جاءت توجيهات الرئيس السيسي بعد أن أعلنت الحكومة عن زيادة أسعار الوقود للمرة الثالثة خلال العام الجاري، بنسبة تتراوح بين 11 بالمئة و13 بالمئة وذلك بهدف تقليل الفجوة بين أسعار بيع المنتجات البترولية وتكاليفها الإنتاجية والاستيرادية المرتفعة، تلك الخطوة التي من شأنها أن تزيد معدلات التضخم المرتفعة التي يعاني منها المصريين.
أسهمت تلك الزيادة في مزيد من القلق بين المصريين الذين تخوفوا من تبعات القرار فيما يخص زيادة في أسعار السلع والخدمات، بعد أن تحركت مؤخرًا أسعار عديد من السلع والخدمات مثل الكهرباء وتذاكر المترو والقطارات، خاصة في ظل تمسك الصندوق بمطالبه برفع الدعم الحكومي للخدمات وتحرير سعر الصرف.
توجيهات رئاسية واستجابة حكومية
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد مؤخرًا أن حكومته قد تضطر إلى مراجعة اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، إذا ما أدى الى ضغوط “لا يحتملها الرأي العام” بسبب التحديات الناجمة عن الأوضاع الاقليمية الراهنة، وذلك بعد أحدث زيادة في أسعار الوقود، أقرتها مصر، صباح الجمعة قبل الماضي.
وقال السيسي الذي كان يتحدث في افتتاح مؤتمر حول السكان والصحة والتنمية البشرية في القاهرة:
- مصر تنفذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الحالي (الذي حصلت بموجبه على قرض قيمته 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي) في ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة لها تأثيرات سلبية.
- مصر خسرت خلال الشهور العشرة الأخيرة 6 أو 7 مليارات دولار، هي حجم الانخفاض في عائدات قناة السويس.
- هذا الوضع “يمكن يستمر لمدة عام كامل”.
- إذا كان هذا التحدي سيكون سببا في الضغط على الرأي العام بشكل لا يتحمله المواطنين فلا بد من مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي.
لاحقا -بعد تصريحات الرئيس السيسي- قال رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولى، خلال مؤتمر صحافي منذ أيام، إن الحكومة تستهدف مراجعة توقيتات ومستهدفات برنامج الإصلاح الاقتصادى مع صندوق النقد الدولى، وأوضح أن:
- برنامج الإصلاح الاقتصادى تم وضعه بمستهدفات وتوقيتات محددة، ولكن ظهرت مستجدات مثل حرب غزة وحرب لبنان وتراجع إيرادات قناة السويس.
- بعثة صندوق النقد الدولى سوف تأتي إلى مصر لإجراء المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادى وسوف نناقش معهم مراجعة البرنامج.
كيف كان رد فعل صندوق النقد؟
وفي أول تعليق عقب تصريحات القيادة السياسية في مصر، قال صندوق النقد الدولي، إن حجم برنامج القرض المقدم إلى مصر والبالغ ثمانية مليارات دولار “لا يزال مناسبا”، وإن الصندوق سيضع على أولوياته تقييم مدى فاعلية برامج الحماية الاجتماعية في البلاد، كما أنه يعمل مع السلطات المصرية بشأن ما يجب القيام به لتوسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية والتأكد من فاعليتها.
وأعلنت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، أنها ستسافر إلى مصر في غضون أيام للاطلاع عن كثب على الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد والتأكيد على الحاجة إلى التمسك بتنفيذ الإصلاحات، وذكرت في مؤتمر صحافي أن:
- الاقتصاد المصري يواجه تحديات بسبب الحروب في غزة ولبنان والسودان وسط خسارة 70 بالمئة من إيرادات قناة السويس.
- كنا منفتحين للغاية على تعديل البرنامج المصري أو أي برنامج آخر بما يخدم الناس على أفضل وجه… لكن اسمحوا لي أن أقول إننا لن نقوم بما يجب فعله من أجل البلاد وشعب البلاد إذا تظاهرنا بأن الإجراء الذي يتعين اتخاذه يمكن التجاوز عنه.
