وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لحرمان بكين، من الوصول إلى تكنولوجيا تصنيع الرقائق الإلكترونية المتطورة، تمكنت الصين وخلال عام 2023 من تحقيق اختراق كبير في هذا المجال، مع قيام شركتيْ SMIC وهواوي بتطوير رقائق متطورة بدقة تصنيع 7 نانوميتر.
اختراق جديد يلوح في الأفق
ويبدو أن التقدم الصيني في مجال إنتاج الرقائق المتطورة يتقدم بخطى ثابتة في 2024، حيث كشف تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز، أن شركة SMIC الصينية تقوم بإنشاء خطوط إنتاج جديدة، لتصنيع شرائح بدقة 5 نانوميتر لشركة هواوي، وهو الأمر الذي يعتبر اختراقاً كبيراً جديداً للصين، وضربة أخرى للقيود والعقوبات الأميركية.
فمن خلال القيود، حاولت أميركا إبقاء الصين متخلفة عنها بنحو 8 سنوات في صناعة المعالجات، عبر إيقافها عند دقة تصنيع 14 نانوميتر، لتأتي رقاقة الـ 7 نانوميتر الصينية، وتقلّص نسبة تأخر بكين عن التكنولوجيا الأميركية الأكثر تقدماً، إلى خمس سنوات، والآن وفي حال نجحت الصين في إنتاج رقاقة الـ 5 نانوميتر، فهذا يعني أنها قلّصت نسبة تأخرها عن أميركا إلى نحو 4 سنوات.
وفي عالم صناعة الرقائق الإلكترونية، كلما كان رقم النانوميتر أقل، كانت الرقاقة أقوى وذات قدرات أكبر، حيث يؤدي تقليل حجم النانوميتر، إلى إنتاج رقائق أكثر قوة وكفاءة، وقادرة على دعم متطلبات الذكاء الاصطناعي، وتقنية الجيل الخامس.
عقبات هائلة تواجه الرقائق الصينية
ولكن، ورغم أن الصين تسير حالياً في مسار متسارع، لتطوير صناعة رقائق محلية متطورة، فإنها تواجه في الوقت عينه عقبات هائلة، قد تطيح بكل ما فعلته في هذا المجال، وتتمثل هذه العقبات في الكلفة المرتفعة التي تتكبدها في عملية إنتاج الرقائق، إضافة إلى مشكلة انخفاض عدد الرقائق القابلة للاستخدام بعد عملية الإنتاج، وهو ما يجعل العائد عن هذه الصناعة منخفضاً جداً، ويسلبها القدرة على المنافسة في السوق العالمية.
وبحسب ما نقلت صحيفة فاينانشال تايمز، عن ثلاثة أشخاص مقربين من شركات الرقائق الصينية، فإن شركة SMIC الصينية اضطرت إلى فرض رسوم إضافية، بنسبة تتراوح بين 40 أو 50 بالمئة على الرقائق المصنعة، بدقة 5 و7 نانوميتر، مقارنة بأسعار الشرائح التي تنتجها شركة TSMC التايوانية، والتي هي بنفس دقة النانوميتر.
أسلوب مُكلف وذو عيوب
ويعود السبب الأساسي للعقبات التي تواجهها الصين في عملية إنتاج الرقائق المتطورة، للقيود الأميركية التي حرمتها ومنذ عام 2021 من الحصول على الآلات الحديثة، التي يمكنها إنتاج هذا النوع من الرقائق، وهذا ما دفع الصين، إلى استحداث أسلوب، يتمثل في دمج وتطوير الآلات القديمة، التي تمتلكها، بشكل يتيح لها تصنيع رقائق متطورة بدقة 7 و5 نانوميتر.
ولكن هذا الأسلوب الذي استحدثته الصين مكلف للغاية من الناحية المادية، كما أن استخدام معدات قديمة لإنتاج رقائق متطورة، ينتج عنه الكثير من الرقائق غير القابلة للاستخدام، وهذا الخلل يظهر بعد عملية الإنتاج.
50 بالمئة من الإنتاج يتم رميه
يقول خبير التحول الرقمي رودي شوشاني، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الآلات القديمة لإنتاج الرقائق، وحتى لو تم دمجها وتجديدها، هي الآت غير مصممة لإنتاج رقائق متطورة، وخصوصاً رقائق بتقنية 5 نانوميتر، فعملية تصنيع الرقائق الإلكترونية، التي هي عبارة عن قطعة صغيرة من السيليكون، هي عملية دقيقة ومعقدة جداً، وتتطلب ظروف ضغط وتركيز، ونظافة عالية تضمن الجودة والمتانة والموثوقية، مشيراً إلى أن ما بين 40 إلى 50 بالمئة من الرقائق، التي تنتجها الآلات الصينية القديمة، يتم رميها لكونها غير قابلة للاستخدام.
