وتشمل صناعة المأكولات البحرية مجموعة واسعة من المنتجات، التي تتنوع بين الأسماك والمحار والروبيان وغيرها الكثير، ولكن منتجات أسماك “التونة” تعتبر العمود الفقري لصناعة المأكولات البحرية، وهذا ما جعل منها صناعة “منفردة” تابعة لصناعة المأكولات البحرية.
أكثر الأسماك قيمة تجارياً
وتعد “التونة” من أكثر الأسماك قيمة تجاريةً نظراً لشعبيتها في العالم، إذ يتم صيد هذا النوع من الأسماك في أكثر من 70 دولة العالم، ليتم تسويقها طازجة أو مجمدة أو معلبة.
وبلغت قيمة صناعة “التونة” نحو 41 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن تنمو لتصل إلى 42 مليار دولار في العام الحالي 2023، وذلك رغم التهديدات الوجودية التي تواجه هذه الصناعة والتي تهدد إمكانية استمرارها خلال السنوات المقبلة.
وواجهت صناعة “التونة” وعلى مدى السنوات العشرين الممتدة بين عامي 2000 و2020، مخاطر كبيرة تمثلت بانخفاض استهلاك الأفراد “للتونة المعلبة” بنسبة 45 بالمئة، وذلك بسبب عدة عوامل أبرزها التغيّر الذي طرأ على أنماط المستهلكين من جيل الألفية، والمخاوف البيئية المتعلقة بالاستدامة، إضافة إلى المخاوف المتعلقة بالشفافية، بعد أن طفت إلى الواجهة فضيحة التلاعب بأسعار “معلبات التونة” في أميركا، والتي أثّرت على شعبية هذا المنتج، بين الأميركيين الذين يعدون من أكثر الشعوب استهلاكاً “للتونة” في العالم.
وفي عام 2020، وخلال جائحة كوفيد-19، عاد الطلب ليرتفع على “التونة المعلبة”، ما ساهم بتعافي هذه الصناعة، بدعم من الاستهلاك المرتفع من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة واليابان، وهي أكبر مستهلكي “التونة المعلبة” في العالم.
وتهيمن على صناعة “التونة” شركات متعددة الجنسيات مثل Thai Union Group وStarKist و Bumble Bee Foods وDongwon Group، حيث تواجه هذه الشركات حالياً مخاطر متنوعة، بين ما هو اقتصادي يتمثل بارتفاع التكاليف بسبب التضخم، وبين ما هو بيئي يتمثل بالاستدامة والصيد الجائر القانوني وتغير المناخ.
أكثر من نصف أنواع أسماك “التونة” قد تنقرض
ويقول أخصائي صناعة وتسويق المواد الغذائية وليد جبارة في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن أسماك “التونة” تعد مصدراً حيوياً للدخل بالنسبة لمجتمعات صيد الأسماك، وخاصة في جزر المحيط الهادئ، ولكن هؤلاء يجهلون أن الإيرادات الكبيرة التي تحققها لهم هذه التجارة، سوف تنضب في حال استمر الوضع على ما هو عليه، كاشفاً أن الصيد الجائر يعرض صناعة “التونة” لخطر الانهيار، وذلك مع وجود خمسة من أصل أكثر ثمانية أنواع من أسماك “التونة” طلباً، معرضة للانقراض بسبب الصيد الجائر والمفرط.
ويشرح جبارة أن الصراع في الوقت الحالي يتعلق إلى حد كبير بكيفية إقناع الصيادين في العالم، باصطياد أسماك “التونة” بشكل مستدام يحافظ على هذه الثروة الحيوانية، ويلبي في الوقت عينه، الطلب المستقبلي المتنامي على هذه السلعة، إذ من المتوقع أن تنمو قيمة صناعة أسماك “التونة” العالمية من 42.08 مليار دولار في عام 2023 إلى 51.25 مليار دولار بحلول عام 2030، مشيراً إلى أن “معلبات التونة” تعد من أكثر السلع الغذائية التي يتم تداولها في العالم، حيث يعتمد عليها أكثر من 3 مليارات شخص، وهذا ما جعل قيمة مبيعاتها تصل إلى نحو 8 مليارات دولار في 2022.
