يشهد هذا الشهر الفضيل حراكاً اقتصادياً فريداً تغذيه الأنشطة التطوعية والتبرعات وأعمال التكافل، وبما ينعكس بشكل مباشر على الدورة الاقتصادية.
هذا الاقتصاد الموسمي يشمل الأعمال الفردية ويمتد لقطاعات حيوية، تؤدي دوراً فاعلاً في تنشيط الأسواق وتحفيز الإنفاق، وبما يخدم العديد من القطاعات المستفيدة من الزخم الخيري الرمضاني، والتي يتصدرها قطاع التجزئة؛ إذ يرتفع الطلب على السلع الغذائية والملابس، مدفوعاً بمبادرات تجهيز موائد الرحمن، وتوزيع الطرود الغذائية.
هذا الحراك ينعش حركة البيع والشراء، ويحفّز الشركات على زيادة إنتاجها لتلبية الطلب المتزايد، ما يخلق فرص عمل مؤقتة، ويدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
كذلك القطاع الصحي والطبي، لا سيما في ظل استفادة المستشفيات والمراكز الطبية من حملات التبرع الموسمية المختلفة، علاوة على المؤسسات المالية التي تشهد حركة ملحوظة عبر تزايد المعاملات المصرفية المتعلقة بالتبرعات الإلكترونية، مما يعزز دور التكنولوجيا المالية في تسهيل التدفقات النقدية وضمان وصول الأموال لمستحقيها. كما أن قطاع الخدمات اللوجستية والنقل يستفيد بدوره من تنامي الأنشطة الخيرية، سواء عبر إيصال التبرعات أو توزيع المواد الغذائية، ما يعزز الطلب على خدمات التوصيل، ويدعم شركات النقل الصغيرة والكبيرة على حد سواء.
وتمتد انعكاسات هذا الاقتصاد الخيري الموسمي إلى الدورة الاقتصادية بآليات واضحة؛ إذ يؤدي ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي خلال رمضان إلى تنشيط الأسواق ويعزز الثقة الاقتصادية، الأمر الذي يخلق بدوره موجة من السيولة، تدعم بدورها الأنشطة التجارية، وتفتح قنوات استثمار جديدة.
وفي تصريحات متفرقة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عدّدَ خبراء اقتصاد أوجه الاقتصاد الخيري في شهر رمضان، وأبرز القطاعات المستفيدة من زخم الإنفاق الاستهلاكي خلال الشهر، في الوقت الذي تراهن عديد من الشركات على الشهر لتحقيق أقصى استفادة، وهو ما يُبرر زيادة النشاط الإعلاني عن السلع والخدمات التي تقدمها خلال الشهر في ضوء تزايد الإنفاق، خاصة فيما يتعلق بقطاع الأغذية والمشروبات، الذي يبدو صاحب النصيب الوافر من الإنفاق خلال هذا الشهر.
فترة ازدهار
مدير مركز رؤية للدراسات، بلال شعيب، يقول لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:
- شهر رمضان يمثل فترة ازدهار لـ “الاقتصاد الخيري”، ففيه تزداد أوجه التكافل، وتشهد المجتمعات الإسلامية مشاركة واسعة في الإنفاق على الأعمال الخيرية.
- هذه المشاركة تبدأ مع تجهيزات “شنطة رمضان” على سبيل المثال، والتي تشمل زيادة الطلب على السلع الغذائية الأساسية مثل الأرز والزيت والمعكرونة والدقيق والتمور.
- مع حلول الشهر الفضيل، يرتفع الطلب على الأغذية الاستهلاكية السريعة بسبب موائد إفطار الصائمين، مما يعزز الطلب على البقوليات والحبوب والزيوت والسمن والحلويات.
- وبعد ذلك، يزداد الطلب على الملابس الجاهزة والأحذية استعداداً لعيد الفطر، حيث يتم توفير “كسوة العيد” للأيتام والمحتاجين ضمن الأنشطة الخيرية.
- كما ينشط قطاع الحلويات في الأيام العشرة أيام الأخيرة من الشهر، مع زيادة الإقبال على الكعك والبسكويت والغُريبة وغير ذلك.
ويضيف: العديد من الجمعيات الخيرية تستقبل التبرعات المخصصة للكسوة والأحذية، إلى جانب دعم الأسر الأكثر احتياجاً. كما تستفيد المؤسسات العاملة في المجال الصحي والطبي من التبرعات، خصوصاً المستشفيات الخيرية والمتخصصة في رعاية الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.