سبب العيوب في الشرائح
ويشرح شوشاني أن الآلات القديمة التي تستخدمها الصين حالياً، لتصنيع رقائق صغيرة متطورة بدقة 7 و5 نانوميتر، هي الآت لا تعمل بالدقة اللازمة، ومخصصة بالأساس لإنتاج رقائق قديمة وأكبر حجماً، وهذا ما يؤدي إلى ظهور عيوب كبيرة، تدفع المُصنّعين الصينيين، إلى رمي 5 من كل 10 رقائق يقومون بإنتاجها، هذا إضافة إلى مشكلة الكلفة التشغيلية المرتفعة، لعملية الإنتاج عبر الآلات القديمة، وبالتالي فإن هذه الأسباب تؤدي إلى ارتفاع سعر الرقاقة الصينية المتطورة، مقارنة بأسعار الرقائق غير الصينية.
السعر أعلى بنسبة 100 بالمئة
ويكشف شوشاني أن كلفة تصنيع رقاقة بدقة 5 نانوميتر من قبل شركة TSMC التايونانية، يتراوح بين 100 و120 دولاراً، في حين أن كلفة تصنيع الرقاقة نفسها من قبل شركة SMIC الصينية أعلى بنسبة 100 بالمئة، وذلك بعد احتساب الكلفة التصنيعية للرقائق التي تم رميها، إضافة للكلفة التشغيلية المرتفعة للآلات القديمة، مشيراً إلى أنه في الوضع الحالي، فإن الصين لا تملك التكنولوجيا الحديثة، التي تتيح لها تحقيق تقدم في مجال تخفيض الكلفة، والحصول على الجودة المطلوبة، دون الحصول على الآلات المتطورة لتصنيع الرقائق التي تنتجها، شركات مثل ASML و Canon وNikon والتي تم حرمانها منها بموجب القيود الأميركية.
خيارات إنقاذ الرقائق الصينية
ويرى شوشاني أن الخيارات المتاحة أمام الصين، لإنقاذ صناعة الرقائق لديها، تتمثل في القيام بمزيد من الاستثمارات، في مجال البحث والتطوير المرتبطين بهذه الصناعة، وجذب مواهب من الخارج والعمل مع الجامعات، ومراكز البحث لتحقيق التقدم المطلوب في هذا المجال، والذي قد يكون في الوصول إلى طريقة جديدة لإنتاج الرقائق الإلكترونية، خصوصاً إن كانت الصين تعتبر أن صناعة الرقائق مرتبطة بأمنها القومي، مؤكداً أن شركتيْ هواوي و SMIC، لن تتوقفا عن تطوير وتصنيع الرقائق، حتى لو كلفهما الاستثمار في هذا المجال أموالاً باهظة.
هدف صيني لن تثنيه الخسائر
من جهته يقول المطور التكنولوجي جوزف زغبي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن هناك إجماعاً اليوم، على أن دور صناعة الرقائق، أصبح محورياً بدرجة غير مسبوقة، لكونها مرتبطة بتحقيق تقدم في صناعات متعددة، مثل الهواتف الذكية والأسلحة والمعدات العسكرية وغيرها الكثير، وبالتالي فإن الصين لا يمكنها الاستسلام تحت الضغط الأميركي الذي يمارس عليها، لحرمانها من تحقيق التقدم في هذه الصناعة، فهذا الأمر سيؤدي إلى تخلّف الصناعات الصينية، مقارنة بنظيراتها الأجنبية، ومن هنا يمكن التأكيد على أن الصين مستعدة لإنفاق مئات المليارات من الدولارات، لدعم صناعة الرقائق المحلية لديها، وتحمّل كلفة الإنتاج المرتفعة جداً، والخسائر الناتجة عن الرقائق غير القابلة للاستخدام، ولكنها لن تتخلى عن هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة الرقائق.
أسعار غير منافسة
ويؤكد زغبي أن شركتيْ SMIC وهواوي، ستستمران وبدعم من السلطات الصينية، في إنفاق الأموال على عملية تطوير الرقائق، ولكن في النهاية، ستستمر تكاليف الإنتاج في الارتفاع، مع كل جيل جديد من الرقائق، وذلك ما لم تتمكن بكين من تأمين بديل، عن آلات تصنيع الرقائق التي مُنعت من الوصول إليها بسبب أميركا، مشدداً على أن الإنتاج الصيني من الرقائق المتطورة، سيكون غير قادر على منافسة الإنتاج العالمي من ناحية الأسعار، ولكن بالنسبة للسلطات الصينية فإن هذا الأمر لن يكون مهماً ما دام الإنتاج المحلي، مخصصا للحفاظ على مواكبة التقدم التقني الحاصل في العالم.