تتصاعد أهمية هذا المشهد مع تزايد المقارنات بين آسيا وغيرها من المراكز المالية الكبرى، وسط تحركات لافتة في التدفقات الاستثمارية واتجاه المستثمرين نحو تنويع محافظهم بعيداً عن الوجهات التقليدية.
وتبرز في هذا السياق مجموعة من العوامل المتشابكة، تمتد من السياسات النقدية إلى الطفرات التكنولوجية، لتضع الأسواق الآسيوية في موقع مختلف لم تشهده منذ سنوات طويلة.
يشير تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إلى اقتراب مؤشر رئيسي للأسهم الآسيوية من مستوى قياسي مرتفع، إذ تفوقت أسواق المنطقة على نظيراتها العالمية بأوسع هامش منذ عام 2017، مدفوعة بتوقعات خفض أسعار الفائدة الأميركية واستمرار ضعف الدولار.
- اقترب مؤشر MSCI لأسواق آسيا والمحيط الهادئ من أعلى مستوى قياسي له بنهاية الأسبوع الأخير، مدعوماً بارتفاعات في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.
- يتفوق المؤشر على مؤشر MSCI العالمي، الذي يتتبع الأسواق المتقدمة فقط، بأكبر هامش في ثماني سنوات.
- كما عزز التفاؤل بشأن حملات إصلاح حوكمة الشركات التي تهدف إلى زيادة عوائد المساهمين أداء اليابان وكوريا الجنوبية.
وارتفعت التدفقات الأجنبية إلى الأسهم الكورية الجنوبية منذ أن عدلت البلاد قانونها التجاري في يوليو لتوضيح واجبات مديري الشركات تجاه المساهمين.
وفي اليابان، ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي بشكل حاد بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التعرفات الجمركية في “يوم التحرير” في أبريل، مما دفع المستثمرين إلى النظر خارج الولايات المتحدة.
وفي حين يتداول مؤشر ستاندرد آند بورز 500 عند مستويات قياسية مرتفعة، فإنه يحقق أداء أضعف من أداء الأسواق المتقدمة الأخرى، في إشارة إلى أن المستثمرين يحولون الأصول خارج الولايات المتحدة إلى مناطق مثل أوروبا وآسيا.
أهم الأسباب
من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن هناك مجموعة أسباب تدعم تفوق الأسهم الآسيوية على نظيراتها العالمية، مشيراً أولاً إلى السوق الصينية، بعد أن بدأت الحكومة هذا العام حزمة تحفيزات؛ أبرزها خفض الفوائد من البنك الشعبي الصيني، ومع عوائد السندات المنخفضة والانكماش الاقتصادي وضعف التضخم، يؤكد أن المستثمرين اتجهوا بشكل ملحوظ نحو قطاع الأسهم.
كما يضيف أن الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدفع المستثمرين إلى تنويع محافظهم، فكانت الأسواق الآسيوية من أبرز الوجهات. و كذلك، يوضح أن ضعف الدولار الأميركي مع هذه الحرب جعل الأسهم الآسيوية أكثر جاذبية.
وعن التكنولوجيا، يشير يرق إلى أن الثورة في الذكاء الاصطناعي تشكل دعماً إضافياً، مع دور أساسي لكل من تايوان وكوريا الجنوبية في هذا القطاع.
وأخيرًا، يؤكد أن التقييمات المنخفضة للأسواق الآسيوية مقارنة بالأسواق الأميركية المرتفعة كانت دافعاً قوياً لتدفق الاستثمارات، منبهاً إلى أن “الآفاق المستقبلية للأسهم الآسيوية تبقى إيجابية، مدعومة بمزيج هذه العوامل مجتمعة”.
الاستثمار في الصين
وكان تقرير سابق لـ “بلومبيرغ” قد ذكر أنه:
“في حقبة ما بعد الوباء، أصبح أحد أساسيات الاستثمار هو “أي مكان باستثناء الصين”.