وفي تقريره الأخير خلال أكتوبر الجاري، بشأن توقعات نمو الاقتصاد العالمي خلال العامين الحالي والمقبل، توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 2.7 بالمئة خلال العام الجاري، وبنسبة 4.1 بالمئة خلال العام المقبل.
حالة اقتصادية ضاغطة
من جانبه، أوضح مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية، الدكتور مصطفى أبوزيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الحالة الاقتصادية ضاغطة بشكل كبير في مصر؛ بسبب ارتفاع معدل التضخم إلى 26.4 بالمئة في سبتمبر مقابل 26.2 بالمئة في أغسطس. كما مضت الحكومة المصرية قُدماً في تحرير أسعار الطاقة وتأثيرها المباشر على أسعار السلع والمنتجات.
وأوضح أن ذلك يمثل تحدياً قوياً وعبئاً كبيراً على كاهل المواطنين، وهو ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يطلب من حكومته مراجعة صندوق النقد الدولي في إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي من شأنها تخفيف الضغط على المواطنين
ورجح أن يحاول صندوق النقد الدولي بناءً على التفاوض مع الحكومة المصرية مد أجل بعض المتطلبات في البرنامج الإصلاحي خاصة فيما يتعلق بتحرير أسعار الطاقة، والتي كان قد أعلن أنه سيتم تحريرها بالكامل بنهاية 2025، موضحاً أنه حال موافقة الصندوق على هذا سيتيح للحكومة المصرية الوقت في سبيل معالجة التضخم على النحو الذي يتسق مع إجراءات البنك المركزي المصري.
ورأى أنه وفقاً لتصريحات مديرة صندوق النقد الدولي الأخيرة والتي أشارت خلالها إلى أن الصندوق يعي تماماً التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري بسبب التوترات في منطقة الشرق الأوسط ولا سيما في البحر الأحمر، فإن هذا يعني أنه من الممكن إبداء مرونة أكثر مع البرنامج الاقتصادي المصري، وعلى الجانب الآخر الدولة المصرية تبدي التزاماً واضحاً بتنفيذ البرنامج مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع الداخلية وما تتطلبه من اتخاذ إجراءات تحمي بها الطبقات الأكثر هشاشة والأكثر فقراً.
- كان معدل التضخم في مصر يتجه نحو الانخفاض من أعلى مستوياته الذي بلغ 38 بالمئة في سبتمبر 2023، لكنه ارتفع على نحو غير متوقع في أغسطس وسبتمبر 2024.
- سجل التضخم 26.2 بالمئة في أغسطس ارتفاعا من 25.7 بالمئة في يوليو ، وذلك قبل أن يواصل التسارع إلى 26.4 بالمئة في سبتمبر.
توقيت مناسب
من جانبه، أوضح مستشار البنك الدولي، الدكتور محمود عنبر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن حديث الرئيس المصري بأن الظروف الحالية تتطلب مراجعة صندوق النقد والاتفاق معه حول الروشتة العلاجية التي يريدها من الدولة المصرية جاء في توقيته المناسب.
وشدد على أن إلغاء دعم المحروقات في ظل الظرف الراهن أمر يثقل كاهل المواطن ويزيد من عدد الفقراء في الدولة والتكلفة التي يمكن أن يتحملها المواطن، مؤكداً أن المصريين يتحملون التكلفة في سبيل التنمية لكنها تكلفة باهظة.
كما أكد أن هناك ضرورة أن لا يترك الصندوق منفرداً لأن يحدد استراتيجيات التنمية داخل الدولة المصرية، وأن لا يضع منفرداً الروشتة العلاجية للاقتصاد المصري، مرجعاً ذلك إلى أن مصر دولة غالبية مواطنيها من متوسطي ومحدودي الدخل الذين يشكلون قوة عمل ولهم تأثيرات مباشرة على الإنتاج؛ سواء فيما يتعلق بحجم دخلهم الحقيقي أو قدرتهم على الاستهلاك والقوة الشرائية لدخولهم الحقيقية.
