انخفضت أسعار الصادرات الصينية بأسرع معدل لها منذ الأزمة المالية في العام 2008، مما يشير إلى أن أكبر مصدر في العالم بدأ في تصدير انكماش الأسعار إلى الخارج .
وبحسب ما نقلته الصحيفة عن مدير المحافظ الرئيسي في صندوق تمبلتون للاستثمار في الأسواق الناشئة (وهو صندوق مدرج في المملكة المتحدة)، شيتان سيغال “ستصدر الصين انكماش الأسعار إلى بقية العالم، وستجد عديد من البلدان تتعامل مع حقيقة أن الصين قامت ببناء طاقة فائضة”.
- وانخفضت أسعار المستهلكين في الصين بأسرع معدل سنوي منذ 15 عاماً في يناير، حيث خسرت 0.8 بالمئة، في حين انخفض مؤشر أسعار المنتجين في البلاد بنسبة 2.5 بالمئة على أساس سنوي.
- ويتوقع عدد قليل من الاقتصاديين أن تسجل الاقتصادات المتقدمة انخفاضات مماثلة في الأسعار، لكن الكثيرين يعتقدون بأن تباطؤ الاقتصاد الصيني يمكن أن يكون له تأثير كبير في الأسواق الناشئة، وخاصة تلك التي لها علاقات تجارية كبيرة مع بكين.
تأثير الصين
الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، أوضح في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الصين أحد أعمدة الاقتصاد العالمي، ومن ثم، فإن أي تباطؤ في اقتصادها يثير تساؤلات حول تأثيراته المحتملة على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك خطر “تصدير الانكماش”.
وأضاف أرشيد أن تراجع مستويات الأسعار على نطاق واسع، يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية على النمو الاقتصادي، حيث يؤدي إلى تقليص الاستهلاك والاستثمار بسبب توقعات الأفراد والشركات بمزيد من الانخفاض في الأسعار.
وأكمل أرشيد أنه بالنظر إلى البيانات والإحصاءات، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني قد تباطأ في السنوات الأخيرة، من ذروة تجاوزت 10 بالمئة في بعض السنوات إلى معدلات أقل في الوقت الحالي. هذا التباطؤ له تأثيرات متفاوتة على الاقتصادات الأخرى، اعتمادًا على درجة تكاملها مع الاقتصاد الصيني.
الأسواق الناشئة
ونقل تقرير فاينانشال تايمز عن محللي سيتي غروب، قولهم إن انخفاض الأسعار في الصين يمكن أن يساعد في تسريع تحركات البنوك المركزية في الأسواق الناشئة لخفض أسعار الفائدة هذا العام، خاصة في البلدان التي تستهلك حصصا كبيرة نسبيا من البضائع الصينية.
وقال الرئيس العالمي لاستراتيجية الديون السيادية للأسواق الناشئة في سيتي غروب، لويس كوستا: “نحن كمستثمرين بدأنا للتو في ربط النقاط” حول كيفية تأثير انخفاض الأسعار المستوردة من الصين على الأسواق.
- كانت السلع الصينية منخفضة التكلفة سمة من سمات التجارة العالمية منذ انضمام بكين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001.
- ولكن ضعف الطلب المحلي نتيجة للانهيار العقاري الذي طال أمده في الصين وضعف الرنمينبي يدفعان المستثمرين إلى التنبؤ بأن الصادرات يمكن أن تكون عاملاً قوياً بشكل خاص. القوة هذا العام.
عقبات إضافية
المحلل الاقتصادي في صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أنور القاسم، توقع أن تكون هناك عقبات إضافية للاقتصاد الصيني خلال العام الجاري في ظل الضبابية التي تخيم على آفاق الاقتصاد العالمي، ومع الحروب التجارية بعد تراجع الصادرات في العام الماضي بواقع 5.5 بالمئة على أساس سنوي، علاوة على الآثار الممتدة لأزمة العقارات التي طال أمدها، وفي خط متواز مع حذر المستهلكين.
تضاف إلى ذلك أيضاً التحديات الجيوسياسية، وجميعها كلها عوامل تشير إلى عام مليء بالمطبات لثاني أكبر اقتصاد في العالم، فحسب القاسم الذي أكد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” على أن سياسة الاستقطاب قد تضر بالاقتصاد العالمي الذي يعاني أيضا من تضخم غير مسبوق.
