ويبدو أن تل أبيب، عبر خطط محكمة، تحاول فرض معادلة جديدة على الأرض قبيل وصول إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب.
الخطة المقترحة، التي تُنسب للجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي نورا أيمن، تركز على تهجير السكان من شمال غزة قسرًا، وتحويل المنطقة إلى نطاق عسكري مغلق.
وتُظهر صور الأقمار الاصطناعية، وفقًا لتحليل صحيفة “واشنطن بوست”، حجم الدمار الذي طال مناطق مثل بيت لاهيا وبيت حانون، حيث دُمِّرت المباني بشكل شبه كامل. حتى مخيم جباليا للاجئين – أحد أكبر معالم المعاناة الفلسطينية – لم يسلم من الهدم الجزئي لإنشاء محور عسكري جديد.
مناطق عازلة ومحو للمقاومة، فلا تعد التكتيكات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي جديدة، إذ إنها تأتي امتدادًا لعمليات سابقة هدفت إلى إنشاء مناطق عازلة كما في “نتساريم” وسط القطاع و”فيلادلفيا” على الحدود مع مصر.
الهدف المعلن لهذه العمليات، وفقًا لتصريحات المستشار السابق بوزارة الدفاع الإسرائيلية ألون أفيتار، هو تقليص النفوذ العسكري لحركة حماس وإضعاف قدراتها تدريجيًا.
وقال أفيتار: “يسمح للجانب الإسرائيلي بتنفيذ عمليات تنظيف المناطق أو إنشاء مناطق عازلة، مما يؤثر على الفصائل الفلسطينية الموجودة هناك”.
ويضيف أن الجيش يركز على استعادة المخطوفين وتدمير القدرات العسكرية لحماس. ومع ذلك، يشير أفيتار إلى أن “عدم التأكد من تنفيذ خطط الجنرالات بشكل كامل يظل عائقًا، إذ قد تبقى بعض الخطط مجرد نظريات على الورق”.
مأساة إنسانية
التداعيات الإنسانية لهذه التحركات واضحة، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى تهجير أكثر من 100 ألف فلسطيني من المناطق المتضررة، فيما يُحاصر نحو 50 ألفًا آخرين في مناطق تمنع إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية إليها.
وسط هذا المشهد، تستمر إسرائيل في قصف مناطق متفرقة من القطاع، ما يعرقل أي جهود نحو التهدئة.
يرى محللون أن حكومة نتنياهو قد تكون تسعى لكسب الوقت انتظارا لمواقف أكثر وضوحًا من إدارة ترامب. الأخير أظهر مواقف عدائية تجاه حماس، إذ هدد الحركة بدفع ثمن باهظ إذا لم تطلق سراح الرهائن المحتجزين لديها قبل يوم تنصيبه. هذا التهديد يعكس توجهًا أميركيًا داعمًا لإسرائيل في إعادة صياغة الواقع الميداني.
البعد الدولي والإقليمي… تغيير في قواعد اللعبة
وصول ترامب إلى البيت الأبيض قد يحمل تغييرات جذرية في طبيعة الدعم الأميركي لإسرائيل. و يشير أفيتار إلى أن “الدعم الأميركي للأمن الإسرائيلي سيزداد في ظل التهديدات الإيرانية”.
على المستوى الفلسطيني، تصاعدت الاشتباكات بين الفصائل المسلحة والسلطة الفلسطينية، التي شرعت في تنفيذ عمليات عسكرية ضد بعض هذه الفصائل. هذا التطور يُعد غير مسبوق ويعكس صراعًا داخليًا متزايدًا قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية في ديناميكيات السلطة داخل القطاع.
صراع طويل الأمد
تُظهر التحركات الإسرائيلية أنها تهدف إلى فرض أمر واقع جديد في غزة، مع تركيز على تفكيك البنية العسكرية لحماس وإضعافها تدريجيًا.
مع ذلك، يبقى تنفيذ هذه الخطط محاطًا بتحديات سياسية وميدانية، خاصة في ظل التوتر الإقليمي والضغوط الدولية المتزايدة.
في الوقت ذاته، يُخشى أن يؤدي استمرار الحصار والتهجير القسري إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، ما يخلق بيئة خصبة لمزيد من التوترات الداخلية والخارجية.
وبينما تستعد المنطقة لدخول مرحلة جديدة مع إدارة ترامب، يظل مصير غزة مفتوحًا على كافة الاحتمالات، بين تصعيد عسكري وحراك دبلوماسي قد يغير مسار الأحداث.
تشكل غزة اليوم محورًا لصراع مركب، يتداخل فيه البعد الإنساني مع الأبعاد السياسية والعسكرية.
وفي ظل غياب رؤية دولية شاملة، يبدو أن القطاع مقبل على مرحلة أكثر تعقيدًا، مع تصاعد التوترات واستمرار انسداد أفق الحل السياسي.