وفي الأشهر السبعة الأولى من العام، تم إلغاء أو تأجيل 19 مشروعاً لمصانع البطاريات العملاقة في الصين، وفقاً لشركة الأبحاث Benchmark Mineral Intelligence ومقرها لندن.
وقد أدى ذلك فقط إلى تسريع الانسحاب الحالي للاستثمار في مصانع البطاريات حيث تكافح شركات تصنيع المركبات الكهربائية – وخاصة في أوروبا – مع تباطؤ المبيعات.
وفي هذا السياق، نقل تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، عن المحلل في شركة بينشمارك، إيفان هارتلي، قوله: “لقد حدث الكثير من عمليات الدمج في المنشآت الصينية حيث تعني الأسعار المنخفضة، إلى جانب الصراعات على العائد، أن الشركات تخلت عن خططها”. وقدر أن عمليات الإلغاء هذه من شأنها أن تقلل من قدرة مصانع البطاريات العملاقة في الصين بحلول عام 2030 بنسبة 3 بالمئة.
- تأتي الاضطرابات في صناعة البطاريات الصينية المزدحمة في الوقت الذي تراجع فيه نمو مبيعات السيارات الكهربائية في أجزاء من العالم.
- بعد زيادات مزدوجة الرقم، من المتوقع أن تنخفض معدلات النمو في أوروبا وأميركا الشمالية إلى 6 و7 بالمئة على التوالي، وفقًا لشركة Rho Motion، وهي شركة استشارية لسلسلة توريد السيارات الكهربائية.
وتستعد صناعة السيارات الصينية أيضاً لترشيد مماثل ، بعد انتشارها خلال طفرة الاستثمار على مدى العقد الماضي.
وتقدر هيئات الصناعة أن هناك ما يقرب من 50 مجموعة صينية لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في أكبر سوق للسيارات في العالم، مما يؤدي إلى “صراع بقاء” من المقرر أن يشتد مع مواجهتها للمنافسة الشرسة على التكنولوجيا واللوائح الحكومية الأكثر صرامة.
وتنقسم السوق الصينية بشكل حاد بين اللاعبين الأكبر مثل CATL وBYD، اللذان يهيمنان على السوق العالمية لبطاريات السيارات الكهربائية ، وعشرات اللاعبين الأصغر حجماً الذين تُركوا للتنافس بقوة مالية أقل وقدرة تنافسية أقل من حيث التكلفة.
ونقل التقرير عن المحلل الرئيسي في شركة وود ماكنزي للبيانات والتحليلات، كيفن شانغ، قوله: “لقد دخلت الصناعة الصينية جولة جديدة من المنافسة مدفوعة بالابتكار التكنولوجي وترقية القدرات. وفي الأساس، فإن أولئك الذين لا يستطيعون مواكبة الاتجاه سوف يتم طردهم تدريجياً من السوق”.
قواعد صينية
وأصدرت بكين أيضاً قواعد تنظيمية جديدة لمعالجة مشكلة الطاقة الزائدة، مما أجبر عدداً من مصنعي البطاريات المحليين على تعليق المشاريع أخيراً في الصين والأسواق الخارجية.
وفي يونيو انتهت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية من وضع المبادئ التوجيهية المنقحة لصناعة بطاريات الليثيوم أيون في البلاد، والتي وضعت معايير أعلى لكثافة الطاقة وكثافة الطاقة وعمر دورة الحياة ومواصفات أخرى للبطاريات. وقالت الوزارة إن القواعد ستساعد الشركات على تقليص مشاريع الإنتاج التي “تهدف فقط إلى توسيع القدرة”.
وكتب محللو سيتي في مذكرة بحثية: “يشير هذا إلى أن الحكومة تدرك انخفاض الاستخدام عبر سلسلة التوريد. ونعتقد بأن التنظيم سيفيد الأسماء الرائدة في كل القطاعات الفرعية المرتبطة بالبطاريات، حيث يحاول التخلص التدريجي من الطاقة الخاملة وتعزيز حاجز الدخول بالمعايير الفنية”.
ونتيجة لذلك، عانى اللاعبون الجدد؛ ففي أبريل الماضي أبلغت مجموعة نانفانغ بلاك سيسامي، المستثمرين أنها علقت مشروع البطاريات المخطط له بقيمة 3.5 مليار دولار في مقاطعة جيانغشي الشرقية، مشيرة إلى “تغييرات عميقة” في مشهد سوق الطاقة الجديدة. وكانت المجموعة قد أعلنت العام الماضي فقط عن التحول إلى تخزين الطاقة.
وقالت الشركة في بيان للبورصة: “لن تتصرف الشركة على عجل.. وستنتظر أفضل فرصة لتنفيذ المشروع لتجنب ارتفاع تكاليف الاستثمار والخسائر المرتبطة بها”.
