- توقفت عجلة الإنتاج في العاصمة الخرطوم (مركز الثقل الاقتصادي بالبلاد) منذ منتصف أبريل، بخلاف تأثر عديد من المناطق الأخرى ذات الأهمية الاقتصادية.
- نحو 400 منشأة في قطاعات مختلفة (من بينها الصناعات الغذائية والدوائية) خرجت عن العمل في الخرطوم بعد التخريب الذي تعرضت له.
- نحو 100 فرع لمصارف عاملة في البلاد تعرضوا للنهب والحرق والتدمير الكامل بما فيها أجزاء كبيرة من بنك السودان المركزي.
- الأسعار تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات بسبب اضطراب سلاسل الإمداد وانخفاض قيمة الجنيه السوداني.
تمثل هذه النقاط مجموعة من الشواهد على حجم الضرر الذي لحق باقتصاد السودان، في وقت تفاقم فيه الحرب الأزمة الاقتصادية بالبلاد.
في هذا السياق، قال خبراء اقتصاد سودانيون لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن الاقتصاد السوداني تكبر خسائر كبيرة خلال العام 2023 وفقد مليارات الدولارات جرّاء الحرب، مؤكدين أن الدمار الذي طال كل شيء لا يسمح بإحصاء كل الخسائر.
تداعيات ما قبل الحرب وبعدها
أكد الخبير الاقتصادي السوداني، محمد الناير، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الاقتصاد السوداني تأثر بشكل كبير خلال العام 2023، خاصة وأنه كان يعاني بعض المشكلات قبل اندلاع الحرب، التي جاءت في أبريل الماضي لتصعب الموقف وتؤدي إلى المزيد من الانهيار الاقتصادي، والتي كانت كما يلي:
- عدم استقرار سعر الصرف
- ارتفاع معدل التضخم والبطالة وغيرها من المؤشرات.
- تضخم موازنة العام 2023 والتي جاءت غير واقعية ذات تقديرات كبيرة.
- تأثر الاقتصاد السوداني على إثر تداعيات عالمية منها جائحة كورونا وبعدها الحرب في أوكرانيا.
وأشار الخبير الاقتصادي السوداني إلى أنه حتى الآن لم تصدر أي تقارير رسمية من قبل الدولة تعكس حجم الخسائر والأضرار، لكن هناك تقارير أممية تتحدث عن وجود إشكالات بالسودان تتعلق بالغذاء بشكل خاص، وأن هناك 18 مليون سوداني لم يجدوا الغذاء، لكنها تقارير غير دقيقة في تقديره.
- برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة حذر في وقت سابق من أن أكثر من 20 مليون شخص يواجهون الجوع الشديد في السودان.
- تبعاً للبرنامج، فإنه من المتوقع ارتفاع عدد الأشخاص الذين يواجهون ما وصفه بـ “الجوع الكارثي” في السودان إلى 79 ألف شخص بحلول أبريل المقبل (أي بمرور عام على الحرب).
واستطرد الخبير الاقتصادي السوداني: أن السودان دائما لم ولن يجوع لامتلاكه موارد ضخمة لم تستثمر بالكامل حتى الآن، لكنه قد يعاني من ارتفاع معدل الفقر أو تدهور سعر صرافة العملة الوطنية وارتفاع معدل التضخم، لافتًا إلى أنها كلها مؤشرات تؤثر على شريحة كبيرة بالمجتمع التي باتت غير قادرة على الشراء.
وذكر أنه بالنسبة للموازنة فإن إيرادات الدولة تأثرت بشكل كبير بسبب تداعيات الحرب وتوسيع دائرتها، بعد أن كانت تنحصر خلال بدايتها بنطاق ضيق لولاية الخرطوم وولايتين في دارفور، لكنها وصلت إلى أربع ولايات من ولايات دارفور الخمس، إضافة لبعض المناوشات وعدم الاستقرار في الولايات الأخرى، وهو ما أثر على القطاعات الإنتاجية بالبلاد وتحديدًا القطاع الصناعي الذي دُمر باعتبار أن الخرطوم تعد أكبر قاعدة صناعية بالسودان تليها ولاية دارفور.
كما لفت الاقتصادي السوداني إلى أنه لتدارك الأزمة انتقل الكثير من المصانع من الخرطوم إلى ولايات مجاورة لبدء العمل في هذه الولايات، وبالتالي التأثر الأكبر جاء على القطاع الصناعي والقطاع التجاري.
وبحسب وزيرة الصناعة المكلفة، محاسن علي يعقوب، فإن الحرب الدائرة بين قوات الجيش والدعم السريع تسببت في تدمير 90% من القطاع الصناعي بالبلاد.
ممتلكات المواطنين
كما نبه الناير إلى نهب ممتلكات المواطنين التي يحتفظون بها في المنازل سواء كانت عملات محلية أو أجنبية وممتلكات أخرى، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن أكثر من 90 بالمئة من الكتلة النقدية خارج نطاق النظام المصرفي مقابل أقل من 10 بالمئة فقط داخل إطار النظام المصرفي، وبالتالي لعل الحرب تجعل المواطنين الفترة القادمة يفكرون جديا بأن تكون أموالها داخل المصارف وليس المنازل.
