ويمثل رئيس الحكومة المرتقب في لبنان نواف سلام بصيص أمل في بلد باتت قيادته بحاجة ماسة إلى شخصيات شفافة وفعالة، لكنه في الوقت ذاته يمثل اختبارا حقيقيا لقدرة لبنان على الخروج من أزماته المتجذرة.
فهل يستطيع النظام اللبناني تجاوز المصالح السياسية والطائفية لتمكين شخصية إصلاحية من تحقيق التغيير؟ أم أن تعقيدات التوازنات ستبقي الوضع على حاله؟
ويرى مراقبون أن الدولة اللبنانية باتت أمام مشهد جديد وأن شخصية نواف سلام المحورية من شأنها أن تُلقي الضوء على صراع لبنان المستمر بين رغبة الإصلاح وتحديات الواقع السياسي.
ويتميز نواف سلام بالشخصية الأكاديمية والقانونية المتميزة جعلته نموذجا مختلفا عن الطبقة السياسية التقليدية، وأثارت تساؤلات حول طبيعة شخصيته ومدى تأثيره المحتمل على توازن القوى في لبنان.
من هو نواف سلام؟
ونواف سلام شخصية أكاديمية وقانونية بارزة، يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي، وشغل سابقا منصب سفير لبنان لدى الأمم المتحدة. وهو اليوم قاض في محكمة العدل الدولية، يتمتع بخبرة دولية واسعة ونهج أكاديمي هادئ، ما جعله محط اهتمام في المشهد السياسي اللبناني.
ويمثل سلام نموذجا للإصلاح في بلد تتجذر فيه الطائفية السياسية، ويمتاز باستقلاليته وبعده عن الصراعات التقليدية.
خبرات دولية ومؤهلات متميزة
رئيس مؤسسة “جوستيسيا” الحقوقية في بيروت، بول مرقص، يرى أن “سلام رجل دولة ذو خلفية حقوقية وخبرة دولية، وله استراتيجية بحثية عميقة في السياسة اللبنانية وحقوق الإنسان. يتمتع بفهم عميق للحوكمة الرشيدة وثقافة الدفاع عن الحقوق”.
ويضيف مرقص: “سلام شخصية يعوّل عليها الكثيرون في إعادة هيكلة النظام السياسي، وتطبيق حكم القانون إلى جانب رئيس الجمهورية”.
التوازن السياسي ودور نواف سلام
في نظام سياسي يعتمد على المحاصصة الطائفية، يُعتبر نواف سلام مرشحا وسطيا يحظى بقبول واسع بسبب حياديته. إلا أن هذا القبول لا يشمل الجميع. فقد أعلنت كتلة “الوفاء للمقاومة” التابعة لحزب الله رفضها لتسمية سلام خلال الاستشارات النيابية.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي علي حمادة أن “تولي نواف سلام رئاسة الحكومة اللبنانية يمثل ثاني هزيمة سياسية لحزب الله بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون”.
واعتبر حمادة أن وصول سلام يشكل انقلابًا في المشهد السياسي اللبناني، من خلال إفلات الحكومة من يد الثنائي الشيعي في لبنان.
وستتغير المعادلة بحسب حمادة مع مجيء سلام، خصوصًا أنه لا يرتبط بأي جهة حزبية بشكل مباشر.
وقد يجذب دعمًا من القوى الإصلاحية والمستقلين، لكنه يواجه معارضة من قوى سياسية كبرى مثل “حزب الله”، الذي أعلن رفضه تولي سلام أي منصب قيادي بسبب مواقفه التي لا تتماشى مع استراتيجيات الحزب.
وخارجيًا، يُنظر إلى سلام كشخصية مقبولة من المجتمع الدولي، خاصة من الدول الغربية والعربية التي تدعم إصلاحات جذرية في لبنان. هذا الدعم الدولي قد يعزز موقفه، لكنه في الوقت نفسه قد يثير حساسية القوى الداخلية المدعومة من إيران، التي ترى في هذه العلاقة تهديدًا لمصالحها.
وفي هذا السياق، أوضح المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية في بيروت والعميد في كلية العلاقات الدولية IES في ستراسبورغ، في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية: “من شأن تسمية القاضي الدكتور نواف سلام رئيسًا مكلفًا للحكومة أن يعزز التوازنات الداخلية، لكونه لا يثقل أحد جناحي العيش المشترك أو يخل بالتوازنات الوطنية، ذلك أنه لا يُحسب على فريق ضد الآخر، ولا يصطف مع طرف بوجه الطرف الآخر. فهو أكاديمي حقوقي مهني بامتياز، رغم كونه سليل عائلة سلام البيروتية العريقة التي أنجبت رؤساء وزراء ووجوهًا نيّرة أغنت الشأن العام”.
وختم مرقص: “كما أنه يؤتمن على الحقوق والتوازنات السياسية والمساواة أمام القانون والعدالة بين المواطنين، بعيدًا عن علاقات النفوذ التي تطبع الطبقة السياسية التقليدية في البلاد”.
أبرز التحديات التي تواجه نواف سلام
ويقول المحلل السياسي أسعد بشارة في اتصال مع موقع سكاي نيوز عربية: “إذا لم يصوت أيا من النواب الشيعة لنواف سلام فهذه من الأخطاء التي ستثقل من عملية تشكيل الحكومة “.
ويضيف بشارة: “لا يوجد اي نص في الدستور اللبناني يمنع تشكيل الحكومة، حتى لو لم يدل النواب الشيعة أو أي نواب من مذهب أخر بأصواتهم للرئيس المكلف ولكن هناك أعراف معينة بألا تتجاوز الحكومة أي من المكونات”.
وورأى بشارة أنه “ليس من مصلحة أحد في لبنان إقصاء أحد “، مشيرا إلى أن الجميع الآن “ينتظرون موقف الثنائي لا سيما بالنسبة للحقائب السيادية ووزارة المال من الوزارات”.
وتوقع بشارة أن “توضع عملية تشكيل الحكومة على نار حامية هذه المرة”.
دقت ساعة “اللبننة”
ويرى المحلل السياسي بشارة خير الله أن “سلام شخص تليق به المناصب، ويشكل صلة تكامل مع رئيس الجمهورية جوزيف عون”.
ويضيف: “على حزب الله أن يدرك أن ساعة اللبْننة قد دقت. يجب أن يكون شريكا في الوطن شرط أن يضع بندقيته وفكرة شن الحروب جانبا”.
ويشير خير الله إلى أن سلام “قد يكون قادرا على محاكاة هواجس اللبنانيين وأحلامهم”، مشددا على أهمية تشكيل حكومة تمثل انطلاقة جديدة للعهد الرئاسي بعيدا عن إرث الماضي الأليم.