تتجدد الأسئلة في الأوساط المالية عن مدى واقعية “رهاب أكتوبر”، وهل ما يميزه فعلاً هو الانهيارات الكبرى، أم أن الصورة أكثر تعقيداً مما تختزنها الذاكرة.
في هذا السياق، تنقل شبكة “سي إن بي سي” الأميركية عن محرر Stock Trader’s Almanac، جيفري هيرش، قوله:
- بينما قد تبدو أوضاع السوق هشة مع اقتراب أكتوبر، فإن الزخم الذي شهدته في سبتمبر قد يشير فعلياً إلى إمكانية تحقيق المزيد من المكاسب في الشهر المقبل.
- قفزت الأسهم هذا الشهر إلى مستويات قياسية جديدة، حيث سجل مؤشر S&P 500 أعلى مستوى له على الإطلاق، سواء أثناء الجلسة أو عند الإغلاق يوم الاثنين الماضي. وتجاوزت مكاسب المؤشر خلال الشهر 2 بالمئة، وهو أداء أفضل بكثير من متوسط التراجع البالغ 4.2 بالمئة الذي اعتاد تسجيله في سبتمبر خلال السنوات الخمس الماضية.
- على الرغم من أن الأسهم تكبدت خسائر لثلاث جلسات متتالية وسط تصاعد المخاوف بشأن مستويات الأسعار المرتفعة واستدامة موجة التداول المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، إلا أن السوق لا يُعتقد بأنها ستواجه ما يُعرف بـ “رهاب أو فوبيا أكتوبر”، وهو المصطلح الذي يُستخدم لوصف الانهيارات الكبيرة التي وقعت في هذا الشهر، مثل أزمتي 1929 و1987. وذلك حتى مع الأخذ بالاعتبار أن تسجيل قمم تاريخية جديدة في سبتمبر كان تاريخيًا يتبعه أداء أضعف نسبيًا في أكتوبر.
وشدد على أن “التقييمات مرتفعة، وهناك بعض المشكلات في اتساع السوق، لكن هناك سيولة ضخمة تتدفق”، منبهاً إلى أن “الزخم الصعودي، من الصعب إنكاره وهو لا ينتهي سريعاً”.
تقلبات تاريخية
يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن شهر أكتوبر يتمتع بسمعة خاصة في وول ستريت، حيث ارتبط في أذهان المستثمرين بالخوف والتقلبات الحادة، وهي الظاهرة المعروفة بما يسمى “تأثير أكتوبر” أو “رهاب أكتوبر”.
ويوضح أن هذه السمعة لم تأتِ من فراغ، بل بُنيت على أحداث تاريخية درامية تركت أثراً عميقاً، مثل أزمة 1907، وانهيار 1929 الذي بدأ في أواخر أكتوبر، وكذلك “الاثنين الأسود” في العام 1987. هذه الوقائع خلقت ذاكرة جماعية سلبية ونوعًا من التحيز النفسي لدى المستثمرين مع بداية الشهر.
ويضيف أن النظرة إلى البيانات التاريخية تكشف صورة أكثر تعقيداً، إذ تشير الإحصاءات إلى أن سبتمبر يُعتبر تاريخياً أضعف الأشهر أداءً، وغالباً ما يسجّل عوائد سلبية، بينما حقق مؤشر S&P 500 منذ عام 1928 مكاسب في أكتوبر أكثر من المرات التي تكبّد فيها خسائر، وهو ما يجعل متوسط أدائه بالإيجاب.
ويؤكد سعيد أن السمة الحقيقية لشهر أكتوبر ليست الانهيار المستمر بل التقلبات العالية، حيث يشهد نسبة كبيرة محتملة من التحركات السعرية الكبيرة صعوداً وهبوطاً. وهذه التقلبات، بحسب وصفه، لا تعني بالضرورة انهياراً، بل قد تخلق فرصاً استثمارية قوية، كما حدث في سنوات سابقة حققت خلالها السوق أداءً إيجابياً في أكتوبر.
ويختتم خبير أسواق المال حديثه بالتأكيد على أن ما يحدد مسار الأسواق ليس الشهر في التقويم، وإنما العوامل الاقتصادية الأساسية، مثل قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي، وموسم نتائج أعمال الشركات، والتطورات الجيوسياسية. مشددًا على أن التركيز على هذه المؤشرات هو ما سيحسم ما إذا كانت التقلبات المتوقعة ستشكل فرصة شراء جديدة أم بداية لتصحيح أعمق.
