الانفلات الأمني تهديد لشرعية الإدارة الانتقالية
يرى الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، سمير التقي، خلال حديثه لغرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن تصاعد العنف في الساحل السوري “يمثل انعكاسًا لحالة الانفلات العسكري التي قد تقوض شرعية الإدارة الانتقالية إن لم تُتخذ إجراءات فاعلة”.
ويشير إلى أن “أي إدارة جديدة لا يمكنها بناء شرعيتها في بيئة يسودها عدم الاستقرار الأمني”، مؤكدا أن الحل لا يجب أن يكون أمنيًا فقط، بل لابد من اتباع نهج سياسي متكامل.
ويحذر التقي خلال حديثه من أن “الاعتماد المفرط على القوة العسكرية سيؤدي إلى تصعيد إضافي، في حين أن انخراط الفصائل في حوار وطني حقيقي قد يسهم في تفكيك شبكة العنف تدريجيًا”. لكن في المقابل، يشير إلى أن أي مسار تفاوضي يجب أن يكون مدعومًا بخطة أمنية قوية تمنع استغلال الجماعات المسلحة للوضع القائم.
الفوضى الأمنية نتاج سياسات سابقة وليست مسؤولية الإدارة الانتقالية وحدها
يعتقد الكاتب والباحث السياسي بسام السليمان أن تحميل الإدارة الانتقالية وحدها مسؤولية الفوضى الأمنية “ليس منصفًا”، موضحًا أن “الفراغ الأمني الذي تشهده البلاد اليوم هو نتيجة طبيعية لتراكمات النظام السابق، حيث اعتمد لسنوات على أجهزة أمنية غير متماسكة، مما جعل تفككها أمرا متوقعًا”.
ويرى السليمان أن “الهجمات الأخيرة لا تعكس فقط ضعف السلطة الانتقالية، بل تكشف أيضا عن وجود أطراف داخلية وخارجية تعمل على تقويض استقرار المنطقة، عبر تسليح مجموعات غير منضبطة وخلق بيئة مشحونة بالعنف”.
كما يؤكد أن أي محاولة لاستعادة الأمن لا يجب أن تعتمد فقط على القوة، بل على فهم ديناميكيات الجماعات المسلحة وإيجاد حلول دائمة لإعادة دمج بعضها في النظام السياسي الجديد.
التدخلات الخارجية تعقد المشهد الأمني وتطيل أمد الصراع
ويسلط مدير مؤسسة غنوسوس للأبحاث، عمار وقاف، الضوء في السياق ذاته على البعد الإقليمي للأزمة، مشيرًا إلى أن “التوتر في الساحل السوري ليس مجرد مشكلة داخلية، بل هو جزء من صراع جيوسياسي حيث تتداخل أجندات القوى الإقليمية والدولية”.
ويؤكد وقاف أن “روسيا وإيران وتركيا تلعب أدوارا مختلفة في هذا المشهد، وكل طرف يسعى لتعزيز نفوذه عبر دعم فصائل متباينة، مما يعقّد مهمة الإدارة الانتقالية في فرض سيطرتها”.
كما يحذر من أن “استمرار التدخلات الخارجية سيطيل أمد الأزمة، لأنه يحول سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى”.
السلاح الإقليمي يغذي الصراع في الساحل السوري
أما الخبير العسكري والاستراتيجي أحمد حمادة، فيرى أن “الصراع في الساحل السوري ليس مجرد اضطرابات محلية، بل هو امتداد لسباق النفوذ الإقليمي الذي تديره قوى كبرى عبر وكلائها”.
ويشير حمادة إلى أن “إيران تدعم مجموعات مسلحة مرتبطة بحزب الله اللبناني، بينما تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها من خلال دعم بعض الفصائل المسلحة المعارضة، وهو ما يجعل عملية فرض الأمن أكثر تعقيدا”.
كما يؤكد أن “الإدارة الانتقالية لن تتمكن من استعادة الاستقرار دون وقف تدفق السلاح والتمويل إلى الجماعات المسلحة”.
أي طريق ستسلكه الإدارة الانتقالية؟
مع تصاعد التوتر، تنقسم الآراء حول الحل الأنسب لإنهاء الفوضى الأمنية. فبينما يعتقد البعض أن “الحسم العسكري هو الخيار الوحيد”، يرى آخرون أن “المصالحة الوطنية وإشراك الفصائل في العملية السياسية هما السبيل الأكثر استدامة”.
يؤكد سمير التقي أن “الإدارة الانتقالية بحاجة إلى استراتيجية مزدوجة تجمع بين الحزم الأمني والانفتاح السياسي، وإلا فإنها ستجد نفسها في مواجهة حرب استنزاف طويلة”. بينما يشدد بسام السليمان على أن “النجاح يعتمد على قدرة الإدارة على استيعاب القوى المحلية وإدارة المشهد بطريقة لا تؤدي إلى تصعيد جديد”.
أما عمار وقاف، فيحذر من أن “الضغوط الخارجية ستبقى العائق الأكبر أمام تحقيق الاستقرار”، في حين يرى أحمد حمادة أن “ضبط التدخلات الخارجية قد يكون مفتاح الحل، لكنه يتطلب توافقًا إقليميًا يصعب تحقيقه في الوقت الراهن”.
مع استمرار الصراع في الساحل السوري، يبقى التساؤل مطروحًا: هل ستتمكن الإدارة الانتقالية من فرض الاستقرار دون أن تتحول البلاد إلى ساحة صراع إقليمي دائم؟ يبدو أن نجاحها مرهون بقدرتها على التوازن بين الحزم الأمني والانفتاح السياسي، لكن مع تزايد التعقيدات الداخلية والخارجية، يبقى الطريق إلى الاستقرار محفوفًا بالتحديات.