وبينما يأتي هذا التخفيض في وقت تحاول فيه اقتصادات منطقة اليورو مواجهة تحديات متعددة، بما في ذلك تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة التوترات التجارية والجيوسياسية، والمخاوف من حدوث ركود، يبقى السؤال الأهم.. ما الذي يعنيه هذا التخفيض لاقتصاد منطقة اليورو؟
وقررت لجنة السياسة النقدية في المركزي الأوروبي، الخميس، خفض معدلات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، لتصل إلى مستوى 4.25 بالمئة، وخفض “المركزي الأوروبي” الفائدة القياسية على الودائع 25 نقطة أساس إلى 3.75 بالمئة، لينضم بذلك إلى البنوك المركزية في كل من كندا والسويد وسويسرا التي بدأت التخلي عن سياسة أسعار الفائدة المرتفعة التي اضطرت لرفعها بهدف كبح جماح التضخم الذي وصال إلى مستويات قياسية.
وبعد سلسلة غير مسبوقة من رفع أسعار الفائدة في منطقة اليورو بدءاً من منتصف عام 2022 للحد من تكاليف الطاقة والغذاء، بدأ التضخم يتراجع ببطء نحو هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 بالمئة، حيث سجل 2.6 بالمئة في مايو الماضي على أساس سنوي، مرتفعاً قليلاً عن المستوى الذي سجله في الشهر الذي سبقه عند 2.4 بالمئة.
وكان البنك المركزي الأوروبي، أبقى على أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير، في اجتماع أبريل الماضي للمرة الخامسة على التوالي، عند مستوى 4 بالمئة والذي وصل إليه في سبتمبر 2023، بعد 10 زيادات منذ ديسمبر 2021.
في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال على حمودي الخبير الاقتصادي والرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”: “وأخيراً كما كان متوقعاً خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة لأول مرة منذ خمسة أعوام، حيث دخل البنك المكلف بالحفاظ على استقرار الأسعار في منطقة اليورو، في دورة رفع أسعار الفائدة منذ منتصف عام 2022 للحد من التضخم الذي أججته الضربة المزدوجة المتمثلة في الحرب الروسية الأوكرانية وإعادة فتح الاقتصاد بعد جائحة كورونا، وهذا يعني أن تكلفة الاقتراض من البنوك – وخاصة القروض العقارية – ارتفعت ما جعل إنشاء مشاريع جديدة أو شراء المنازل بالائتمان أكثر تكلفة”.
لكن محافظي البنوك المركزية يدركون دائماً أن الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول مما ينبغي يمكن أن يشكل خطراً مماثلاً على الاقتصاد، وقد أدى ارتفاع تكلفة الاقتراض بالفعل إلى انخفاض إنفاق الأسر على الاقتصاد ما أضر بالنشاط التجاري والاقتصادي، بحسب تعبيره.
واستعرض حمودي تأثير هذا الخفض على اقتصادات منطقة اليورو وفقاً لما يلي:
التأثير على الأسر
استفادت الأسر الأوروبية بالفعل من انخفاض التضخم لأن قوتها الشرائية قل تآكلها حالياً عن المستوى الذي كانت عليه من قبل، لكن من غير المرجح أن تكون الأسرة هي المستفيدة الرئيسية من التخفيض الحالي، ويرجع هذا إلى الطريقة التي تتم بها هيكلة ديون الأسر في منطقة اليورو، والتي تجعلها غير حساسة لسعر الفائدة، ولكن أيضاً بسبب العدد الكبير من المدخرين في الاقتصاد نتيجة التركيبة السكانية (المتقدمة في السن).
كيف تتأثر الأعمال؟
وعلى النقيض من حاملي الرهن العقاري، سيكون هذا التخفيض مهماً جداً للشركات التي تتطلع إلى اقتراض المزيد والتوسع، وهو محرك رئيسي للنمو الاقتصادي، لذا فإن تخفيض أسعار الفائدة سيمنحهم مجالاً أكبر للنمو والاستثمار، وقد تجد الحكومات أيضاً أنه أصبح لديها فوائض مالية، مع انخفاض تكلفة خدمة ديونها، لكن لا يزال يتعين عليهم أيضاً إعادة تمويل الكثير من الديون التي تم إصدارها بأسعار فائدة أقل بكثير قبل عام 2022.
ماذا عن اليورو؟
يميل المستثمرون الأجانب إلى تفضيل أسعار الفائدة الأكثر ارتفاعاً لأنهم يحصلون على عائد أفضل على أموالهم، خاصة في سياق بيئة تضخمية مستقرة، وإن خفض سعر الفائدة حالياً يجعل اليورو أقل جاذبية مقارنة بالعملات الأخرى التي لم تتخفض بنوكها المركزية أسعار الفائدة بعد، وخاصة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
ومن حيث المبدأ فإن هذا قد يجعل شراء السلع الأجنبية والذهاب لقضاء العطلات (خارج منطقة اليورو) أكثر تكلفة، في حين قد يستفيد المصدرون لأن انخفاض اليورو يجعل سلعهم أرخص في الأسواق العالمية.
