هذه التحركات تأتي في سياق تغيرات سريعة على الأرض، من انسحابات القوات الحكومية إلى تقدم فصائل المعارضة في الشمال والجنوب، مما يعيد رسم الخارطة العسكرية والسياسية للبلاد.
“التاسعة” على سكاي نيوز عربية، ناقشت هذه التطورات مع الخبير العسكري والاستراتيجي محمود عبد السلام ورئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد، لتقديم قراءة معمقة للمشهد السوري.
دعوات للانشقاق
أطلق القيادي في المعارضة السورية حسن عبد الغني دعوة صريحة لكبار ضباط الجيش السوري للانشقاق، مشيرًا إلى أن سقوط مدينة حمص بات وشيكًا بعد انضمام مئات الجنود لصفوف المعارضة.
في تطورات ميدانية أخرى، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية سيطرتها على معبر البوكمال الاستراتيجي، بينما انسحبت القوات الحكومية والميليشيات الموالية لإيران من دير الزور باتجاه المناطق الوسطى.
كما شهدت السويداء اشتباكات عنيفة بين فصائل محلية وقوات الأمن السوري، مما دفع الأردن إلى إغلاق معبر جابر الحدودي لدواعٍ أمنية.
ووصف محمود عبد السلام مدينة حمص بأنها “أم المعارك”، مؤكدًا على أهميتها الجغرافية والاستراتيجية، حيث تعد عقدة مواصلات رئيسية تربط الجنوب بالشمال والغرب بالشرق.
وقال: “حمص لن تسقط بسهولة، فهي تمثل نقطة ارتكاز أساسية للدولة السورية. القوات الحكومية ستبذل كل ما بوسعها للحفاظ عليها، رغم الانسحابات الأخيرة”.
كما أشار إلى أن الانتصارات التي حققتها المعارضة في بعض المناطق قد تكون نتيجة لاختراقات أمنية أو دعم خارجي من أطراف إقليمية ودولية.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن دعم بلاده للفصائل المعارضة، معربًا عن أمله في استمرار تقدمها نحو دمشق. في المقابل، أفادت تقارير عن تكثيف إيران دعمها العسكري للجيش السوري من خلال إرسال مستشارين ومعدات متطورة.
وعلق جاسم محمد قائلًا: “تركيا وإيران هما اللاعبان الأساسيان في سوريا حاليًا، ولكل منهما أهدافه الخاصة. تركيا تسعى لدعم المعارضة لتوسيع نفوذها، بينما تحاول إيران تعزيز موقعها في مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية”.
ظهور الجولاني.. رسائل سياسية جديدة
زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني ظهر بمظهر جديد، معلنًا عن رغبته في تشكيل حكومة مؤسساتية في سوريا.
رأى جاسم محمد أن هذا الظهور يهدف إلى إعادة تقديم الجولاني كزعيم سياسي قادر على إدارة دولة، وليس مجرد قائد فصيل مسلح.
وأضاف: “الجولاني يستثمر في الظروف الحالية لتقديم نفسه كبديل شرعي، مستفيدًا من دعم بعض الأطراف الإقليمية والدولية”.
من جهته، أكد محمود عبد السلام أن التقسيم هو الخطر الأكبر الذي يواجه سوريا اليوم، مشيرًا إلى أن المشروع الأميركي لتقسيم الشرق الأوسط يبدو في طريقه للتنفيذ.
وقال: “ما يحدث في سوريا هو امتداد لخطة الشرق الأوسط الجديد التي تهدف إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات. الأوضاع في الشمال الشرقي والجنوب تؤكد أن هناك محاولات جادة لتنفيذ هذا المشروع، مما يستدعي تحركًا إقليميًا ودوليًا لوقفه”.
ورأى جاسم محمد أن الولايات المتحدة قد تستخدم الفصائل المعارضة كأداة مرحلية لتقويض النفوذ الإيراني والضغط على دمشق. لكنه استبعد أن تمنح هذه الفصائل دورًا دائمًا في مستقبل سوريا.
وأشار إلى أن “هذه التحركات قد تؤدي إلى حالة من الفوضى المستمرة إذا لم تُتخذ خطوات حقيقية نحو تسوية سياسية شاملة”.
ومع تصاعد التوترات الميدانية والمناورات السياسية، يبدو أن سوريا تدخل مرحلة جديدة قد تكون حاسمة في تحديد مستقبلها. ورغم الضغوط الإقليمية والدولية، يبقى الحل السياسي الخيار الأمثل لتجنب تقسيم البلاد واستمرار الصراع.