ويعني هذا التغيير أنه يمكن لبعض الشركات في اليونان تمديد أسبوع العمل التقليدي المكون من 40 ساعة إلى 48 ساعة أسبوعياً، حيث ترغب الدولة، التي لديها بالفعل أطول متوسط أسبوع عمل في الاتحاد الأوروبي، في إضافة يوم آخر إلى أسبوع العمل، في مخالفة للاتجاه المتنامي المتمثل في قيام الشركات باستكشاف أسبوع عمل أقصر.
وتظهر بيانات المكتب الأوروبي للإحصاءات “يوروستات” لعام 2023 أن اليونانيين يعملون لساعات أطول من أي شخص آخر في أوروبا، ويحصلون على أجور أقل.
وبشكل أكثر تحديداً، يعمل العمال في اليونان الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عاماً 39.9 ساعة أسبوعياً في وظيفتهم الرئيسية، أكثر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، حيث أن متوسط ساعات العمل أسبوعياً في الاتحاد الأوروبي يبلغ 36.1 ساعة.
وحقيقة أن اليونانيين يعملون لساعات أطول مقارنة بنظرائهم الأوروبيين، لا تترجم إلى أجور أفضل، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت اليونان خلال السنوات الماضية، فبحسب بيانات يوروستات كان الدخل السنوي للعاملين بدوام كامل في اليونان خلال عام 2022، خامس أدنى دخل في الاتحاد الأوروبي، وأقل بنسبة 4.02 في المئة عما كان عليه في عام 2013.
ساعتان يومياً أو يوم إضافي
قرار تمديد أسبوع العمل، تم إقراره في اليونان كجزء من مجموعة واسعة من قوانين العمل في عام 2023، ودخل حيز التنفيذ في الأول من يوليو 2024، وبموجبه سيكون أمام موظفي الشركات الخاصة الذين يقدمون خدمات على مدار الساعة بنظام التناوب، خيار العمل لمدة ساعتين إضافيتين يومياً أو خيار العمل ليوم إضافي لمدة ثماني ساعات، ولا يشمل هذا القرار العاملين في الخدمات الغذائية والأعمال السياحية.
ولن يُسمح بتطبيق النظام الجديد إلا “في ظروف استثنائية”، مثل زيادة عبء العمل بشكل غير متوقع، حيث سيحصل العمال بموجب هذا النظام على 40 بالمئة إضافية من قيمة أجرهم اليومي، في يوم عملهم السادس، لترتفع هذه النسبة إلى 115 في المئة إذا صادف ذلك اليوم يوم أحد أو عطلة رسمية.
وقد أثار نظام العمل الجديد جدلاً حاداً في اليونان، حيث يقول مؤيدو هذا الإجراء إنه يوفر لهم الحماية لأن أصحاب العمل، سيتعين عليهم الإعلان عن ساعات العمل الإضافية للحكومة، في حين تعارض النقابات العمالية في اليونان، هذه الخطوة، وذلك خوفاً من توسيع نطاق السياسة الجديدة لتشمل قطاعات وشركات أخرى.
وقال وزير العمل اليوناني نيكي كيراميوس في تصريحات لشبكة CNBC اطلع عليها موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه من المهم ملاحظة أن هذا النظام الجديد لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على أسبوع العمل المحدد بـ 5 أيام/40 ساعة الذي يفرضه القانون اليوناني، كما أنه لا يحدد أسبوع عمل جديد مكون من 6 أيام، مشيراً إلى أن خيار يوم العمل الإضافي سيسمح لأصحاب العمل بمعالجة “المتطلبات التشغيلية العاجلة” التي لا يمكن تلبيتها وذلك كإجراء استثنائي، كما سيضع المزيد من الأموال في جيوب الموظفين.
من جهته وصف جيورجوس كاتسامبيكيس، المحاضر في السياسة الأوروبية والدولية في جامعة لوبورو بالمملكة المتحدة، التعديل الذي قامت به الحكومة اليونانية لقانون العمل، بأنه “خطوة كبيرة إلى الوراء” بالنسبة للقوى العاملة التي تعمل بالفعل لأطول ساعات في الاتحاد الأوروبي.
وفي حين قال جون أوبرينان، أستاذ قانون الاتحاد الأوروبي من جامعة ماينوث بأيرلندا، إن العمال في اليونان قد يضطرون الآن إلى العمل لليوم السادس، بعد هذا القرار، معتبراً ما حدث بالأمر المثير للسخرية، لأنه يتعارض مع الانتقال إلى نظام العمل لأربعة أيام في الأسبوع الذي تختبره معظم الدول المتحضرة.