وفي أبريل الماضي، كشفت أكثر من 20 شركة صينية عن خطط بناء مرافق جديدة لإنتاج البطاريات من المتوقع أن يبلغ إجمالي طاقتها السنوية 152 غيغاوات/ساعة، بانخفاض 55 بالمئة عن العام السابق، وفقًا للبيانات التي جمعتها تحالف تخزين الطاقة الصيني، وهي مجموعة صناعية.
واضطرت شركات تصنيع البطاريات الصينية الأصغر حجماً أيضاً إلى إعادة النظر في خططها التوسعية الخارجية العدوانية.
وتخلت شركة إس فولت إينرجي تكنولوجي، التي انبثقت عن شركة صناعة السيارات جريت وول موتور وسابع أكبر شركة لصناعة البطاريات في الصين، عن خططها في مايو لبناء مصنع للبطاريات في شرق ألمانيا، مستشهدة بعدم اليقين بشأن التخطيط والتعريفات الجمركية والدعم، فضلاً عن فقدان أحد العملاء الرئيسيين.
كما حذر رئيس مجلس إدارة شركة إس فولت يانج هونج شين من أن أقل من 40 شركة مصنعة للبطاريات قد تنجو من موجة الدمج بحلول نهاية هذا العام. وقال يانج في حدث أقيم الشهر الماضي: “في السابق، شاركت شركات تصنيع البطاريات من المستوى الثاني والثالث في مسابقات التسعير للحصول على حصة أكبر في السوق. وفي الوقت الحالي، حتى أكبر اللاعبين يخفضون الأسعار”.
معاناة الشركات
عانت الشركات، بدءا من شركات صناعة البطاريات وشركات مناجم الليثيوم إلى منتجي الكاثود والأنود، من انخفاض الأرباح بسبب انخفاض أسعار البطاريات، بسبب التوسع المفرط استجابة لارتفاع الطلب بين عامي 2021 و2022.
بلغت الإيرادات والأرباح الصافية المجمعة في 107 شركات مدرجة في البر الرئيسي للصين في سلسلة توريد بطاريات الليثيوم 293 مليار يوان صيني (40 مليار دولار أميركي) و17 مليار يوان صيني للربع الأول، بانخفاض 18 بالمئة و50 بالمئة عن العام السابق على التوالي.
ومع ذلك، من المتوقع أن تبرز شركات تصنيع البطاريات من الدرجة الأولى بشكل أقوى وتزيد من استثماراتها مع اندماج الشركات الأصغر حجماً أو انهيارها، وفق التقرير.
مستقبل مجهول
من لندن، يقول خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- صناعة البطاريات لتشغيل السيارات الكهربائية تواجه تحديات ضخمة ومستقبلاً مجهولاً؛ بعد أن خلق الإنتاج الكبير فائضاً في الاسواق، وبالتالي انهياراً في الأسعار.
- قبل عدة سنوات كانت الرؤية المستقبلية “متفائلة” بوجود سوق كبيرة جداً وفرص أرباح غير محدودة، لذلك تم ضخ استثمارات بمليارات الدولار في مشاريع في تصنيع البطاريات في الصين وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة ودول أوروبية.. لكن بعد الاصطدام بالواقع تغيرت الصورة كلياً، مع تراجع الطلب وانخفاض الأسعار وتقلص الاستثمار.
- الصين الآن تستحوذ على 80 بالمئة من القدرة على الإنتاج لتلبية الاستيراد العالمي والاستهلاك المحلي القوي.. ساعد في ذلك الدعم الحكومي المالي للمصنعين.. بالتالي حتماً تكون الخاسر الأكبر في المعادلة بعد تغير الواقع.
- ثمة عنصر آخر شجع الاستثمار في تصنيع البطاريات في الصين ومنافسيها يرتبط بهبوط أسعار المواد الحيوية لصنع البطاريات مثل النيكل والليثيوم مما خفض تكلفة الإنتاج (..).
ويشير إلى أن من التحديات التي فرضت نفسها على القطاع تقلص الطلب على المركبات الكهربائية.. ومن أشهر المتأثرين بهذا التراجع شركة تيسلا، والتي انخفضت أرباحها في الربع الثاني من العام بنحو 45 بالمئة، وقامت بتسريح مجموعة كبيرة من الموظفين بنسبة تصل إلى 10 بالمئة.
كذلك فإن أكبر منافس صيني لتيسلا شركة “بي واي دي” سجلت أرباحها أضعف نمو في أرباحها الفصلية منذ عام 2022. كذلك فإن شركة CATL أكبر صانع بطاريات في الصين واكبر مستثمر صيني في الولايات المتحدة تكبدت خسارة فادحة بسبب تراجع الطلب الأميركي وعلق مدير الشركة زنغ يوكون Zheng Yuqun ان الشركة هي ضحية قضايا جيوسياسية.
