وبدأ المشهد أكثر تعقيدا مما يبدو. ففي بلد تتعدد فيه الشرعيات وتتشابك فيه المصالح بين قادة الميليشيات والسياسيين، فإن مجرد طرح فكرة تولي المجلس الرئاسي للسلطة قد يفتح الباب على أزمة دستورية وصراع داخلي وإقليمي جديد.
أزمة شرعية أم لحظة انتقال؟
رفع المتظاهرون شعار لا للتمديد، نعم للانتخابات في دعوة صريحة للمجلس الرئاسي لتحمّل مسؤوليته التاريخية وتولي السلطة التنفيذية كخطوة إنقاذية، مطالبين بمرحلة انتقالية مؤقتة تنتهي بحد أقصى في 25 يوليو 2026.
وقال أبوبكر مروان، الناطق باسم حراك سوق الجمعة إن مظاهرات، الجمعة، امتدت لتشمل طرابلس الكبرى والمنطقة الغربية، إلى جانب مشاركين من الجنوب والمنطقة الوسطى، بهدف إنهاء وجود التشكيلات المسلحة وكافة الأجسام السياسية الحالية، ودعوة المجلس الرئاسي لاتخاذ قرار تاريخي يقود البلاد نحو الاستقرار، تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ودستور دائم.
وأضاف في حديث لـ”سكاي نيوز عربية” أن المحتجين طالبوا بوقف عمل حكومة الدبيبة وتكليف حكومة جديدة، أو أن يتولى المجلس الرئاسي بنفسه إدارة المرحلة.
واعتبر أن المطالب “مرحلية”، وتتناسب مع مقتضيات اللحظة، مشددًا على استمرار الحراك الشعبي وتصعيده في حال عدم الاستجابة، حتى الوصول إلى العصيان المدني الشامل.
العلاقة مع الحكومة
ومن جانب آخر، يرى عبدالمنعم اليسير، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي بالمؤتمر الوطني الليبي، أن المجلس الرئاسي يفتقر إلى الأسس السياسية والقانونية والعملية اللازمة لقيادة المرحلة.
وأوضح أن المجلس الرئاسي جاء من نفس القائمة التي أنتجت حكومة الدبيبة، ولا يمتلك أدوات الفعل التنفيذي على الأرض.
وأكد اليسير في حديث لموقع سكاي نيوز عربية أن تحميل المجلس الرئاسي مسؤولية التغيير دون منحه أدوات التنفيذ قد يؤدي إلى مزيد من الإحباط الشعبي والانقسام السياسي، معتبرًا أن الحل يكمن في خارطة طريق شاملة تبدأ بإسقاط الحكومة، وتنتهي بانتخابات شفافة تحت إشراف وطني ودولي مستقل.
الانقسام.. العقبة الكبرى
ويرى أستاذ العلوم السياسية محمد حسن مخلوف أن مظاهرات طرابلس عبّرت عن مطلب شعبي واضح بإنهاء حكم الميليشيات، وتوحيد السلطة التنفيذية، لكنه أشار إلى أن تداخل الاختصاصات بين السلطات التنفيذية والتشريعية يعقّد الموقف.
وأشار في حديث لسكاي نيوز عربية إلى أن المجلس الرئاسي لا يملك صلاحيات تشريعية، ولا يستطيع تنفيذ تغييرات حقيقية في طرابلس، حيث لا تزال السلطة الفعلية بيد حكومة الدبيبة.
كما اعتبر أن استمرار الانقسام السياسي يمثل العائق الأكبر أمام تنظيم الانتخابات، مؤكدًا أن وجود حكومتين سيجعل أي نتيجة عرضة للطعن أو الرفض من أحد الأطراف.
يذكر أن المجلس السياسي تأسس بموجب خارطة طريق ملتقى جنيف 2020، ويتكوّن من رئيس ونائبين يمثلون أقاليم ليبيا الثلاثة. وقد أوكلت إليه عدة مهام، من بينها تمثيل الدولة بشكل بروتوكولي في علاقاتها الخارجية، وتولي صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى جانب الاضطلاع بملفات العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والاجتماعية.
ويتخذ المجلس الرئاسي جميع قراراته بالإجماع.
بدوره، اعتبر جمال المبروك، الخبير القانوني والحقوقي، أن محاولة المجلس الرئاسي لعب دور تنفيذي أو تسمية رئيس حكومة، هي محاولة لتدوير الأزمة أكثر من كونها حلًا.
وقال لسكاي نيوز عربية أن المجلس لا يملك الشرعية ولا الصلاحيات لإلغاء مؤسسات قائمة، أو إعلان حالة الطوارئ.
وحذّر المبروك من أن أي خطوة انفرادية قد تدفع البلاد إلى فراغ دستوري أو صدام مسلح، داعيًا إلى توافق بين مجلسي النواب والدولة، لتشكيل حكومة جديدة تحظى بدعم شعبي ودولي، تفاديًا لانزلاق البلاد نحو الفوضى.