يتنامى النقاش بشكل واسع في أروقة السياسة والاقتصاد حول ما إذا كانت السياسات الأوروبية المتشددة في تنظيم الأسواق الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي تشكل تحديًا للمصالح الأميركية، أو أنها تعكس رغبة الاتحاد الأوروبي في حماية المستهلكين وضمان المنافسة العادلة بين الشركات. وتشير هذه التوترات إلى تقاطع مصالح تجارية وتقنية وقيمية، تجعل من أي مفاوضات بين الطرفين اختبارًا دقيقًا للقدرة على التوصل إلى اتفاق متوازن.
وبحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فإن:
- الرئيس دونالد ترامب والاتحاد الأوروبي ربما يكون قد توصلا إلى اتفاق تجاري، لكن التوترات بينهما بشأن تنظيم التكنولوجيا لا تزال قائمة.
- هدد الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية وقيود على الدول التي يرى أنها تنظم شركات التكنولوجيا الأميركية بشكل غير عادل.
- كتب ترامب: “إن الضرائب الرقمية، وتشريعات الخدمات الرقمية، ولوائح الأسواق الرقمية كلها مصممة لإلحاق الضرر بالتكنولوجيا الأميركية أو التمييز ضدها”، فاتحاً بذلك فصلاً جديداً ومثيراً للجدل في الصراع التجاري المستمر في العالم.
- لا يشير المنشور إلى الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد، لكن ترامب ومسؤولين رئيسيين آخرين في الإدارة أوضحوا منذ أشهر أنهم غير راضين عن الطريقة التي يتعامل بها الاتحاد المكون من 27 دولة مع شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى بما في ذلك إكس وميتا.
انتقد جمهوريون، بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس، قانوناً للاتحاد الأوروبي، يُسمى قانون الخدمات الرقمية، والذي يُلزم شركات التواصل الاجتماعي بمراقبة منصاتها بشكل أكثر صرامةً للكشف عن المحتوى غير القانوني والمعلومات المضللة. ويجادل فانس ومسؤولون آخرون بأن القانون يُثقل كاهل المنصات الأميركية ويُقوّض حرية التعبير.
هذا الشهر، وجّه وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الدبلوماسيين الأميركيين لحشد التأييد ضد هذه القواعد. ويوم الاثنين، أفادت رويترز بأن الإدارة الأميركية تدرس فرض عقوبات على مسؤولي الاتحاد الأوروبي المسؤولين عن سنّ هذه اللائحة الرقمية الأساسية.
ووفق تقرير الصحيفة الأميركية، فإن قواعد وسائل التواصل الاجتماعي السياسة التكنولوجية الأوروبية ليست الوحيدة التي أثارت حفيظة إدارة ترامب؛ فقد انتقد مسؤولون أميركيون وشركات تكنولوجية أيضاً قانون الأسواق الرقمية، الذي يهدف إلى منع منصات التكنولوجيا الكبرى من إساءة استخدام النفوذ الذي يمنحها إياه حجمها. كما تفرض بعض الدول الأوروبية ضرائب على الخدمات الرقمية.
والسؤال الآن هو ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيكون قادرا على البقاء ثابتا عندما يتعلق الأمر بتنظيم التكنولوجيا.
يقول خبير التكنولوجيا، المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “حتى الآن، يبدو أن موقف الاتحاد الأوروبي قوي وحازم”، فالاتحاد يعتبر قوانينه الرقمية جزءاً من سيادته التنظيمية، ولن يتنازل عنها بسهولة في إطار أي مفاوضات تجارية.
ويشدد على أن الأنظمة التقنية مثل DSA وDMA صممت لحماية المستهلكين والمنافسة الشريفة، وقد بدأت بالفعل بفرض عقوبات على شركات مثل ميتا وآبل فضلاً عن التحقيق مع خدمات صينية مثل Temu وTikTok .
ويستطرد بانافع:
- “تحليلات أكاديمية تشدد على ضرورة عدم تفكيك هذه القوانين تحت الضغط الأميركي؛ لأن ذلك سيضر بالابتكار ومسيرة تحقيق الإنصاف في الاقتصاد الرقمي العالمي”.
