تأتي هذه الطفرة الصينية وسط تفاوت في السياسات الجمركية بين دول أوروبا، حيث سمحت بيئة الانفتاح التجاري في دول مثل النرويج للشركات الصينية بتحقيق مكاسب كبيرة دون عوائق تنظيمية، ما ساعد في تعزيز حضورها بالسوق. بالمقابل، يتصاعد القلق في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من التأثير العميق لهذا التقدم على الصناعات المحلية، لا سيما في ظل خطر تراجع الوظائف وتآكل سلاسل التوريد التقليدية.
تقدم سريع
في هذا السياق، يشير تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية إلى أن:
- العلامات التجارية للسيارات الصينية تحرز تقدماً سريعاً في عالم السيارات الكهربائية في أوروبا.
- تستحوذ الصين بسرعة على حصة سوقية في النرويج، الدولة الأكثر ملاءمة للسيارات الكهربائية في العالم.
- منذ التسليم الأول لسيارة MG في يناير 2020، تمكنت العلامات التجارية الصينية للسيارات الكهربائية منذ ذلك الحين من الاستحواذ على حصة سوقية مجمعة تبلغ حوالي 10 بالمئة في النرويج.
- يعد النمو الهائل ملحوظًا بشكل خاص نظرًا لقرار الدولة الاسكندنافية بعدم فرض رسوم جمركية على واردات السيارات الكهربائية الصينية.
ويشار إلى أن سياسة التعريفات الجمركية في النرويج تميزها عن كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان فرضا رسوماً جمركية على السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين لحماية العلامات التجارية الأمريكية والأوروبية المهيمنة تقليديًا.
سبق للنرويج، وهي ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، أن صرّحت سابقاً بأنه ليس من المناسب ولا من المستحسن فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية.
وتيرة غير مسبوقة
تقول الكاتبة الصحافية الصينية سعاد ياي شين هوا لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- تحرز العلامات التجارية الصينية تقدماً سريعاً في سوق السيارات الكهربائية الأوروبية، ما يغيّر مشهد المنافسة بوتيرة غير مسبوقة.
- يظهر هذا التقدم من خلال التوسع في الصادرات، وارتفاع الحصة السوقية، وصعود شركات مثل BYD، جيلي، وسايك، على حساب تراجع مبيعات الشركات الأوروبية والأميركية مثل تسلا، وفولكسفاغن، وبي إم دبليو.
- تتمتع الشركات الصينية بأفضلية تقنية واضحة، خصوصاً في تقنيات البطاريات والقيادة الذكية، حيث برزت أنظمة مثل “بطارية الشفرات” وXNGP، بينما تواجه شركات أميركية وأوروبية صعوبات في مواكبة هذا التطور أو تأخيرات تنظيمية كما في حالة تسلا.
- بدأت شركات أوروبية كبرى في عقد شراكات مع نظيراتها الصينية لتعويض هذا التأخر.
وتضيف: كما أن توسع الشركات الصينية في بناء مصانع بطاريات ومركبات داخل أوروبا، عزز حضورها في سلاسل التوريد، ورفع مستوى الاعتماد الأوروبي على المكوّنات الصينية.. هذا التوسع أثّر على سوق العمل، حيث خلقت مصانع صينية فرص توظيف جديدة، في حين تواجه الشركات الأوروبية التقليدية مخاطر فقدان الوظائف.
وتستطرد: “في المقابل، تحاول شركات أوروبية كبرى مواكبة التغير عبر تسريع التحول وحتى التعاون مع الشركات الصينية”، مشيرة إلى أن نظرة المستهلكين الأوروبيين إلى السيارات الصينية أيضاً آخذة في التغير، بفضل جودة أعلى وخدمات محلية وتسويق ذكي.. بعض العلامات الصينية بدأت تنافس في الفئة الراقية أيضاً، ما يعزز حضورها الاستراتيجي. وبهذا، لا يقتصر صعود السيارات الصينية على كونه تحدياً مباشراً للمنافسين الغربيين، بل يمثل دافعاً لتحول عالمي نحو سيارات ذكية وكهربائية، ويعيد تشكيل معايير الابتكار في الصناعة.
