وفي حين حذرت العديد من الدول الكبرى إسرائيل من الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين وخطر إطالة أمد حرب غزة التي قتل فيها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، كان ترامب في الغالب “متفرجا”، إذ لم يحث إسرائيل حتى على ضبط النفس.
وخارج البيت الأبيض، قال ترامب، الثلاثاء، إنه لم يناقش الأمر مع نتنياهو، وعندما سئل عما إذا كان يؤيد الهجوم على مدينة غزة، الذي بدأ بالفعل وتسبب في تشريد مئات الآلاف من سكانها، قال: “حسنا. يجب أن أرى. لا أعرف الكثير عنه”.
وبينما كان يبدو علنا أن ترامب يضغط لإنهاء الحرب، فإنه يقف الآن مكتوف الأيدي راضيا بينما تزداد شدتها، وفق تحليل “نيويورك تايمز”.
ونظرا للنفوذ الهائل الذي تمثله المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، لا يمكن، وفق الصحيفة، كبح طموح نتنياهو إلا عبر رئيس أميركي، بينما “تقاعس ترامب يمثل تفويضا مجانيا لرئيس الوزراء الإسرائيلي”.
وقال دانيال كورتزر السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل في عهد الرئيس جورج بوش الابن: “من الواضح أن ترامب يريد إنهاء الحرب وإعادة الرهائن، لكن يبدو أنه لا يملك استراتيجية ولا رغبة في الضغط على نتنياهو. إنه يهدد حركة حماس لكن نتنياهو يفسر هذه التهديدات على أنها ضوء أخضر للاستمرار. وبالتالي فإن دبلوماسية ترامب تعمل ضد نفسها”.
وأضاف كورتزر: “رغم ذلك، فإن ترامب في وضع أفضل من أي شخص آخر لإنهاء الحرب. لكنه بحاجة إلى فعل أكثر من مجرد الإدلاء بتصريحات علنية”.
إلا أن زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع لم توضح الكثير بشأن ما تأمله واشنطن من إسرائيل.
فقبيل مغادرته إلى إسرائيل، السبت، استبعد روبيو مطالبة نتنياهو بإلغاء الهجوم على مدينة غزة، وأشار بدلا من ذلك إلى أن الولايات المتحدة “ستنصت أكثر مما ستتكلم. نحن لا نتحدث عن ذلك أو أي شيء من هذا القبيل. أعني هذا بالتأكيد لن يكون ما سأبلغه، نريد فقط أن نعرف ما سيحدث لاحقا”.
والإثنين انضم روبيو إلى نتنياهو في مؤتمر صحفي، حيث تعهد الأخير “بهزيمة” حماس، ولم يبد أي إشارة إلى أنه لا يزال يسعى إلى مفاوضات للإفراج عن الرهائن وإنهاء الحرب، كما لم يبد وزير الخارجية الأميركي أي معارضة أو قلق.
وأكد روبيو أن ترامب لا يزال يريد اتفاق وقف إطلاق نار من شأنه أن يطلق سراح الرهائن المتبقين في غزة، لكنه ألقى باللوم على حماس في استمرار الحرب، ولم يلمح إلى أنه يشارك وجهة نظر العديد من الحكومات العربية والغربية بأن عملية مدينة غزة قد تهدد أي آمال متبقية في إنهاء الحرب وإنقاذ الرهائن.
والثلاثاء قال روبيو إن “الوقت ينفد” للتوصل إلى اتفاق سلام، فيما بدا وكأنه إنذار نهائي لحماس، وأضاف: “في مرحلة ما ستكون حرب إسرائيل، وسيقررون كيف يريدون المضي قدما لأنهم هم من تعرضوا للهجوم في 7 أكتوبر”.
وأدلى ترامب بتصريحات هذا العام تشير إلى أنه ألقى بعض اللوم على نتنياهو، على الأقل في استمرار الحرب، وتوقع منه إنهاءها حتى لو كان ذلك يعني محاولته إجباره على تقديم تنازلات لحماس.
وقال الرئيس الأميركي في مقابلة أجريت معه في مارس الماضي مع صحيفة إسرائيلية: “عليك إنهاء حربك. عليك إنجازها”.
لكن مع بلوغ الغضب الدولي إزاء سلوك إسرائيل في حرب غزة ذروته، لم ينتقد ترامب استراتيجية نتنياهو في غزة مؤخرا، حتى أنه بدأ يشير إلى أنه لا يوجد اتفاق مع حماس ممكن، أو كان ممكنا على الإطلاق، وقال للصحفيين في يوليو الماضي: “أعتقد أنهم يريدون الموت”.
وفي شهر أغسطس الماضي، لم يعترض ترامب على فكرة احتلال إسرائيل الكامل لغزة، في تحد أكبر لمعظم الحكومات الغربية، وقال: “لا أستطيع الجزم بذلك. الأمر متروك لإسرائيل إلى حد كبير”.
وحسب تحليل “نيويورك تايمز”، قد يرى ترامب أيضا جانبا سياسيا سلبيا في تحدي نتنياهو، الذي يحظى بدعم العديد من الجمهوريين، وقد ثبت أن التصريح الأخير للنائبة مارغوري تايلور غرين، الجمهورية عن ولاية جورجيا الحليفة المقربة لترامب، بأن إسرائيل ترتكب “إبادة جماعية” في غزة كان استثناء، وليس بداية تمرد في الحزب الجمهوري.
وفيما يتعلق بغزة، فإن الفصل الحقيقي الوحيد الذي سمح به ترامب بينه وبين نتنياهو مؤخرا جاء بسبب تقارير عن تجويع الأطفال الفلسطينيين، وقد دفع ذلك الرئيس الأميركي إلى الإصرار في أواخر يوليو على أن تسمح إسرائيل بدخول المزيد من المساعدات إلى القطاع، رافضا مزاعم نتنياهو بأن تقارير المجاعة مبالغ فيها، وأن حماس هي المسؤولة عن نقص الغذاء.
لكن ترامب لم يدل بتصريحات تذكر حول هذا الموضوع في الأسابيع الأخيرة، حتى مع تصريح منظمات الإغاثة بأن الغذاء والدواء لا يزالان شحيحين بشكل كارثي.