- المستثمرون العالميون كانوا يتجنبون الاستثمار في بكين في ظل معاناتها من الانكماش الاقتصادي وتراجع سوق العقارات المطول. وقد ازداد الطلب على ما يُسمى باستراتيجيات “الخروج من الصين”، حيث طوّر مُزوّدو المؤشرات مؤشرات مرجعية جديدة للأسواق الناشئة تستبعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
- لكن مع بدء أداء الأسهم المدرجة في بورصتي شنغهاي وشنغن المتفوق، يتساءل المستثمرون إن كان الوقت قد حان لمطاردة هذا الارتفاع.
وأوضح التقرير أن مديري الأموال تقبلوا وفرة السيولة التي تُحفّز مكاسب الأسهم العالمية لفترة طويلة. والآن، وقد بدأت الأسر الصينية المعروفة باقتصادها في استثمار مدخراتها الضخمة في الأسهم المحلية، فلماذا لا تنضم إلى هذه المسيرة هناك أيضًا؟
وفي السياق، يشير تقرير لـ eastspring للاستثمارات إلى أنه:
- على الرغم من تحقيق عوائد قوية حتى الآن في عام 2025، تظل الأسواق الناشئة أرخص بكثير وتمثل حصة صغيرة غير متناسبة من أصول الأسهم العالمية.
- إن ضعف الدولار الأميركي، والمساحة المتاحة للبنوك المركزية في الأسواق الناشئة لخفض أسعار الفائدة، وزخم النمو المتجدد في الصين، كلها عوامل تدعم الأداء المتفوق للأسواق الناشئة.
- تُولي الشركات في الأسواق الناشئة أولوية متزايدة لعوائد المساهمين. ويشير هذا التحول إلى بيئة استثمارية أقوى وأكثر جاذبية للمستثمرين العالميين.
عوامل متداخلة
من جانبه، يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”إن تفوق الأسهم الآسيوية يعود إلى عدة عوامل متداخلة، موضحاً أن ضعف الدولار الأميركي مؤخراً كان عاملاً محورياً؛ إذ جعل الصادرات الآسيوية أكثر تنافسية، وخفف في الوقت ذاته من أعباء الديون المقوّمة بالدولار على الشركات في المنطقة، مما خلق بيئة إيجابية لأسواق كبرى مثل كوريا الجنوبية والصين.
ويضيف أن التوقعات بخفض الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة عدة مرات هذا العام دفعت المستثمرين للبحث عن عوائد أفضل خارج الأصول الآمنة في الولايات المتحدة، فوجدوا في الأسواق الآسيوية بديلاً جذاباً؛ لا سيما مع سبق بعض البنوك المركزية الآسيوية، مثل الصين وكوريا، إلى تطبيق سياسات نقدية تيسيرية حفّزت اقتصاداتها وضخت سيولة مبكراً.
ويشير إلى أن النمو في آسيا لا يعتمد فقط على رؤوس الأموال الأجنبية، بل هناك أيضًا محركات داخلية قوية، في مقدمتها طفرة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن شركات من تايوان وكوريا الجنوبية والصين تقود سلاسل الإمداد العالمية في قطاع أشباه الموصلات، وهو ما انعكس بوضوح على مؤشرات الأسواق مثل مؤشر “كوسبي” الكوري الذي حقق أداءً استثنائيًا.
ويتابع سعيد أن الاقتصادات الكبرى في المنطقة، مثل الصين واليابان، أظهرت مرونة ملحوظة؛ فالصين تستهدف نموا عند 5 بالمئة هذا العام مدعومة بسياسات تحفيز حكومية، بينما تشهد اليابان تعافيًا قويًا. كما أن الاعتماد المتزايد على الأسواق المحلية بدلاً من الاعتماد الكلي على التصدير جعل الشركات الموجهة للمستهلك المحلي في وضع أكثر استقرارًا.
ويختتم سعيد حديثه بالتأكيد على أن الأسهم الآسيوية، التي لطالما كانت تتداول بتقييمات أقل من نظيراتها في أميركا وأوروبا، أصبحت أكثر جاذبية مع تحسن توقعات الأرباح، مضيفاً: “المزيج الحالي من ضعف الدولار، وتوقعات خفض الفائدة، وثورة التكنولوجيا، والنمو المحلي القوي، والتقييمات المغرية، هو ما صنع هذه الحالة من التفوق الواسع للأسهم الآسيوية، والتي لم نشهدها منذ سنوات”.