تفضيل السيارات الصينية
وإلى ذلك، فإن الخبير الاقتصادي البارز في قطاع النقل والخدمات اللوجستية في بنك آي إن جي الهولندي، ريكو لومان، يقول في التصريحات التي نقلتها عنه شبكة “سي إن بي سي” الأميركية:
- الدراسات الاستقصائية أظهرت أن السائقين الأوروبيين يستمتعون بقيادة السيارات الكهربائية الصينية.
- “لذا، فإن هذا يمثل تحديًا حقيقياً لشركة تسلا في المستقبل، للتنافس مع تلك العلامات التجارية الجديدة التي تبني وجودها في أوروبا”.
- عندما سُئل عما إذا كانت أوروبا تبدو وكأنها تخسر معركتها في مجال السيارات الكهربائية مع الصين، قال لومان من آي إن جي: “أوروبا تلحق بالركب قليلاً”، لكنه أشار إلى أن الصين لا تزال متقدمة كثيراً.
ويشير تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن:
- قطاع السيارات في الاتحاد الأوروبي يُعد جزءاً لا يتجزأ من هوية أوروبا كقوة صناعية فاعلة. كما أنه محوري لمستقبل الابتكار، من الروبوتات إلى الذكاء الاصطناعي، ومحوري للتحول الأخضر.
- إن شبكة أوروبا الوسطى والشرقية الكثيفة التي تضم آلاف الشركات المترابطة بشكل وثيق في هذا القطاع متكاملة بشكل عميق مع الاقتصاد الألماني.
- كانت شركات صناعة السيارات الألمانية من أوائل الشركات التي دخلت السوق الصينية بنجاح كبير. ومع تزايد الاحتكاكات التجارية العالمية وتزايد تنافسية الشركات الصينية على الصعيد الدولي، تستثمر شركات السيارات الألمانية بشكل أكبر في الصين، على الأرجح على حساب أوروبا الوسطى ومورديها المحليين.
- تواجه الشبكة الصناعية في وسط وشرق أوروبا خطر الضمور أو التحول إلى مجموعة من خطوط التجميع الصينية مع بدء الشركات في الصين في فتح عملياتها داخل الاتحاد الأوروبي لتجنب التعريفات الجمركية.
- إذا أرادت أوروبا الحفاظ على دورها كقوة صناعية، فعلى صانعي السياسات التخلي عن مفاهيم “التنافسية” البالية.
- ينبغي على قادة ألمانيا وأوروبا الوسطى تهيئة ظروف جاذبة للشركات لتعزيز شبكتها الصناعية القائمة. وعليهم العمل عبر الحدود لإنقاذ الوظائف، وتجنب الصراعات الاجتماعية، وضمان قدرة الصناعة الأوروبية على الصمود في وجه “الصدمة الصينية الثانية”.
انتشار واسع
من بروكسل، يقول خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن هناك أسباباً عديدة تقف وراء الانتشار الواسع والنجاح المتزايد للسيارات الكهربائية الصينية داخل دول الاتحاد الأوروبي.
ويشير إلى أن من أبرز هذه الأسباب انخفاض تكلفة الإنتاج والرواتب في الصين مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى توفر الإمكانات والمواد الأولية اللازمة في الصناعات المرتبطة بهذا القطاع الحيوي، مضيفاً: “علاوة على الدعم الذي تقدمه الحكومة الصينية للشركات.. بينما ترى المفوضية الأوروبية أن ذلك يمثل مخالفة لقواعد منظمة التجارة العالمية المرتبطة بالمنافسة”.
ويتابع بركات: الاتحاد الأوروبي، في مسعى لتقليص هيمنة السيارات الصينية على الأسواق الأوروبية، يفرض الاتحاد رسوماً جمركية تهدف إلى رفع أسعار السيارات الصينية، وبالتالي تمكين السيارات الأوروبية من المنافسة، خاصة أن السيارات الصينية تُباع بأسعار منخفضة تشجيعية تقل كثيراً عن أسعار نظيراتها الأوروبية. وينوّه بأن الولايات المتحدة الأميركية اتخذت خطوات مشابهة بفرض رسوم جمركية على هذا القطاع، في محاولة للحد من انتشاره.
لكن بركات تساءل عما إذا كانت هذه الإجراءات كافية للحد من انتشار السيارات الكهربائية الصينية في العالم، قائلاً: “لا أعتقد ذلك. فالصين، إلى جانب انخفاض تكلفة الإنتاج، ما زالت تتفوق تكنولوجياً، خاصة في مجال البطاريات مثل بطاريات الليثيوم وغيرها”.