- هناك توجه أوروبي واسع من جانب نواب ومشرعين، دعوا إلى عدم “الاهتزاز” تحت الضغط الأميركي، بل إلى تطبيق التشريعات بحزم وإظهار أن بروكسل لا تتراجع عن معاييرها
- ترامب حاول الضغط على أوروبا لوقف تنظيم شركات التقنية الكبرى، باستخدام التهديد بالرسوم والقيود. لكن الرد الأوروبي يدل على أن بروكسل غير مستعدة للتراجع؛ فهي تثق بقوانينها كونها نابعًا من قيم مقاومة الاحتكار وحماية المستهلكين والديمقراطية الرقمية.
تهديدات ترامب
يبرز الصراع بين حماية السيادة الرقمية الأوروبية والدفع الأميركي نحو تخفيف القيود كعنصر محوري يحدد مسار المفاوضات التجارية المقبلة، ويضع مؤشرات واضحة حول مواقف الدول الكبرى في صياغة قواعد الاقتصاد الرقمي العالمي.
وبينما يسعى كل طرف للحفاظ على مصالحه الاستراتيجية، يظل السؤال مفتوحاً حول قدرة الاتحاد الأوروبي على الثبات في مواجهة الضغوط الأميركية، وإمكانية استمرار التعاون التجاري دون المساس بقواعده الرقمية الأساسية.
يشير تقرير لـ euobserver، إلى أن هجوم ترامب المتجدد على القواعد الرقمية، حتى من دون ذكر الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد، قد يؤدي إلى زيادة الضغوط الأميركية على مسؤولي الاتحاد الأوروبي لتخفيف التشريعات الرقمية للاتحاد الأوروبي لتأمين صفقة التجارة.
في الأسبوع الماضي، نشرت بروكسل وواشنطن بيانا مشتركا بشأن اتفاقهما التجاري المقبل، حيث قالت المفوضية الأوروبية صراحة إنها “أوضحت للولايات المتحدة بوضوح تام أن التغييرات في لوائحنا الرقمية غير مطروحة على الطاولة”.
لكن الاتحاد الأوروبي قدّم تنازلات كبيرة استجابةً لمطالب الولايات المتحدة لإتمام الاتفاق. ففي عدة مقالات رأي نُشرت خلال عطلة نهاية الأسبوع، دافعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن الاتفاق، قائلةً إنه “منع حربًا تجارية” “ما كان ليُحتفى بها إلا في موسكو وبكين”.
أوروبا تتمسك بموقفها
يقول أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في السيليكون فالي كاليفورنيا، الدكتور حسين العمري، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، رداً على سؤال هل ستخضع بروكسل (الاتحاد الأوروبي) فعلاً لضغوط ترامب؟ إن:
- الاتحاد الأوروبي مصمّم على مواصلة تنفيذ وفرض قوانينه الكبرى مثل DSA وDMA، رغم التهديدات الأميركية.
- هناك تصريحات رسمية أكدت أن الأداة التنظيمية الأوروبية غير قابلة للمساومة ضمن أي اتفاق تجاري أو ضغط سياسي.
ويوضح أن قانون الأسواق الرقمية (DMA) دخل حيّز التطبيق في مايو 2023 بعد المصادقة عليه عام 2022، ويهدف إلى الحد من سلوكيات الغش التجاري من قبل “حراس البوابة” (Big Tech) مثل Apple وGoogle وMeta وغيرها، بدعوى تعزيز المنافسة والإنصاف.
أما قانون الخدمات الرقمية (DSA) وينظم المحتوى الإليكتروني، ويُلزم المنصات بالكشف عن سياسات المحتوى والإعلانات، ويطال أكبر المنصات التي تتجاوز 45 مليون مستخدم شهريًا.
ويشير إلى أن هذه القوانين تمثل جزءاً من الإرث التشريعي الأوروبي لحماية السوق الرقمية وضمانها خالية من الهيمنة التنظيمية أو الاستغلال، مضيفاً: “أي أن ترامب يرفض قوانين مثل DSA وDMA ويهدد بفرض رسوم وتقييد صادرات التكنولوجيا الأميركية، لكن الاتحاد الأوروبي يتمسك بسيادة تنظيماته الرقمية وهذا موقف صعب قد تسبب في نشوب توترات تجارية، دون بوادر تراجع من بروكسل”.