ويضيف إسماعيل: التحدي الآخر هو التعريفات الجمركية العقابية التي تفرضها الولايات المتحدة على السيارات الكهربائية والبطاريات الصينية بنسبة 100 بالمئة على السيارات و 25 بالمئة على البطاريات ، وكذلك اتخاذ الاتحاد الأوروبي إجراءات جمركية عقابية على الصادرات الصينية ولكن بنسب أقل، بالتالي فإن هناك حرب عالمية تشتعل في عالم السيارات والبطاريات الكهربائية وحالة عدم اليقين ستستمر.
تحديات قوية
من جانبه، يقول الكاتب المتخصص في الشؤون الصينية، حسين إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:
- الصين تعد أكبر دولة منتجة لبطاريات السيارات في العالم، والأكثر بيعاً على صعيد تقديم التكنولوجيا المستخدمة في صناعة السيارات.
- البطاريات تمثل جزءاً رئيسياً وركيزة في صناعة السيارات حول العالم، وبالتالي أي تأثير سلبي أو حدوث أزمات بشأنها ستؤثر بالطبع على صناعة السيارات ليس فقط داخل الصين بل خارجها أيضاً.
- هناك جملة من التحديات التي واجهتها الصين على صعيد السيارات الكهربائية، لا سيما فيما يتعلق بفرض رسوم عليها في أميركا وبعض دول أوروبا، وبما يؤثر بصورة سلبية على مبيعات السيارات الصينية الكهربائية خلال الفترات الأخيرة.
- بكين تسعى جاهدة نحو مواجهة تلك التحديات والرسوم المفروضة من خلال توسيع عمليات استهلاك السيارات ومبيعاتها داخل الصين لتعويض حجم التراجع القوي في مبيعاتها الخارجية، ولكن الأزمة الحالية تنضم إليها أيضاً تصنيع البطاريات وبالتالي سيكون لها انعكس قوي داخل الصين وخارجها.
وعلى صعيد الشركات الصغيرة، أوضح أن الحكومة الصينية تدرك مثل هذه الأزمات والمشاكل التي تهدد الشركات الصغيرة، وهو ما أدى إلى قيامها بإقرار حزمة داعمة من شأنها المساهمة في تباطؤ تخارج الشركات الصغيرة، في ضوء ارتباط تلك الحزم الداعمة بالاستراتيجية الاستثمارية الصينية.
ضغوط على صغار المنتجين
ويوضح رئيس مركز التحرير للبحوث والدراسات السياسية عماد الأزرق، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الشركات المنتجة لبطاريات السيارات الكهربائية في الصين تواجه صعوبات بالغة قد تؤدي في حال استمرار هذه الصعوبات لوقت أطول إلى خروج صغار المنتجين وسحب الاستثمارات أو تحويلها إلى مجالات إنتاجية أخرى.
ويرجع أسباب هذه الصعوبات التي تواجه منتجي البطاريات الكهربائية إلى التباطؤ الكبير في الطلب على السيارات الكهربائية بشكل كبير نتيجة عدد من العوامل، من بينها:
- القيود التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية على وارداتها من السيارات الصينية نظرا للتطور الكبير الذي تتمتع به الصين في هذا المجال والذي يفوق بشكل كبير مثيلاته في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فضلا عن استحواذ المنتجين الصينيين على النسبة الأكبر من إنتاج السيارات الكهربائية في العالم.
- الطاقة الإنتاجية للبطاريات يفوق إنتاج صناعة السيارات الكهربائية نفسها بنسبة كبيرة، ما يعني أن هناك فائضاً كبيراً في العرض مقابل الطلب، وبما يزيد من حدة الأزمة.
- سيطرة عدد محدود من الشركات الكبرى على النسبة الأكبر من سوق إنتاج البطاريات الكهربائية ما يجعلها قادرة على الصمود ولفترة طويلة أمام تلك الصعوبات التي تواجههم، في حين يفتقد صغار المنتجين لهذه القدرة، ما يحملهم أعباء كبيرة، ويجعلهم أكثر تعرضاً للخسائر على المديين المتوسط والطويل، ما قد يدفعهم للخروج من السوق مبكراً، خاصة مع ارتفاع القدرة التخزينية المرتفعة للبطاريات والتي تماثل أضعاف السيارات الكهربائية نفسها.
وأوضح أن المواجهة في سوق السيارات الكهربائية والبطارية ليست اقتصادية فحسب وإنما ترجع لأسباب سياسية في إطار الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية ضد الصين وهي شبيهة بتلك التي تمت من قبل بخصوص تكنولوجيا الـ 5G والتي شهدت حرباً تجارية عنيفة بين البلدين ليست لأهداف اقتصادية فحسب وإنما بهدف وقف التقدم التكنولوجي الصيني الذي أصبح يسبق التكنولوجيا الغربية بخطوات، وهو ما يفزع القادة في الولايات المتحدة وأوروبا باعتبار ذلك المؤشر الأهم في تقدم الصين وتفوقها على الدول الغربية، وتراجع الدول الغربية في مواجهة الصين.