محاولة فضل العودة إلى جمهوره وتسوية قضاياه بعد سنوات من الاتهامات والتجاذبات القانونية، قد تكون حالة خاصة لفنان ارتأى أن يتجنب الفن وينخرط عالم السياسة، لكنها يمكن أن تمثل نقطة البداية لفكرة أوسع عنوانها العلاقة الجدلية بين الفن والسياسية والأمثلة على ذلك من التاريخ كثيرة.
فالفن ليس فقط تعبيرا ثقافيا وإنسانيا، بل أداة ربما تكون قادرة أكثر من غيرها على تحريك المشاعر الجماهيرية، إما لدعم قضايا سياسية أو للتعبير عن مقاومة، أو حتى أن يُستغل من قبل أنظمة سياسية لترسيخ سلطتها وتسويق رؤاها.
في كثير من الدول، استغل الفنانون شهرتهم وتأثيرهم لتوصيل رسائل سياسية، سواء عبر الأغاني، الأفلام، أو حتى وسائل التواصل الاجتماعي.
ففي لبنان الفنانة فيروز مثلا، على رغم من أنها لم تكن سياسية مباشرة، إلا أن أغانيها، خاصة في فترة الحرب اللبنانية، كانت تُستخدم كرموز وطنية تعزز الهوية اللبنانية والوحدة، مما جعلها جزءا من المشهد السياسي غير المباشر.
أسمهان أيضا عاشت في فترة توتر سياسي كبير بين الدول العربية، وبعض الروايات تشير إلى أن حياتها كانت مرتبطة بشكل غير مباشر بالصراعات السياسية الإقليمية، والكثيرون اعتبروا موتها “اغتيالا سياسيا” بسبب دورها الغامض في الصراعات بين الفرنسيين، البريطانيين، والألمان في تلك المرحلة.
سعاد حسني، أيقونة السينما والغناء في مصر، كان لها تأثير كبير في توجيه الوعي الشعبي في مصر، فأفلامها وأغانيها تعكس بشكل واضح التحولات السياسية والاجتماعية في مصر، حيث قدمت العديد من الأفلام في هذا الإطار مثل “الكرنك” و”الزوجة الثانية”.
شويكار رغم أنها لم تُعرف بمواقف سياسية صريحة، فإنها كانت واحدة من أبرز نجمات الفن المصري في فترة شهدت تحولات سياسية واجتماعية عميقة، من الستينات إلى الثمانينات. قدّمت أعمالًا جمعت بين البساطة والعمق، وغالبًا ما شكلت مع النجم فؤاد المهندس ثنائيًا فنيًا عبّر عن هموم الناس اليومية بأسلوب ساخر وذكي، مثل مسرحية “أنا وهو وهي” وفيلم “شنبو في المصيدة”.
من العالم، فبوب مارلي ليس فقط رمزا لموسيقى الريغي، بل كان صوتا سياسيا وقوميًا، استخدم أغانيه كمنصة للسلام، المقاومة، والتحرر من الاستعمار والاضطهاد.
وأغاني مثل “Get Up, Stand Up” و”Redemption Song” حثت على النضال من أجل الحقوق والعدالة، وقد شكلت جسرًا بين الموسيقى والسياسة في منطقة الكاريبي والعالم كله.
آلان ديلون، النجم الفرنسي الشهير، الذي شارك في دعم اليمين السياسي في فرنسا وأبدى مواقف واضحة في عدد من القضايا الاجتماعية والسياسية، يُجسد كيف يمكن أن تؤثر الشهرة الفنية على السياسة.
تأثير تايلور سويفت في الانتخابات الأميركية لا يمكن تجاوزه، ففي انتخابات 2020، ارتفعت نسبة تصويت الشباب بشكل ملحوظ، وكانت تايلور واحدة من أبرز المؤثرين في هذا الاتجاه، حيث أعلنت دعمها لجو بايدن وكامالا هاريس، وانتقدت علنا الرئيس دونالد ترامب.
إن العلاقة بين الفن والسياسة ليست علاقة طارئة أو عابرة، بل هي ارتباط عميق ومتجذر يتجلى بأشكال متعددة، من التعبير الرمزي إلى المشاركة الفعلية في صنع الرأي العام.
وسواء كان الفن وسيلة للاحتجاج أو أداة للترويج، فإنه يظل قوة ناعمة ذات تأثير بالغ في تشكيل الوعي الجمعي، وتوجيه المشاعر، وطرح الأسئلة الصعبة التي قد تعجز السياسة التقليدية عن مواجهتها.
من فيروز إلى بوب مارلي، ومن سعاد حسني إلى آلان ديلون، تتعدد الأمثلة التي تؤكد أن الفنان لا يعيش في فراغ، بل هو ابن بيئته، وصوتٌ قد يتحول إلى صدى لأمة بأكملها، ويبقى السؤال المطروح هنا هل يملك الفن حرية أن يكون خارج السياسة، أم أن قدره أن يظل دائما في قلبها.
وفي زمن الرقمنة والتواصل الفوري، تتعاظم هذه القدرة وتتسارع، مما يجعل من الفن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، طرفًا أساسيًا في المعادلة السياسية والاجتماعية، بل وربما أحد مفاتيح التغيير أو التثبيت.
صحاك الشوق و”الرجوع السلس”
أعادت “صحّاك الشوق” التي أطلقها شاكر مؤخرا قضيته القانونية والسياسية إلى الواجهة، وأثارت موجة من التفاعل الإعلامي والشعبي، خصوصًا في ظل الحديث عن تحركات محتملة لتسوية وضعه القانوني بما يسهم في “عودة سلسة” لعالم الفن بشكل حقيقي.
فشاكر لا يزال مطلوبا للقضاء اللبناني في خمس قضايا، صدرت فيها أحكام غيابية تتراوح بين 5 و15 عاما من الأشغال الشاقة، أبرزها، الاشتراك في تشكيل عصابة مسلحة، والقتال ضد الجيش اللبناني في أحداث عبرا.
رغم صدور حكم غيابي بالبراءة في قضية الاقتتال مع الجيش، إلا أن باقي القضايا لا تزال قائمة، ويُعتبر شاكر “فارا من العدالة” حتى يسلم نفسه ويخضع لمحاكمة علنية.
فضل شاكر أكد في أكثر من بيان أنه بريء من التهم المنسوبة إليه، واعتبر قضيته إنسانية لا سياسية، وأشار إلى أن التهم “مفبركة”، وأنه دخل مخيم عين الحلوة هربًا من تهديدات بالقتل، وليس للتهرب من العدالة.
ويذهب البعض للقول بأن التفاعل الشعبي الكبير مع الأغنية، إضافة إلى تصريحات فضل شاكر، قد تشكل ضغطا غير مباشر على الجهات القضائية اللبنانية، رغم تأكيد الأخيرة على أن تسليم فضل لنفسه هو الحل الوحيد للقضية.
وتناولت البعض الأغنية من زاوية فنية بحتة ووصفت بأنها “هاربة من الزمن الجميل”، بينما اعتبر آخرون أنها ليست مجرد عمل فني بل جزء من استراتيجية إعلامية لتلميع صورته.