لماذا التحول إلى 6 أيام عمل؟
ويقول المحامي المختص بالعمل والعمال شربل عون، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، صحيح أن الخطوة التي قامت بها اليونان تتناقض مع الاتجاه السائد في العالم، الذي يهدف إلى التحوّل إلى ساعات عمل أقل، ولكن وعند الاطلاع على العناصر التي دفعت السلطات اليونانية لاتخاذ قرار “تمديد ساعات العمل”، نجد أن هذه الخطوة هدفها المساعدة على التخلص من 3 مخاطر تحيط بسوق العمل في البلاد، والتي تتمثل بنقص العمالة الماهرة بسبب تقلص عدد السكان، انخفاض مستوى الإنتاجية، إضافة إلى حماية العمال من العمل غير المعلن.
واوضح عون أنه منذ اندلاع أزمة الديون في اليونان أواخر عام 2009 والتي استمرت قرابة عقد، شهدت البلاد موجة نزوح غير مسبوقة، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 500 ألف يوناني معظمهم من الشباب المتعلمين هاجروا من البلاد، وهذا ما أدى إلى نقص في العمالة الماهرة.
وأشار إلى أن اليونان لديها بالفعل أطول متوسط أسبوع عمل في الاتحاد الأوروبي، ولكن البيانات تظهر أيضاً أن إنتاجية العمال هناك لكل ساعة عمل، كانت أقل بنسبة 30 بالمئة من متوسط انتاجية العمال على مستوى الاتحاد الأوروبي، وهذا مرده إلى أن جزءاً كبيراً من القوى العاملة في اليونان، باتت متقدمة في السن بسبب هجرة الشباب، كما أن بعض الشركات اليونانية كانت تدفع عمالها للعمل أكثر من 40 ساعة أسبوعياً، دون منح هؤلاء أجراً مناسباً مقابل الوقت الإضافي.
وذكر عون أن جذور مشكلة نقص العمالة في اليونان، ترجع جزئياً إلى الأزمة المالية التي بدأت في عام 2009، عندما سافرت أعداد ضخمة من العمال وأغلبهم من الشباب اليوناني إلى الخارج بحثا عن آفاق أفضل، في حين خفضت الشركات برامج التدريب والتطوير، وهو ما انعكس سلباً على مهارة اليد العاملة، وترك أصحاب العمل في وضع حرج.
وأضاف: “قرار اليونان السير عكس التيار عبر تبني خيار العمل لمدة 6 أيام في الأسبوع في بعض الحالات كان خياراً ضرورياً وينطبق على الوضع القائم في البلاد، فلا يمكن الطلب من بلد يعاني من تراجع في مستوى الانتاجية ونقص في اليد العاملة الشابة أن يقوم بتخفيض عدد أيام العمل نظراً للنتائج الكارثية لهذا القرار على الوضع الاقتصادي العام في اليونان، دون أن ننسى أن القانون الجديد الذي تم اقراره وفًر الحماية للعمال الذين كانوا يعملون لفترات أطول من المسموح بها، دون الحصول على الأجر المناسب، إذ سيتعيّن الآن على أصحاب العمل التصريح عن ساعات العمل الإضافية للحكومة ومنح الموظفين حقوقهم الكاملة.
هل ينتشر نموذج الدوام اليوناني؟
من جهته تقول الكاتبة الاقتصادية باتريسيا جلاد، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن أسبوع العمل المكون من ستة أيام، لا يمكن تطبيقه عالمياً على نطاق واسع، بل بشكل محدود وفي بعض الدول التي تجتمع لديها عناصر شيخوخة السكان، هجرة الشباب وتراجع الإنتاجية، ولذلك يمكن القول إن اليونان يمكن أن تكون نموذجاً يحتذى به للآخرين، الذين يعانون من نقص في العمالة، ولكن وفي الوقت عينه يجب إدراك حقيقة أن اتخاذ هكذا قرار لن يكون أمراً سهلاً، فاقتراح العمل ليوم إضافي، هو أمر مكروه من قبل معظم الموظفين حول العالم أجمع.
وتشدد جلاد على أن ما قامت به اليونان هو حل مؤقت، فالعالم وخلال السنوات العشر المقبلة، سيتخلص من تأثير شيخوخة السكان ونقص القوى العاملة الماهرة على سوق العمل، فالذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يكون حلاً جزئياً لمشكلة تراجع الإنتاجية ونقص الموظفين، إذ أن هذه التكنولوجيا ومن خلال أتمتتها للعمليات، ستخفض الحاجة للبشر في الكثير من القطاعات الصناعية والإنتاجية، ما سيجعل الآلات تعمل لفترات طويلة مقارنة بقدرة الإنسان، إضافة إلى قدرتها على تقليل الوقت المستغرق في إنجاز المهام، دون أخطاء، ومن هنا فإن دول مثل اليونان ستتمكن من اللجوء إلى الخيارات التكنولوجية في المستقبل، لمساعدتها على تحسين اقتصادها وتخطي العقبات التي تواجهه.