البيانات التاريخية
وبالنظر إلى السجلات التاريخية، فقد سجل مؤشرا داو جونز الصناعي 44 ارتفاعاً شهرياً في أكتوبر، مقابل 31 انخفاضاً (وفق البيانات الممتدة من 1950 إلى 2024). بينما سجل ناسداك 29 ارتفاعاً مقابل 25 ارتفاعاً (بحسب البيانات من 1971 إلى 2024)، وسجل راسل 2000 ارتفاعاً شهرياً في أكتوبر في 26 مناسبة مقابل 20 انخفاضاً (بحسب البيانات الممتدة من 1979 إلى 2024).
تعكس هذه البيانات التاريخية حقيقة أن أكتوبر لا يمكن اعتباره بالضرورة شهراً مشؤوماً للأسواق، بل إن الصورة تبدو أكثر توازناً مما يوحي به الإرث النفسي المرتبط به، ذلك أن التاريخ يكشف أن المكاسب المسجلة في هذا الشهر تفوق في كثير من الأحيان الخسائر، وهو ما يعكس أن “رهاب أكتوبر” قد يكون مبالغاً فيه إذا ما تم النظر من زاوية الإحصاءات البحتة.
ومع ذلك، فإن ما يميز أكتوبر بوجه عام هو طبيعة التقلبات الحادة التي قد تضرب الأسواق فجأة، فتخلق مشهداً مشوشاً بين الخوف والفرص، وبما يجعل المستثمرين أكثر حساسية للتطورات الاقتصادية والسياسية.
وتأتي تداولات أكتوبر هذا العام وسط مزيد من الضغوط المختلفة، بما في ذلك الغموض الذي تثيره أحدث رسوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمركية على واردات الأدوية المبتكرة، وفي ظل بيئة اقتصادية وتجارية مفعمة بالاضطرابات وعدم اليقين جراء تلك السياسات الحمائية الأميركية ومردودها على الأسواق، فضلاً عن تأثير التطورات الجيوسياسية المختلفة.
تأثير العامل النفسي
يقول أستاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن شهر أكتوبر يُعدّ من أكثر الأشهر إثارة للجدل في ذاكرة أسواق المال العالمية، إذ ارتبط تاريخياً بأحداث دراماتيكية كالاثنين الأسود، ما أفرز ما يُعرف بـ “رهاب أكتوبر”.
ويضيف: الصورة ليست قاتمة بالكامل، فالإحصاءات الممتدة لعدة عقود تكشف أن متوسط عوائد مؤشر S&P 500 في أكتوبر يميل للإيجابية مقارنة ببعض الأشهر الأخرى، لكن ما يميّز الشهر هو ارتفاع مستويات التقلب، الأمر الذي يجعل المستثمرين أكثر حساسية تجاه أي صدمات اقتصادية أو سياسية.
ويشير إلى أن العامل النفسي يلعب دوراً محورياً، حيث يتأثر المستثمرون بالتوقعات المسبقة، فيتجه كثيرون إلى البيع أو التحوط مبكراً، وهو ما قد يفاقم أي تذبذبات محدودة ويحوّلها إلى تحركات سعرية حادة.
وحول المشهد الحالي، يوضح الإدريسي أن أكتوبر 2025 يأتي في ظل سياسات نقدية متشددة في الولايات المتحدة، وتوترات جيوسياسية متصاعدة، وضبابية تحيط بمستقبل الاقتصادين الصيني والأوروبي، ما يزيد من احتمالات تقلب الأسواق، خاصة في حال صدور بيانات مفاجئة دون التوقعات.
ويختتم حديثه قائلاً: “إن ما يُعرف برهاب أكتوبر قد يكون في الواقع انعكاساً للذاكرة الانتقائية أكثر من كونه لعنة اقتصادية -على حد وصفه- إذ شهدت الأسواق انهيارات كبيرة في أشهر أخرى مثل سبتمبر 2001 أو مارس 2020، لكن الطابع الدرامي لأحداث أكتوبر جعلها أكثر رسوخاً في وجدان المستثمرين”.