وحقيقة أن التخفيض الحالي للفائدة كان متوقعاً على نطاق واسع بمعنى أنه لم يكن هناك رد فعل تذكر في أسواق العملات. والواقع أن اليورو ارتفع بشكل طفيف في مقابل الدولار الخميس.
التأثير على البنك المركزي الأوروبي
إن الفائدة الأكبر المترتبة على هذا التخفيض سوف تعود في الأساس إلى رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد (وبدرجة أقل إلى زملائها في المجلس التنفيذي للبنك)، وعلينا ألا ننسى أنه عندما بدأ التضخم في الارتفاع، تأخر “المركزي الأوروبي” في رفع أسعار الفائدة لاحتوائه وكبح جماحه ما يعني أن سمعة المؤسسة تضررت، بينما القدرة على التخفيض حالياً تمنح البنك الفرصة لإعلان النصر، والقول (بأثر رجعي) إنها كانت على حق طوال الوقت.
وسوف تستفيد لاغارد، التي وصلت إلى أعلى منصب في البنك المركزي الأوروبي في عام 2019، بشكل خاص، حيث سيُنظر إليها على أنها مسؤولة عن تغيير الاتجاه، هذا إن لم يأت التخفيض بنتائج عكسية ويرتفع التضخم مرة أخرى، وفي هذه الحالة يمكن إلقاء اللوم على “المركزي الأوروبي” وعلى لاغارد بالتحديد مرة أخرى.
فجوة في أسعار الفائدة في منطقة اليورو وأميركا
من جهته، قال الدكتور نضال الشعار الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة “ACY” في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز: “لم يكن هذا القرار مفاجئاً، بل كل التوقعات كانت تشير إلى خفض سعر الفائدة في منطقة اليورو، كما أن الأسواق سعرته منذ عدة أشهر وبالتالي لم نجد أي انعكاسات قوية على سعر صرف اليورو مقابل الدولار والأسعار حتى الآن مستقرة”.
ومن الطبيعي أن ظهور فجوة ما بين أسعار الفائدة في منطقة اليورو والولايات المتحدة الأميركية سيكون لها تأثير على تدفقات رؤوس الأموال وعلى حجم الاستثمارات وسيمتد استمرار هذه الفجوة إلى العملية الإنتاجية لكن في ظل التوقعات بأن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة سيتم تخفيضها في هذا العام فلن نر تأثير كبير لهذه الفجوة على العلاقة ما بين منطقة اليورو والولايات المتحدة وخصوصاً أن هذه الفجوة قد تم تسعيرها في السابق وشاهدنا أن اليورو انخفض من 1.15 دولار 1.8 دولار حالياً بحسب تعبيره.
التخفيض يعاكس النظرية الاقتصادية التقليدية
لكن الدكتور الشعار ذكر أن تخفيض الفائدة جاء في ظل ارتفاع معدل التضخم في منطقة اليورو، والذي زاد من 2.4 بالمئة في ابريل الماضي إلى 2.6 بالمئة في مايو الماضي، وبالتالي فإن عملية التخفيض في ظل هذا الارتفاع يعتبر معاكس للنظرية الاقتصادية التقليدية “orthodox”.
ونوه كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” إلى أنه تم اتخاذ هذا القرار بشكل حذر بقوله: “تصريحات رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد كانت حذرة جداً وبشكل خاص عندما أشارت إلى أـن هذا التخفيض لا يمثل مساراً جديداً للسياسة النقدية في منطقة اليورو، كما لاحظنا أن هناك رفض لأحد أعضاء مجموعة اليورو لهذا التخفيض، ما يعني أن القرار اتخذ وفيه نوع من التردد”.
تخفيف الضغوط النقدية على المستهلكين والمستثمرين
وشرح السبب وراء هذا التخفيض بقوله: “أعتقد أن هذا القرار تم اتخاذه بهدف تخفيض الضغوط النقدية على المستهلكين والمستثمرين والتي أدت إلى رفع التكاليف وتكلفة الاقتراض الكبيرة ولم يكن قراراً شاملاً ولم يكن يمثل سياسة نقدية شاملة حتى أن المركزي الأوروبي عدل توقعاته لمعدلات التضخم من 2.3 بالمئة إلى 2.5 بالمئة وعاود الإصرار على الاعتماد على البيانات في القرارات المقبلة، أن السياسة النقدية في منطقة اليورو كما يبدو من ذلك أنها ستبقى متشددة في حال عدم انخفاض معدلات التضخم إلى هدف البنك المركزي المتمثل بـ 2 بالمئة”.