في هذا الإطار، نقل تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية واطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه، عن مديرة ورئيسة قسم تحليل السلع في “بي إم آي”، سابرين شودري، قولها إن أسواق السلع كانت مدفوعة بالمشاعر ومتقلبة، في بحث مستمر عن أدنى بادرة من الأمل للوصول إلى قمم جديدة، لتنهار مرة أخرى مع أدنى لمحة من خيبة الأمل المحتملة.
وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز جي إس سي آي، الذي يعد مقياسًا لأداء سوق السلع بشكل عام، بنسبة تصل إلى 12 بالمئة في أبريل منذ بداية العام، قبل أن يتراجع إلى زيادة بنسبة 2.18 بالمئة حتى الآن.
ووفقًا للبيانات الصادرة عن FactSet، فإن السلع التي حققت أكبر مكاسب منذ بداية العام هي مجموعة مختارة من السلع الأساسية التي تشمل الكاكاو والبيض وعصير البرتقال، والقهوة.
وقال محللون إن هذه السلع شهدت مكاسب قوية نتيجة الطقس السيئ في مناطق إنتاجها الرئيسية.
أكبر الرابحين
يتصدر الكاكاو قائمة الرابحين، حيث قفزت الأسعار بنسبة 66 بالمئة حتى الآن هذا العام، مع ارتفاع العقود الآجلة إلى مستوى قياسي قدره 11,722 دولارًا لكل طن متري في أبريل، بسبب النقص الناتج عن تعطل الإمدادات بفعل الأمطار الغزيرة والأمراض في الدول المنتجة الرئيسية منها كوت ديفوار وغانا.
وجذبًا لفرص الربح، دخلت صناديق التحوط إلى السوق، مما جعل حركة الأسعار أكثر تقلبًا، وفقًا لما ذكره نائب الرئيس الأول للسلع الأساسية الناعمة في آسيا بشركة StoneX، دارين ستيتزل.
على الرغم من أن الأسعار قد تراجعت عن مستوياتها القياسية، إلا أن العقود الآجلة للكاكاو لا تزال فوق المستويات المعتادة، حيث تم تداول عقد سبتمبر الأخير بسعر 9,150 دولارًا لكل طن متري في بورصة ICE الأميركية.
وقال ستيتزل إن سوق الكاكاو ستتعافى مع تحسن الظروف الجوية في غرب أفريقيا مع قدوم عام 2025، على الرغم من إشارته إلى أن الأسعار ستعود ببطء إلى المستويات التي كانت عليها قبل الزيادة الكبيرة هذا العام.
البيض
أدى الانتشار الأخير لإنفلونزا الطيور في منشآت الدواجن بالولايات المتحدة واليابان ودول أخرى إلى قفز أسعار البيض بأكثر من 62 بالمئة لكل 12 بيضة منذ بداية العام، ويبلغ سعر بيع 12 بيضة حاليًا 3.57 دولارات، وفقًا لبيانات FactSet التي نقلت عن وزارة الزراعة الأميركية ومكتب أبحاث السلع.
وتأثرت هذا العام حوالي 18.5 مليون دجاجة في الولايات المتحدة بفيروس إنفلونزا الطيور، ومن ناحية الطلب أصبح المستهلكون يعتمدون بشكل أكبر على البيض كمصدر أرخص للبروتين، كما نقل التقرير عن رئيسة تحرير منصة استخبارات السوق إكسبانا، كارين ريسبولي.
عصير البرتقال
كذلك قفزت العقود الآجلة لعصير البرتقال إلى مستوى قياسي في مايو، وتدور حاليًا حول مستويات تاريخية عالية قدرها 4.49 دولارات بورصة إنتركونتيننتال. وتسبب انخفاض الإنتاج في فلوريدا وهي أكبر منتج لعصير البرتقال في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الطقس السيء الناجم عن تغير المناخ في مناطق إنتاج البرتقال الرئيسية في البرازيل، في دفع الصناعة إلى حالة أزمة.
ومن غير المرجح أن يتغير ذلك في الوقت القريب، ومن المتوقع أن يتقلص إنتاج عصير البرتقال العالمي للموسم الخامس على التوالي بسبب استمرار انخفاض الإنتاج في البرازيل، التي تمثل 70 بالمئة من الإنتاج العالمي.
ونقلت “سي إن بي سي” عن مدير قطاع المعهد الزراعي والغذائي في ويلز فارجو، قال ديفيد برانش، قوله إنه بالنظر إلى تقديرات محصول البرتقال للموسم المقبل، من المتوقع أن تظل أسعار عصير البرتقال مرتفعة على الأقل خلال الـ12 شهرًا المقبلة.
