ووفق خبراء تحدثوا لموقع “سكاي نيوز عربية” فإن مشروع القانون لن يمر بسهولة داخل البرلمان الأوكراني بالنظر لوجود العديد من القوانين التي تحول دون تنفيذ ذلك حفاظا على حقوق الإنسان التي تسعى كييف للتأكيد عليها أمام حلفائها الغربيين.
ودفع استمرار الإنهاك الذي يعاني منه الجيش الأوكراني في خضم حربه الممتدة مع القوات الروسية، 14 نائبا أوكرانيا إلى تقديم مشروع قانون يسمح للسجناء بالخدمة العسكرية مقابل إطلاق سراحهم، في خطوة يُنظر إليها على أنه قد تُغير من “قواعد اللعبة” بين موسكو وكييف، بالنظر لتشابهها مع تجربة مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية.
وحتى الآن، لا يسمح القانون الأوكراني بتجنيد السجناء، بيد أنه ومع بداية العمليات الروسية في فبراير 2022، أصدرت الحكومة الأوكرانية عفوا عن أكثر من 300 سجين بعد إبداء رغبتهم بالانضمام للجيش.
وتواجه أوكرانيا العديد من التحديات العسكرية، ما دفع قائد الجيش الأوكراني فاليري زالوجني للقول إن كييف قد تضطر إلى تعديل استراتيجيتها العسكرية بسبب انخفاض المساعدات الخارجية.
هل تتكرر تجربة “فاغنر”؟
• اعتبرت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية، أن مشروع القانون الأوكراني بمثابة مؤشر على حالة اليأس في البلاد لتجنيد المزيد من القوات للتخفيف من حدة ما يعانيه الجنود على الجبهة تحت وطأة القتال الروسي المستمر، في حين قدرت أن كييف بحاجة لنحو 500 ألف شخص لتكون قادرة على تدوير قواتها وتعويض الخسائر.
• يتشابه توجه كييف مع الخطوة التي أقدمت عليها روسيا حين اقترح رئيس فاغنر السابق يفغيني بريغوجين، إرسال سجناء للقتال في أوكرانيا، متعهدا آنذاك بأنهم سينالون الحرية إذا هم خدموا مدة ستة أشهر بين صفوف المجموعة.
• بعد مقتل بريغوجين، انشأت وزارة الدفاع الروسية كتائب خاصة تتكون إلى حد كبير من سجناء يطلق عليهم Storm-V وStorm-Z.
• لا يرى وزير العدل الأوكراني دينيس ماليوسكا أي مشكلة في تجنيد السجناء الذين باستطاعتهم القتال ضد القوات الروسية، موضحا في تصريحات قبل أيام أن هناك الآلاف من المدانين في أوكرانيا يرغبون في الانضمام إلى الجيش.
• ماليوسكا قال إنه سينظر على الفور في مشروع القانون الخاص بالسجناء لأنه لم يواجه بأي معارضة داخل البرلمان، موضحا أن “الجميع يدرك أنه يمكننا الاستعانة بالسجناء، الذين أعربوا عن استعدادهم لحماية بلادهم”.
• مع ذلك، لا يزال يتعيّن على المشرعين الأوكرانيين العمل من خلال قواعد للسيطرة على السجناء الذين سيتم إطلاق سراحهم، في حين تواجه الفكرة أزمة داخل الجيش ذاته، إذ أن “ليس كل القادة العسكريين على استعداد لنقل المدانين والسجناء إلى وحداتهم”، وفق تصريحات وزير العدل.
• لعلاج تلك الأزمة، قال ماليوسكا: “لن نخطط لفرض مثل هؤلاء الأشخاص على أي شخص. على الأرجح، ستكون هذه الفرق منفصلة”، محددا الفئة التي سيسمح لها بذلك وهم السجناء الذين قضوا معظم فترات عقوباتهم، بجانب أنهم يُعتبرون خطرا على المدنيين.
• يتزامن توجه البرلمان الأوكراني في الوقت الذي يستعد للتصويت على قانون “التعبئة الجديد” نهاية الشهر الجاري، مستهدفا بالأساس تحديث الإطار القانوني للقيام بموجة جديدة من التعبئة هذا العام.
معضلة قانونية
من كييف، قال محلل الشؤون الأوكرانية بمجموعة الأزمات الدولية، سيمون شليغل، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن مجموعة من النواب الأوكرانيون بينهم رئيس الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس فولوديمير زيلينسكي تقدموا بمشروع القانون بما يضيف بعض التعديلات على تعبئة الجنود، لكن سيكون هناك “العديد من الأسئلة” لهذا المقترح في البرلمان.