وبحسب جبارة فإنه لعقود من الزمن، شكّل صائدو أسماك “التونة” في جميع أنحاء العالم قوة اقتصادية هائلة، ولكن هؤلاء يدفعون هذه الصناعة إلى حافة الانهيار، من خلال الصيد إلى حد التسبب بانقراض هذه الأسماك، ويحدث ذلك رغم من وجود نظام صممته منظمات تابعة للأمم المتحدة، يضمن صحة واستدامة أعداد أسماك “التونة”، عبر ردع الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه، من خلال تدابير الرصد، مشيراً إلى أنه رغم إحراز بعض التقدم الملحوظ في إدارة صائدي أسماك “التونة”، إلا من هؤلاء من لم يقوموا بعمل كاف للاستجابة لتوصيات المنظمات البيئية.
ويرى جبارة أن الحل لمشكلة إنقراض بعض أنواع اسماك “التونة”، يكون إما من خلال بذل المزيد من الجهود لدفع جميع صائدي الأسماك على الإلتزام بالقانون، وإما ممارسة الضغوط على تجار التجزئة، لعدم شراء “التونة” من الجهات التي لا تثبت أنها تقوم فعلياً باحترام قوانين صيد الأسماك.
صناعة “التونة” تعاني من “خطرين وجوديين”
بدوره شدد المحلل الاقتصادي محمد قاسم على أن قسماً كبيراً من صائدي اسماك “التونة”، يسعون لتحقيق الربح، وليس استدامة الصناعة، ونتيجة لذلك هناك خطراً من أن نصل إلى مرحلة على المدى البعيد، يصبح فيها الطلب على “التونة” أكبر من العرض، معتبراً أن صناعة “التونة”، تعاني من “خطرين وجوديين” الأول هو “الصيد الجائر” والثاني هو “ظاهرة الاحتباس الحراري” ففي ظل تغير المناخ، سوف ترتفع درجة حرارة المياه الاستوائية في المحيط الهادئ، حيث سيؤدي هذا الاحترار إلى هجرة أسماك “التونة” إلى خارج مناطق الصيد الرئيسية، ومن شأن هذا التحول أن يضعف القدرة على تلبية الطلب في السوق.
ويرى قاسم أن التهديدات الأخرى التي تواجه صناعة “التونة”، مثل تغيّر أنماط المستهلكين وتضخم الأسعار، هي تهديدات مرحلية، فالتضخم أصاب العديد من السلع الغذائية في السنتين الأخيرتين، وبالتالي فإن هذا التهديد غير مرتبط بسلعة “التونة” فقط، بل بوضع الاقتصاد العالمي ككل، ويمكن معالجته مع مرور الزمن، في حين أن التغيّر الذي طرأ على أنماط المستهلكين من جيل الألفية، ودفعهم للإبتعاد عن منتجات “التونة” كان أيضاً مرحلياً وبدأ يتلاشى، ولكن الأمر لا يعني أن على الصناعة أن تطمئن لعودة المياه إلى مجاريها، بل عليها البحث عن أساليب تساعد في جذب فئات جديدة إلى منتجاتها.
ويضيف قاسم إن المنظمات البيئية بشكل عام، حققت بعضاً من جهودها الرامية إلى ردع الصيد غير القانوني لأسماك “التونة”، ولكن ينبغي عليها مواصلة هذا العمل، إضافة إلى العمل على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، ما من شأنه أن يقلل من التأثيرات المناخية المتعددة على هذه الصناعة، لافتاً إلى أنه من دون هذه الخطوات لن تتمكن صناعة “التونة” من تخطي التهديدات الوجودية التي تواجهها.