ويختتم شعيب حديثه بالإشارة إلى أن القطاعات الأكثر استفادة من هذا النشاط الخيري تشمل قطاع السلع الغذائية، المنسوجات والأحذية والقطاع الطبي، مما يعكس الدور المحوري لشهر رمضان في تحفيز الاقتصاد الخيري وتعزيز التكافل الاجتماعي.
زيادة الاستهلاك
كذلك تقول خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن شهر رمضان يشهد انتعاشاً ملحوظاً في القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالاستهلاك، خاصة قطاع الأغذية والمشروبات، ومن بين الأسباب الداعمة لذلك أيضاً “تزايد المبادرات الخيرية مثل موائد الرحمن وتوزيع شنط رمضان”.
وتوضح أن هذا النشاط “الخيري” و”التكافلي” ينعكس إيجابياً على أداء الشركات العاملة في هذا القطاع، مما يدعم أسهمها خلال الشهر الكريم، مشيرة إلى أن مبادرات توزيع المياه والمشروبات والتمور قبل الإفطار تسهم في تنشيط قطاعات التجزئة والجملة، مما يزيد من حركة البيع والشراء.
إلى جانب ذلك، تشير رمسيس إلى أن قطاع النقل يستفيد من ارتفاع حركة السفر خلال الشهر، في وقت يسافر فيه الكثيرون (من المغتربين في محافظات مختلفة) لقضاء رمضان مع أسرهم، مما ينعكس على أداء شركات النقل بشكل أو بآخر.
وتشدد على أن تأثير هذا النشاط الاقتصادي لا يقتصر على رمضان فقط، بل يمتد إلى نتائج أعمال الشركات السنوية، حيث تحقق العديد من الشركات العاملة في تلك القطاعات طفرات ربحية تؤثر إيجابياً على توزيعات الأرباح في نهاية العام، مما يجعل رمضان شهراً استثنائياً يدعم نشاط الشركات على مدار العام.
التكافل
كما يشير الخبير الاقتصادي، ياسين أحمد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن:
- الاقتصاد الخيري في رمضان في بلدان مثل مصر يعد جزءاً مهماً من الاقتصاد غير الرسمي، وله تأثير كبير على الدورة الاقتصادية في هذا الشهر المبارك.
- خلال شهر رمضان، تزداد الأنشطة الخيرية التي تتمثل في التبرعات، وتوزيع الزكاة والصدقات والكفارات، وغيرها من الأعمال التي تركز على مساعدة الأسر المحتاجة، وهو ما يشمل عدة قطاعات مستفيدة وأثراً على الاقتصاد الوطني.
ويتحدث عن أبرز القطاعات المستفيدة من الاقتصاد الخيري في رمضان، على النحو التالي:
- القطاع الاجتماعي والخيري: الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية تلعب دوراً كبيراً في توزيع المساعدات على الأسر الفقيرة والمحتاجة، وتقوم بتنظيم حملات لإغاثة الفقراء، سواء كان ذلك من خلال توزيع الطعام، أو تقديم مساعدات مالية.
- قطاع الأغذية : خلال رمضان، يزداد الطلب على المواد الغذائية، مما يسهم في زيادة حركة تجارة المواد الغذائية، خاصةً في الأسواق المحلية.. والجمعيات الخيرية غالباً ما تقوم بتوزيع الطعام في شكل وجبات إفطار وسلال غذائية، مما يحفز الإنتاج المحلي للمواد الغذائية.
- القطاع التجاري: العديد من الشركات والمحال التجارية تشارك في حملات ترويجية للتبرعات، مما يعزز من حركة البيع والشراء خاصة في مجالات الملابس والأطعمة. هذا يزيد من المبيعات ويسهم في تحريك النشاط التجاري.
- القطاعات الطبية : يتم تخصيص جزء من التبرعات لدعم المستشفيات والمؤسسات الصحية، أو توفير الأدوية والمعدات الطبية للمحتاجين. كما أن هناك حملات صحية للحد من الأمراض المتعلقة بالصيام مثل التوعية بأمراض السكري وضغط الدم.
ويلفت إلى أنه خلال رمضان تشهد الأسواق زيادة في الإنفاق الاستهلاكي نتيجة للفعاليات الخيرية والأنشطة التي تشجع الناس على التبرع والتسوق للمساعدة. هذه الأنشطة تحفز الطلب على السلع والخدمات، مما يعزز الاقتصاد المحلي، موضحاً أن الاقتصاد الخيري يعزز من روح التضامن بين أفراد المجتمع، مما يساعد في تقليل التفاوت الطبقي وتحسين نوعية الحياة لدى الفئات الأكثر فقراً، وبالتالي يعزز من استقرار المجتمع ككل.