المطاط
قفزت أسعار المطاط بنحو 30 بالمئة منذ بداية العام بسبب انخفاض الإنتاج في أكبر منتجين للمطاط الطبيعي في العالم، تايلاند وإندونيسيا، نتيجة لمشاكل الطقس مثل قلة الأمطار.
ويتم تداول عقد سبتمبر للمطاط Ribbed Smoke Sheet (RSS3) عند 337 ينًا (2.29 دولارًا) لكل كيلوجرام في بورصة أوساكا.
من جهة الطلب، دفعت عدة عوامل الأسعار للأعلى، مثل الزيادة الملحوظة في الطلب من قطاع السيارات الكهربائية في الصين، وفقًا لما ذكره نائب الرئيس المساعد في شركة ستون إكس، كانغ وي تشيانغ، يمثل قطاع السيارات حوالي ثلثي الاستهلاك العالمي للمطاط الطبيعي.
القهوة
وذكرت سابرين شودري من إم بي آي، لـ”سي إن بي سي” إن العقود الآجلة للقهوة المتداولة في ICE قفزت بنسبة 25 بالمئة منذ بداية العام إلى 2.45 دولارًا للرطل بسبب الظروف الجوية السيئة في مناطق زراعة القهوة في جنوب شرق البرازيل.
تسببت التحديات الإنتاجية الناجمة عن ظاهرة النينيو في جنوب شرق آسيا في تراجع المحاصيل في مناطق الإنتاج الرئيسية في فيتنام وإندونيسيا.
النينيو ظاهرة مناخية تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة وظروف جوية أكثر تطرفًا، وتستمر عادة بين تسعة إلى 12 شهرًا.
أكبر الخاسرين
نقلت الشبكة عن مدير أبحاث التعدين والطاقة في بنك الكومنولث الأسترالي، فيفيك دار، قوله إن أسعار خام الحديد انخفضت بشكل كبير، بسبب استمرار تدهور قطاع العقارات في الصين، مما أدى إلى ضعف الطلب، كما أسهم تدهور هوامش مصانع الصلب في البلاد، التي تعتبر محركًا مهمًا لأسعار خام الحديد، في الحفاظ على انخفاض الأسعار، حيث يعتبر خام الحديد مكونًا رئيسيًا في الصلب.
وتم تداول خام الحديد بدرجة 62 بالمئة آخر مرة بسعر 98.10 دولارات للطن في بورصة نيويورك التجارية للعقد الذي ينتهي في 30 أغسطس.
وقال دار في ملاحظة حديثة: “العامل الرئيسي الذي يضغط على استهلاك الصلب في الصين لا يزال هو قطاع العقارات (30 بالمئة من استهلاك الصلب في الصين).”
وأضاف: “مع وصول هوامش مصانع الصلب إلى مستويات تقيد الإنتاج بشكل كبير، فإن الأسواق قلقة مبررًا أن أسعار خام الحديد قد تبقى دون 100 دولار أميركي/طن في المدى القريب.”
الحبوب
شهدت الحبوب المستهلكة على نطاق واسع مثل القمح والذرة وفول الصويا أيضًا تراجعات كبيرة في ما يبدو أنه عام حصاد وفير في نصف الكرة الشمالي.
وقال مدير قطاع المعهد الزراعي والغذائي في ويلز فارغو، تيم لوغينسلاند، إن صناعة الحبوب العالمية تشهد حاليًا فائضًا كبيرًا في المخزون بسبب الإنتاج الكبير والمتتالي للمحاصيل في جميع مناطق الإنتاج الرائدة، ونتيجة لذلك، غمرت كميات أكبر من الذرة وفول الصويا سوق التصدير، مما دفع الأسعار للانخفاض.
تراجعت أسعار القمح والذرة المتداولة في بورصة شيكاغو التجارية بنسبة تقارب 15 بالمئة حتى الآن هذا العام، في حين انخفضت أسعار فول الصويا بنسبة تقارب 25. بالمئة.
الذهب
ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية هذا العام، مدفوعة بتوقعات خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى جاذبية الذهب كأصل ملاذ آمن، ووصلت العقود الآجلة للذهب مؤخرًا إلى مستوى قياسي آخر قدره 2,549.9 دولارًا للأونصة.
ونقلت الشبكة الأميركية عن سابرين شودري من شركة “بي إم آي” توقعها :
- على الرغم من التقلبات هذا العام، لا تزال سوق السلع العالمية مرتفعة ومن المتوقع أن تظل كذلك.
- أن تدعم الأسعار ضعف الدولار الأميركي، خاصةً مع بدء الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في خفض الأسعار في وقت لاحق من العام.
