيها، ترزح الشركات الأميركية تحت وطأة العقود المُتوقّفة”.
- بعد أسبوع واحد فقط من إغلاق الحكومة الأميركية، بدأت الشركات في جميع أنحاء البلاد تشعر بالآثار.
- على سبيل المثال: أجّلت شركة أجهزة طبية في ألاميدا، كاليفورنيا، مشروعاً فرعياً مخططًا له، لعدم تمكنها من الحصول على الموافقات التنظيمية.
- مثال آخر: سرّحت شركة تسويق في فلوريدا خمسة موظفين بعد تلقيها أمراً بوقف العمل في عقد اتحادي.
- كما يحاول مقاول فرعي في مينيسوتا إبقاء ستة فنيين كهربائيين في الخدمة ريثما يتم إبرام عقد حكومي معطل.
تُظهر الرسوم الجمركية وغيرها من التقلبات السياسية ضغوطًا على الشركات المثقلة بالديون في قطاعات أقل وضوحًا من السوق.
يأتي ذلك في وقت حذر فيه بعض المشرعين الجمهوريين مساعدي الرئيس من تسريحات جماعية وتخفيضات حادة في المساعدات الحكومية.
انعكاسات واضحة
يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- الإغلاق الحكومي الأميركي ستكون له انعكاسات واضحة على أداء الشركات؛ خصوصاً تلك التي لديها عقود مباشرة مع الحكومة الفيدرالية.
- استمرار الإغلاق لفترة طويلة سيزيد من الضغوط على الشركات الأميركية، ما قد ينعكس سلباً على نتائجها المالية في الربع الرابع من العام.
- هذه الضغوطات بدأت بالفعل في الظهور مع مرور نحو أسبوع إلى عشرة أيام على الإغلاق.
ويشير إلى أنه على الرغم من أن تدفق الأموال سيُستأنف لاحقاً مع إعادة تفعيل العقود المتوقفة، إلا أن الأثر الحقيقي سيظهر على المدى الطويل، إذ سيحتاج الاقتصاد الأميركي إلى وقت لاستعادة وتيرة نشاطه الطبيعي.
ويتابع يرق قائلاً إن التقارير الاقتصادية المقبلة، سواء المتعلقة بالأمن القومي أو بسوق العمل، ستعكس هذه الضغوطات بشكل واضح، متوقعاً أن يشهد الناتج المحلي الأميركي تراجعاً ملحوظاً إلى جانب ارتفاع في معدلات البطالة خلال المرحلة المقبلة.
أزمة الشركات
وفق تقرير لرابطة الصناعة والتجارة في نيوجيرسي، فإن
- الشركات التي تتعامل مع الحكومة الأميركية أُبلغت بأن الحكومة الفيدرالية لا يمكنها منح العقود أو تعديلها أو ممارسة خياراتها خلال فترة الإغلاق الحكومي.
- من المتوقع أن يستمر العمل الفعلي بموجب العقود الحالية ما لم يُنه مسؤول التعاقد العقد أو يُوقفه مؤقتاً.
يأتي ذلك في الوقت الذي لم يعد معظم أكثر من أربعة ملايين شخص في القوة العاملة العسكرية والفيدرالية في الولايات المتحدة يتقاضون أجورهم أثناء إغلاق الحكومة، وهذا له تأثير متسلسل على الشركات – وخاصة تلك الموجودة في المجتمعات التي بها وجود عسكري أو حكومي فيدرالي كبير – لأن الأفراد العسكريين والعاملين الفيدراليين الذين لا يتقاضون أجرًا يخفضون إنفاقهم، بحسب التقرير.
ووفق رسالة بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول أرسلتها غرفة التجارة الأميركية إلى مجلس الشيوخ الأميركي، فإن الإغلاق الحكومي الأخير، الذي استمر 35 يوما من ديسمبر 2018 إلى يناير 2019، أدى إلى خفض الناتج الاقتصادي الأميركي بمقدار 11 مليار دولار في الربعين التاليين، بما في ذلك 3 مليارات دولار لم يستردها الاقتصاد الأميركي أبدا.
أبرز التحديات
بدوره، يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- ظاهرة العقود المتوقفة تُعدّ من أبرز التحديات التي تواجه الشركات العاملة في المشاريع الحكومية، وغالباً ما تنتج عن تأجيل أو تعليق تنفيذ العقود نتيجة توقف الميزانيات أو الإغلاقات الحكومية التي شهدناها في السنوات الماضية.
- لهذا التوقف تداعيات متعددة، أبرزها تجميد أو تأخير الدفعات المستحقة للشركات، ما يؤدي إلى تراجع السيولة النقدية وارتفاع فوائد الديون، خصوصاً على الشركات التي تعتمد على خطوط تمويل أو تسهيلات مصرفية، في ظل بيئة أسعار فائدة مرتفعة حالياً.
- بعض الشركات تُجبر على استخدام احتياطاتها المالية أو الاقتراض بأسعار فائدة مرتفعة لتغطية التزاماتها، في حين تبقى العمالة قائمة رغم توقف الإنتاج الفعلي، ما يعني استمرار التكاليف التشغيلية وتآكل الربحية وتأخر القدرة على استئناف العمل بسرعة.
ويشير صليبي إلى أنّ أوامر وقف العمل بالعقود الحكومية قد تُصدر رسمياً وفق القوانين العامة، وإذا ما استمرت هذه الأوامر أو تكررت، فستجد الشركات صعوبة في المطالبة بالتعويضات أو تعديل الجداول الزمنية، فضلًا عن تأخر الموافقات الحكومية اللازمة لاستكمال المشاريع، وهو ما يعطّل الإنتاجية ويرفع التكاليف التشغيلية بشكل إضافي.
كما يحذّر من أن فقدان الثقة بين الشركات والموردين يمثل خطراً كبيراً، إذ إنّ تعثر الشركات في سداد التزاماتها أو دفع مستحقات الموردين قد يؤدي إلى توقف تزويد المشاريع بالمواد والخدمات، الأمر الذي يخلق تأثيراً تسلسلياً يمتد من الشركات الصغيرة إلى الكبرى ضمن سلاسل التوريد.
وفي هذا السياق، يلفت صليبي إلى أنّ بعض الشركات قد تضطر إلى إعادة التفاوض على العقود أو حتى إلغائها، مؤكداً أن شدة المنافسة على المشاريع الحكومية تجعل الشركات تدخل بعروض ذات هوامش ربح منخفضة جداً، ما يجعلها أكثر عرضة لتآكل الربحية عند حدوث أي تأخير أو تعديل في الشروط.
ويختتم حديثه بالتحذير من أنّ استمرار الوضع لفترة طويلة قد يؤدي إلى عجز مالي حاد أو حتى حالات إفلاس لدى الشركات التي تعتمد بشكل كبير على هذه العقود، خاصة تلك التي لا تمتلك احتياطيات مالية كافية، حيث ستجد نفسها أمام دوامة نفقات دون إيرادات، ما قد يضطرها الى تسريح العمال او التخلف عن سداد التزاماتها المالية.