ويختلف نائب روسي سابق، وأكاديمي أوكراني في تقييم وضع اقتصاد روسيا تحت ثقل هذه العقوبات، والمُتوقّع له خلال عام 2024، وذلك بناءً على أرقام قدَّمها كلاهما لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.
حتى الآن، وصلت العقوبات، التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا لإجبارها على الانسحاب من أوكرانيا، لأكثر من 11 حزمة عقوبات، تغطّي نحو 1800 فرد وكيان.
كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، أعلن في مؤتمر صحفي، 14 ديسمبر الجاري، النتائج التي حقّقها اقتصاد بلاده هذا العام.
وممّا قاله حينها إن الاقتصاد الروسي يمتلك احتياطيا كبيرا يمكنه من النمو، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5%، ونمت الصناعة بنسبة 6%، والاستثمار 10%؛ ما يعني قدرة موسكو على مواجهة العقوبات، بينما انخفض دين الدولة الخارجي من 46 مليار دولار إلى 32 مليارا.
أمّا التضخم، فأشار إلى أنه وصل إلى 7.5%، وربما 8%، لكن البنك المركزي والحكومة “يتّخذان التدابير اللازمة لمواجهة ذلك”، وفق ما نقله عنه موقع “روسيا اليوم”.
“حافز كبير”
مفاجأة نهاية العام، أن الاقتصاد الروسي حقّق نموا فاق التوقّعات رغم العقوبات، وفق ما يرصده يفغيني فيتشسلاف، العضو السابق بمجلس الدوما الروسي (مجلس النواب).
ويستند فيتشسلاف في رأيه إلى أن العقوبات تحوّلت إلى حافز كبير للاقتصاد الروسي ليتحرّك في آفاق أوسع؛ فنجح الكرملين (الرئاسة الروسية) في توسيع العلاقات التجارية مع الصين والهند، ودول أخرى في آسيا، وإيجاد أسواق جديدة لصادرات الغاز والنفط، وكسر الأرقام السابقة للصادرات قبل العقوبات.
ويسوق بعض الأرقام نقلا عن بيانات روسية رسمية، منها تسجيل الصادرات السلعية في عام الحرب (2022) ارتفاعا إلى 588 مليار دولار، مقارنةً بـ494 مليارا في العام السابق له، والزيادة وصلت حسب منظّمة التجارة العالمية إلى 532 مليار دولار.
كما حقّقت التجارة السلعية خلال العام الجاري فائضا بلغ 308 مليارات دولار حسب الإحصاء الروسي، أو 292 مليار دولار حسب منظّمة التجارة العالمية، لتحتل روسيا بذلك الفائض الكبير المركز الثاني بعد الصين.
وهنا يُشير يفغيني فيتشسلاف إلى عدة نقاط ساعدت اقتصاد بلاده على الصمود، بل والنمو، رغم العقوبات التي يصفها بأنها “الأكبر في التاريخ”:
- زيادة الاعتماد على المنتج المحلي منذ فرض العقوبات على روسيا، نتيجة ضمّها شبه جزيرة القرم عام 2014.
- الدخول إلى أسواق جديدة في إفريقيا، مع تعزيز الشراكات مع الصين.
- فرضت موسكو قيودا على تحركات رأس المال الأجنبي؛ مما صعَّب بيع المستثمرين الأجانب لأصولهم الصناعية أو المالية.
- قفزة أسعار الطاقة بعد الحرب (وهي من المصادر الأساسية لاقتصاد روسيا).
- التخفيضات في الأسعار التي قدّمتها موسكو للدول الصديقة؛ ما زاد من الصادرات؛ وبالتالي من العوائد التي أسهمت في تصنيع السلاح وتوفير ما تحتاج إليه جبهات القتال، دون إرهاق ميزانية الدولة.
- توسيع نطاق مجموعة “بريكس” والتي تراهن عليه موسكو في كسر هيمنة الدولار والاقتصاد الأميركي عالميا.
التأثير قادم لا محال
إلا أن الدكتور واتلينغ كودراخيين، المتخصّص في الشؤون الدولية بالجامعة الوطنية أوديسا في أوكرانيا، لا يتفق مع فيتشسلاف حول التفاؤل بشأن اقتصاد روسيا، قائلا إن تأثير عقوبات الغرب عليه “قادم على المدى القريب، بل وبدأ الظهور في عدة أزمات، رغم ما يُعلن من أرقام نمو”.
ويضرب أمثلة على ذلك:
- مِن أبرز القطاعات المتوقّع أن تتأثّر العام المقبل هو قطاع التكنولوجيا؛ حيث تسبّبت العقوبات في التخلّف التقني في صناعة السلاح؛ نتيجة عدم قدرة روسيا على الوصول إلى التكنولوجيا الغربية التي كانت تعتمد عليها في بعض الصناعات.
- “معاناة” في روسيا من “نقص حاد” في العمالة، يتجاوز سقف الـ4.8 مليون عامل وموظف في عام 2023، كما ورد في صحف محلية روسية، ومتوقع أن تتواصل المشكلة بشكل كبير عام 2024.
- بفعل العقوبات والحرب، عانت روسيا من أكبر موجات هجرة في تاريخها؛ حيث غادرها أكثر من مليون شخص، رغم الإغراءات الحكومية، كالإعفاءات الضريبية والقروض.
- الرئيس الروسي لجأ إلى السحب من احتياطات البلاد من العملات الأجنبية البالغة 600 مليار دولار، وتم استخدام 80 مليار دولار، هذا بخلاف ما جمَّدته الدول الغربية.
- متوقَّع أن تعاني روسيا من نقص من السيولة والنقد بسبب الحرب عندما يُقدم الغرب على خفض اعتماده بالكامل على مصادر الطاقة الروسية، وهو سيناريو من المرجّح أن يستغرق عامين.
وتدرس الولايات المتحدة، بجانب دول في أوروبا، فرض عقوبات ثانوية على روسيا، لكن هناك تخوّفات من أن يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على النفط والغاز بشكل كبير.