وأضاف: مع انخفاض القوة الشرائية إلى هذا الحد فإن الأمر له تبعات ليست إيجابية على الإطلاق، فربما يتحقق نمو اقتصادي لكن لا تتحقق تنمية اقتصادية، موضحاً أن الفارق كبير بين هذا وذاك (..).
وأكد على أن روشتة صندوق النقد لابد أن تتماشى مع الظروف على المستوى الدولي والإقليمي إلى جانب المستوى المحلي، وأوضح:
- على المستوى الإقليمي قد تلجأ الدولة المصرية بحسب رئيس الحكومة مصطفى مدبولي إلى ما يسمى باقتصاد الحرب.. فكيف ستتماشى تلك الروشتة مع اقتصاد الحرب في ظل تغيير الأيدلوجية بشكل كامل؟
- الوضع ملتهب في الشرق الأوسط والتغيرات الجيوسياسية التي تحدث هي تغيرات أسرع من التغيرات على المستوى الاقتصادي.
- حكومة مصر لابد أن ترفض تدخل صندوق النقد وروشتته العلاجية بشكل كامل، دون تدخل من الدولة ومراعاة الظرف على المستوى العالمي والإقليمي وعلى المستوى المحلي أيضاً بمعرفة مدى قدرة المواطن على تحمل هذا الأمر أم لا.
- الصندوق لا يأخذ بالاعتبار سبيل المثال الأزمة الروسية الأوكرانية أو انقسام العالم إلى معسكرين، كما أنه ليس من ضمن أولوياته فكرة الدعم بمعناه المطلق، فلا يعنيه معاناة المواطنين وأن يزداد عدد الفقراء، ودائماً ما يسعى لأن يكون له علاقة بجانب العرض وليس الطلب ويسعى إلى تقليل الدعم تمهيدا لإلغائه تماما.
أسعار المحروقات
من جهته، أوضح مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي استشعر غضب المصريين بشكل واضح في قضية رفع الدعم، ما دفعه للمطالبة بمراجعة شروط صندوق النقد الدولي بحيث يتم تعديل بعضها وبخاصة فيما يتعلق بسياسة دعم المحروقات في مصر.
وبشأن قضية دعم المحروقات في مصر أوضح أن الدولة المصرية مستمرة في دعم المحروقات عبر فرض مخصصات له في الموازنة العامة بالدولة، إذ تصل مخصصات دعم الطاقة في موازنة 2024-2025 إلى 154 مليار جنيه (..).
وذكر أن الشارع المصري انتابه القلق بشكل كبير خاصة وأن الزيادة الأخيرة في سعر المحروقات هي الثالثة على التوالي خلال عام، وبالتالي مجموع الزيادات التي تمت خلال هذا العام تقدر بين 30 إلى 31 بالمئة. وأوضح أن تلك الزيادة خلقت مشكلة في معدلات التضخم، التي تقوم الدولة بمحاربتها، متابعاً: البنك المركزي ثبت سعر الفائدة تخوفًا من تغيرات مفاجأة في مؤشرات التضخم.
ولم يغير البنك المركزي المصري أسعار الفائدة منذ أن رفعها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي تمت زيادة حجمه إلى ثمانية مليارات دولار. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة 200 نقطة أساس أول فبراير.
وأكد شعيب على أن هناك ضرورة لأن يقتنع الصندوق بالمراجعة، في ظل تعرض دول العالم إلى أزمات وتحديات اقتصادية، أثرت بالتبعية على الاقتصاد المصري، وأوضح أن:
- التوترات الجيوسياسية لها تأثير مباشر على تردي الأوضاع الاقتصادية في العالم.
- التوترات في البحر الأحمر (..) أثرت بشكل كبير على إيرادات قناة السويس التي انخفضت بأكثر من سبعة مليار دولار.
وأفاد بأن الروشتة الاقتصادية التي يضعها صندوق النقد الدولي للدول لا تصلح بالطبع لكل البلدان، مشيراً إلى أن تلك الروشتة كانت قد فشلت من قبل في عدد من الدول مثل اليونان والأرجنتين والبرازيل، فبالتالي الصندوق لابد أن يراعي التركيبة الديموغرافية للسكان والميول السكانية والحالة الاقتصادية للبلاد.