وقال إن تداعيات الحرب أثرت على الموازنة العامة وإيرادات الدولة وزيادة حجم الإنفاق، إضافة إلى ارتفاع عجز الموازنة والميزان التجاري، منوهًا بأن الخسائر الاقتصادية للسودان منذ اندلاع الحرب لم يتم حصر حجمها حتى الآن، فلم تصدر أي تقارير أو دراسات رسمية، غير مستبعدًا أنها تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
مؤشرات استمرار الانهيار الاقتصادي
من جانبه، العالم نيوزالخبير الاقتصادي السوداني، الدكتور وائل فهمي بدوي، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، جانبًا من المشهد بالسودان، موضحاً أن الحرب لم تتوقف بعد، بل تتسع دائرتها بدخول الدعم السريع في حدود الولايات المجاورة لولاية الخرطوم (..) لافتًا إلى أن الخسائر لقيمة ما تم تدميره قدرت بأكثر من 100 مليار دولار أميركي، دون حساب حجم الناتج القومي المفقود نتيجة تدمير تلك الموارد، في تقديره.
وأوضح أنه حال اتساع دائرة الحرب خاصة في مناطق الإنتاج فإن القاعدة الإنتاجية تنخفض، وبالتالي إيرادات الخزينة العامة، مع تفاقم أزمة الإنفاق العام الناتجة عن الحرب وتقليص حصيلة العملات الصعبة من الصادرات التي ضعف حجمها، مشيرًا إلى أنه على سبيل المثال أفادت بعض الاحصاءات بأن الذهب كمصدر رئيسي للعملة الصعبة انخفضت تقديرات إنتاجه من 2 طن خلال الثمانية أشهر الأولى من العام 2023 إلى 1.4 طن خلال باقي أشهر العام وذلك في مواجهة تفاقم الزيادة في الواردات الحكومية والإنسانية.
كان إنتاج السودان من الذهب وصل إلى ذروته في العام عام 2017 بواقع 107 أطنان، وفق خارطة موقع البيانات ceicdata.
وكان الذهب قد تصدر أعلى صادرات السودان غير البترولية بنسبة 46.3 بالمئة في العام 2022، طبقاً لبيانات البنك المركزي، وذلك بقيمة 2.02 مليار دولار من إجمالي 4.357 مليار دولار هي إجمالي صادرات البلاد للعام الماضي.
مسلسل الانهيار الاقتصادي
وذكر الخبير الاقتصادي السوداني، أن مسلسل الانهيار الاقتصادي في السودان مازال مستمرًا، مستدلًا على ذلك بعدة مؤشرات من بينها:
- استمرار انكماش القاعدة الإنتاجية، كمصدر دخل لمعيشة المواطنين وللحكومة، بسبب التضخم الجامح السائد منذ ما قبل الحرب، لتتفاقم أزمة الانكماش باستمرار هذه الحرب (..).
- خسارة أكثر من 2.7 مليون مواطن لوظائفهم بالقطاع الخاص، وبما يرتبط بذلك من الإضعاف الحاد لنشاط التجارة الداخلية والخارجية وما يرتبط بها من حجم مقدر من العمالة، هذا بجانب موظفي الحكومة والقطاع العام المتوقفين عن العمل بولايات الحرب.
- تأثير البطالة الإجبارية الحادة على حجم الناتج المحلي الإجمالي السوداني، ليتجاوز انكماشه حدود 20 بالمئة.
- الدخول المفقودة لهذه البطالة الإجبارية تفسر التدهور الكبير في إيرادات الموازنة العامة الضريبية بمواجهة الانفاق العام المتفاقم وزيادته باستمرار الحرب واتساعها، بما يؤكد توقعات العجز الكبير للغاية حاليا بالنسبة للدخل القومي المنكمش الذي يصعب تقدير نسبته حاليا.
- انكماش نشاط القطاع المصرفي الذي قدرت النسبة المنهوبة من أمواله بحوالي 38 بالمئة بولاية الخرطوم وحدها، إلى جانب توقف النسبة الأكبر من المصارف عن العمل مع محدودية فروع البنوك العاملة بالولايات، حيث تفاقمت أزمته بعد الحرب مع ضعف الايداعات بالداخل والتحويلات من الخارج وتآكل رؤوس أمواله بفعل التضخم وتدهور أسعار الصرف حتى بالبنوك ذاتها.
- فقد الجنيه السوداني لقوته الشرائية الأجنبية أكثر من 80 بالمئة بالسوق الموازية منذ بداية الحرب، وبما يسهم في مفاقمة أزمة التضخم الجامح الموروث منذ ما قبل الحرب، والذي حد من القوة الشرائية للمواطنين من ناحية وإضعاف القوة الإنتاجية للوحدات الإنتاجية المستمرة في الإنتاج (دون الدعم الحكومي)، بما يساهم في الانكماش (التلقائي إلى جانب الحرب) للاقتصاد السوداني.
وأضاف: تقارير الأمم المتحدة تشير إلى وجود فجوات غذائية متسعة، بسبب تقلص المساحات الزراعية، قدرها البعض بحوالي 60 بالمئة، إن لم تكن أكثر نتيجة ضعف التمويل الزراعي، من المساحة الكلية التي يتم زراعتها، بما يهدد بدخول السودان إلى كارثة المجاعة، بغض النظر عن بشريات تحسن الإنتاج الزراعي لبعض المحاصيل الأساسية.
وأوضح كذلك أن الحرب أسهمت في إضعاف حجم التجارة الخارجية للسودان مع مختلف شركاء السودان التجاريين بما فيها دول الجوار التي بدأت تتأثر تجارتها مع السودان.