- أن الطلب الضعيف المستمر من الصين سيحد من نمو الأسعار عبر معظم السلع، مع توقع المزيد من الخسائر للمعادن الصناعية.
ووفقًا لما ذكره دارين ستيتزل من ستون إكس StoneX فإن تغير نمط الطقس العالمي من النينيو إلى اللانينا بحلول نهاية هذا العام، قد يكون حدثًا حاسمًا للسوق الزراعية العالمية، فعادةً ما تجلب اللانينا تأثيرات تبريد على درجات الحرارة العالمية وتحدث كل ثلاث إلى خمس سنوات.
وأضاف: “هذا يعني أن الظروف الجوية التي شهدناها في العام الماضي ستكون على النقيض تمامًا من تلك التي نتوقع أن نراها في اتجاه 2025”.
تقلبات الأسعار
من جهته، قال رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن أسعار السلع شهدت تقلبات حادة هذا العام سواء كانت المعادن منها أو الحبوب، مشيرًا إلى أن مؤشر السلع وصل إلى ارتفاعات عالية بداية السنة وصلت إلى 12 بالمئة، والآن أصبح بحدود 2.3 بالمئة.
وذكر أن عديداً من السلع شهدت ارتفاعًا، وأن أكثرها ارتفاعا كان الكاكاو والبرتقال والبيض والقهوة والذهب والفضة، بينما الانخفاضات الكبرى لحقت بالحديد والقطن والقمح.
وأوضح أن:
- ارتفاع الكاكاو ارتبط بالطلب الكبير عليه من قبل منتجي الكاكاو والشوكولاتة، كما تأثر بالمعروض المنخفض من المصدرين الأوائل بكل من كوت ديفوار وغانا، وهو ما كان له تأثير كبير فلأول مرة بالتاريخ يتخطى 10 آلاف دولار لعقد الكاكاو، ووصل إلى 11.700، لافتًا إلى أن آخر أربع سنوات شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الطلب عن المعروض.
- البيض ارتفع سعره إلى مستويات كبيرة بسبب أنفلونزا الطيور.
- الذهب والفضة ارتفعا 25 بالمئة، فاستخدام الذهب كأداة للتحوط حال أي أزمات كان دافعًا لرفع سعره.
- الخاسر الأكبر كان خام الحديد والذي يدخل بقطاع التطوير العقاري والبناء، متأثرًا بانهيار القطاع في الصين، وهو ماله تأثير على السعر خاصة وأن الطلب أصبح أقل عن ما كان من قبل.
- الحبوب أيضًا تراجعت لوجود إنتاجية أكبر من العادي، ومن المتوقع أن يشهد العام المقبل 2025 تعديلًا مناخيًا ببرودة الطقس، ليصبح الإنتاج الزراعي أكثر وفرة.
الأزمات الجيوسياسية تدفع الأسواق للارتفاع
فيما قالت الخبيرة الاقتصادية، عضو مجلس إدارة شركة الحرية للأوراق المالية، الدكتورة حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن هذا العام شهد الأسواق تباينًا في أسعار السلع، موضحة أن بعض السلع شهدت ارتفاعات قوية منها المواد الأساسية، وذلك بسبب التطورات الجيوسياسية وتأثر سلاسل الإمداد.
وأكدت أن الرابحين من الارتفاعات التي شهدتها الأسواق هم التجار الذين يرفعون الأسعار ويحددون هامش الربح إضافة إلى تحكمهم في تصدير السلع، فضلًا عن التكتلات الاقتصادية على سبيل المثال تكتل أميركا وأوروبا ضد روسيا وهو ما أثر على إمدادات القمح الروسي، في سبيل الاهتمام بالقمح الأوكراني بعد تطبيق عقوبات اقتصادية على موسكو.
وأفادت بأنه حال استمرت الأزمات الجيوسياسية خاصة الحرب في أوكرانيا والتصعيد المستمر للحرب في غزة من المتوقع أن تستمر أسعار السلع بالارتفاع، وستحاول كل دولة أن يتوفر لديها إنتاج داخلي كالتوسع في الزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي حتى لا تلجأ للاستيراد من الخارج وتتأثر بسلاسل الإمداد.
وذكرت أن الإنتاج الوفير للسلع والقدرة على التبادل التجاري، سيجعل هناك انخفاضًا بأسعار السلع، بينما على العكس بالنسبة للسلع غير المتوفرة، موضحة أن ارتفاع وانخفاض الأسعار يتحكم فيه العرض والطلب والأزمات الجيوسياسية والعقوبات الاقتصادية والتعاونات الدبلوماسية والتكتلات الاقتصادية كالبريكس على سبيل المثال.