لا تقتصر العلاقة بين المصريين والذهب على النواحي الاقتصادية، بل تمتد إلى عمق التاريخ والثقافة. ينظرون إلى الذهب باعتباره ملاذ آمن في فترات الأزمات، ورمز للثراء والاستقرار المالي. هذا الربط العاطفي بين الشعب والمعدن النفيس يضفي على تأثيرات تحرير سعر الصرف طابعاً خاصاً أيضاً يمكن أخذه في الاعتبار لدى تحديد أبرز الاتجاهات المحتملة لأسعار المعدن النفيس.
شهدت أسعار الذهب ارتفاعات هائلة في الفترات السابقة، بدفع من ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية، لكن تباطؤ هذه الزيادة جاء بعد القرارات والخطوات الحكومية الأخيرة. من بين هذه الخطوات كان الإعلان مشروع رأس الحكمة، الذي يُعتبر أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر.
في ظل هذه التحولات، يتساءل الجميع عن مستقبل أسعار الذهب في مصر. هل ستشهد انخفاضًا نتيجة لتحرير سعر الصرف، أم ستواصل الارتفاع لتثبت نفسها كملاذ آمن يحتفظ بجاذبيته في ظل التحولات الاقتصادية؟
يتطلب فهم الاتجاهات المستقبلية لأسعار الذهب تحليلاً للظروف الاقتصادية العامة في مصر، مع النظر في كيفية استجابة الأسواق المحلية والدولية لتلك التحولات. فيما يترقب المصريون والمستثمرون مستقبل هذه السوق المهمة بتفاؤل وحذر في آن واحد، متسائلين إلى أين ستوجههم التحولات المستقبلية؟
الرؤية غير واضحة
من جانبه، يشير عضو شعبة الذهب في اتحاد الصناعات، المهندس رفيق عباس ، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن:
- تحديد سعر الذهب واتجاهاته الأساسية في مصر خلال المرحلة المقبلة لا يزال أمراً صعب التكهن به.
- الرؤية لا تزال غير واضحة في ضوء عدم ثبات مستوى أسعار الدولار حتى الآن عقب تحرير سعر الصرف.
- تحديد أسعار الذهب يتطلب استقرار في مستويات سعر صرف الدولار في ضوء ارتباط الذهب في مصر بالدولار.
ويشدد على ضرورة توافر الدولار بالأسعار المعلنة؛ حتى يدعم القدرة على تحديد توجهات الذهب ومستويات التسعير الخاصة به.
وأشار عضو شعبة الذهب في اتحاد الصناعات إلى أنه في حال استقرار الدولار عند مستويات الـ 50 جنيهاً، فإن الأمر يتطلب ضرورة توافر العملة الدولارية في حالة الطلب عند هذه المستويات حتى تتضح توجهات الأسعار الفترة المقبلة.
عدم إتاحة الدولار للمتعاملين من شأنه دفع السوق الموازية لعودة النشاط من جديد، بعد الضربة القوية التي تلقتها بداية من الإعلان عن مشروع رأس الحكمة ثم الإعلان عن القرارات الأخيرة المرتبطة برفع الفائدة في اجتماع استثنائي طارئ للمركزي، وتحرير سعر العملة وفق آليات العرض والطلب.
وبحسب آخر تحديث لأسعار الذهب، عصر الخميس، سجل الذهب عيار 24 حوالي 3657 جنيهاً، وعيار 21 يسجل 3200 جنيه (مقابل 3500 جنيه في الأسبوع السابق للإعلان عن مشروع رأس الحكمة)، وعيار 18 يسجل 2743 جنيها (مقابل 3 آلاف قبل المشروع). كما سجل الجنيه الذهب 25600 جنيه.
ورفعت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.25 بالمئة، 28.25 بالمئة و27.75 بالمئة، على الترتيب.
كما قرر المركزي المصري كذلك رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.75 بالمئة. وذلك في اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية.
الملاذ الآمن على المدى المتوسط
من جانبها، تشير عضو مجلس إدارة شركة الحرية لتداول الأوراق المالية، خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن:
- أسعار الذهب عالمياً ترتبط بقرار الفيدرالي الأميركي بخصوص سعر الفائدة.. ونظرياً يكون الاتجاه نحو رفع أسعار الفائدة تتجه أسعار الذهب نحو الهبوط بسبب دعم ذلك الاتجاه لقوة ومركز الدولار، والعكس.
- الذهب عالمياً أغلق أخيراً عند مستويات فوق الـ 2100 دولار للأونصة، بدعم من تصريحات رئيس الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، والإشارات المرتبطة بالإبقاء على السياسات المتشددة لفترة أطول من توقعات الأسواق.
- من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة وبالتحديد النصف الثاني من العام الجاري بدء خفض الفائدة ومن ثم وصول الذهب إلى مستوى 2500 دولار للأونصة مع انتهاج سياسة خفض الفائدة.
وعلى صعيد مصر، تلفت رمسيس إلى أن أسعار الذهب تختلف بصورة كبيرة جملة وتفصيلًا، في ظل ارتباطه بسعر الدولار في السوق الموازية والذي كان قد وصل إلى مستويات 70 جنيهاً للدولار الواحد.
وتوضح أنه مع تحرير الدولة لسعر الصرف، ومع دخول متحصلات دولارية من صفقة رأس الحكمة الفترة الماضية، تراجعت أسعار الذهب بصورة مؤقتة، ثم استرد عافيته بسبب التحوط من عدم وضوح الرؤية وهل سيتم القضاء على السوق الموازية والنجاح في ذلك من عدمه.
وتتوقع أن يشهد الذهب ارتفاعاً خلال المدى القصير والمتوسط في ظل دخول مواسم جديدة، مثل الأعياد والإقبال على شراء مشغولات ذهبية، فضلا عن دوره كملاذ آمن أكثر ثباتاً للكثيرين حتى في ضوء رفع أسعار الفائدة للتحوط من مخاطر التضخم، متوقعة وصول الذهب إلى مستوى 3000 جنيه لعيار 21.
سيولة
ويشار إلى أن مصر تشهد تدفقات دولارية تساعدها في سد الفجوة التمويلية التي كانت تمثل مشكلة عضال أمام الاقتصاد. من بين تلك التدفقات 10 مليارات دولار في حوزة الحكومة الآن من صفقة رأس الحكمة. فيما وافق صندوق النقد الدولي، الأربعاء، على زيادة قيمة قرض مصر إلى 8 مليارات دولار، من ثلاثة مليارات دولار، كان قد تم الاتفاق عليها في ديسمبر 2022.
وبحسب رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، فإن التوقيع على الاتفاق مع صندوق النقد، سيسمح للحكومة المصرية بالتقدم للحصول على قرض إضافي بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد الدولي، ليصبح المجموع الكلي نحو 9 مليارات دولار.