وأوضح شليغل أن مشروع القانون لن يمر بسهولة بالنظر لوجود “حماية دستورية قوية جدا في أوكرانيا لأي شخص، والدليل على ذلك مشروع القانون الحالي لتغيير نظام التعبئة في أوكرانيا، والذي ظل عالقا لكثير من الوقت في البرلمان، إذ تم تقديمه لأول مرة في العام الماضي، ورفضه البرلمان ليس فقط بسبب التغولات في الحقوق المدنية التي يتمتع بها الناس، ولكن أيضا بسبب مخاطر الفساد الإضافية”.
أما تعديلات قانون التعبئة والتي يناقشها البرلمان الأوكراني نهاية الشهر الجاري “فهناك أكثر من 4000 استفسار حول هذا القانون” بحسب محلل الشؤون الأوكرانية بمجموعة الأزمات الدولية.
وشدد شليغل على أن مقترح تجنيد السجناء سيتم النظر فيه بعناية كبيرة داخل البرلمان “لعواقبه على السجناء الذين لهم العديد من الحقوق، وكذلك على مخاطر الفساد التي تحدث من خلال التدخل في تلك الحقوق وهو أمر تخشاه كييف”.
وأكمل قائلا: “لا أعتقد أننا سنرى تأثير ذلك على الخطوط الأمامية قريبا جدا، وبالتالي لا تسعى أوكرانيا إلى تكرار تجربة فاغنر الروسية، لأنه ليس من مصلحتها الاستعانة بمصادر خارجية أو شركات عسكرية خاصة، وخصوصا أنه لا تزال لديها إمكانات كبيرة للتعبئة من سكانها في الهياكل الرسمية للجيش الرسمي”.
وبشأن اعتراضات بعض قادة الجيش الأوكراني على هذا المقترح، شدد شليغل على أن “الجيش لا يزال هو المؤسسة الأكثر شعبية في البلاد، وحتى له شعبية أكبر من الحكومة، وبالتالي فمن نظرهم ليس من الضروري في الوقت الحالي الاستعانة بمصادر خارجية لمسؤولية القتال لشركة خاصة”، مشيرا إلى أن أوكرانيا تكافح لتعبئة وتدريب عدد كافٍ من الجنود في الوقت الحالي.
وأشار إلى أن التجربة الروسية غير صالحة للاستنساخ في أوكرانيا “إذ أن شركة عسكرية خاصة كانت منطقية بالنسبة لروسيا من أجل الإنكار المعقول لبعض العمليات التي تقوم بها في أوكرانيا أو خارجها، لكن في المقابل فأوكرانيا لا تحتاج إلى ذلك في الوقت الحالي”.
صعوبات وبحاجة لدعم
اعتبر نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك ملروي، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن مقترح تجنيد السجناء الذي جرى تقديمه بالبرلمان الأوكراني يظهر أنهم يواجهون صعوبة في مواكبة التجنيد في حرب مع دولة أكبر بكثير منهم.
ومع ذلك أوضح ملروي الذي سبق أن عمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، أن أوكرانيا لن يمكنها تكرر تجربة “فاغنر” في روسيا، مضيفا أن “أي شخص يخدم في جيشهم يجب أن يخضع لنفس المعايير التي يخضع لها أي جندي”.
وبيّن أن التعبئة في الجيش الأوكراني تأثرت بشكل فادح جراء عمليات القتال المستمرة منذ فبراير 2022، معتبرا ذلك “يظهر أنهم بحاجة إلى الدعم من الولايات المتحدة ليأتي على الفور”.
تجربة الاتحاد السوفيتي
يعتقد كبير محللي الشؤون الروسية في مجموعة الأزمات الدولية، أوليغ إغناتوف، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن أوكرانيا تسعى بالفعل لتكرار تجربة روسيا لمحاولة حشد عدد أقل من الأشخاص الذين يعملون في الاقتصاد أو لا يريدون القتال، وبالتالي يتم استبدالهم بالسجناء.
وأوضح إغناتوف أن: “كل من روسيا وأوكرانيا تكرران جزئيا تجربة الاتحاد السوفيتي، والتي سمحت خلال الحرب العالمية الثانية أيضا للسجناء بالحصول على الحرية مقابل المشاركة في الحرب، وبالتالي إذا حشدت أوكرانيا السجناء، فمن المحتمل أن يشكل الجيش الأوكراني، مثل الجيش الروسي، وحدات منفصلة خاصة بهم بعيدا عن وحدات القتال الرسمية”.
ولفت إغناتوف إلى أن الجيش الأوكراني يعاني من نقص خطير في الجنود على خط المواجهة، وأصبح هناك حاجة إلى التعبئة لتعويض الخسائر الكبيرة وتناوب الأفراد على خطوط القتال.