ووفق رئيس الاستراتيجيات الكلية في FIM Partners، تشارلز روبرتسو، فإن احتمال تصدير الصين للانكماش مهم للاقتصادات النامية لأنه “من المحتمل أن تؤدي طفرة الصادرات الصينية الكبيرة في عام 2024 إلى طلب مستدام على سلع أميركا اللاتينية أو إفريقيا أو كازاخستان أو إندونيسيا”؟
توقعات مختلفة
ولا يعتقد جميع الاقتصاديين بأن انخفاض الأسعار القادم من الصين سيكون لها تأثير كبير على الأسعار العالمية. وقالت هيلين تشياو ومياو أويانغ، الاقتصاديان في بنك أوف أميركا، إن أسعار الصادرات الصينية من غير المرجح أن تؤثر بشكل كبير على أسعار المستهلكين في الاقتصادات المتقدمة.
وأضافوا: “بالنسبة للولايات المتحدة، نقدر أن حصة الواردات الصينية في إجمالي استهلاك السلع الأميركية أقل من 5 بالمئة – وتمثل السلع حوالي 40 بالمئة من سلة مؤشر أسعار المستهلك الأميركي”.
كما قال كبير الاقتصاديين الأميركيين في بنك سانتاندر، ستيفن ستانلي، إن أي تأثير من المرجح أن يكون محدوداً، مردفاً: “إن أكبر قوة انخفاض في أسعار السلع هنا في الآونة الأخيرة كانت السيارات المستعملة، والتي لا علاقة لها بالصين”.
لكن بعض الاقتصاديين يعتقدون بأن واردات الولايات المتحدة من الصين يتم احتسابها بأقل من قيمتها الحقيقية، وهو ما قد يجعل التأثير على الأسعار أكبر مما قد يبدو. في السنوات الأخيرة على سبيل المثال، كانت البيانات التجارية للصين تشير إلى أنها تصدر عشرات المليارات من الدولارات أكثر مما تقدر الولايات المتحدة وارداتها، كما أشار براد سيتسر، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية
وفي الوقت نفسه، فإن الصادرات الصينية الرخيصة ستزيد من حدة الشكاوى بين المصنعين الغربيين بشأن المنافسة غير العادلة. وقال محللو كابيتال إيكونوميكس يوم الخميس إن الصادرات الصينية لا تزال تواجه عقبات هذا العام لأنها “عرضة لمزيد من الحمائية التجارية، حيث بدأت مكاسب الصين الأخيرة في حصة السوق العالمية تواجه تراجعًا متزايدًا في الخارج”، وفق تقرير الصحيفة.
وقال روبرتسون: “إن التهديد الرئيسي الأكثر وضوحاً هو الأسواق المتقدمة – لأن الصين تتحرك صعوداً على منحنى القيمة المضافة إلى التصنيع المتطور”.
مؤشرات واضحة
ويعلق القاسم هنا: “لو نظرنا الى التجارة بين الصين وروسيا العام الماضي فقد بلغت أكثر من 240 مليار دولار، متجاوزة الهدف البالغ 200 مليار دولار الذي حدده البلدان الجاران في اجتماعات ثنائية العام الماضي. وتمثّل الأرقام زيادة قدرها 26.3 في المئة بمقارنة سنوية.
ويستطرد: “في المقابل بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين 664 مليار دولار العام الماضي، في انخفاض نسبته 11.6 في المئة، وهو أول تراجع منذ عام 2019”.
ويلفت القاسم إلى أنه رغم نمو اقتصاد الصين بنسبة 5.2 بالمئة للعام الماضي، محققًا الهدف الرسمي البالغ حوالي 5 بالمئة، لكن التعافي بدا غير مستقر بصورة أكبر مما توقعها المستثمرون.
تأثير الاقتصاد الصيني
فيما يؤكد أرشيد أن الاقتصاد الصيني، بوصفه ثاني أكبر اقتصاد في العالم، له تأثير كبير على الاقتصاد العالمي من خلال مجموعة من القنوات، بما في ذلك التجارة والاستثمار والأسواق المالية. عندما يتباطأ الاقتصاد الصيني، قد يؤدي ذلك إلى تراجع الطلب على السلع والخدمات العالمية، وهو ما يمكن أن يضغط على الأسعار ويؤدي إلى ضغوط انكماشية في اقتصادات أخرى، خاصة تلك الاقتصادات التي لديها روابط تجارية قوية مع الصين.
وضرب مثالًا على ذلك “يمكن النظر إلى تأثير تباطؤ الطلب الصيني على أسواق السلع الأساسية. الصين هي أكبر مستهلك لعديد من السلع الأساسية، بما في ذلك المعادن والطاقة. تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على هذه السلع، مما يؤثر سلبًا على الأسعار العالمية لها ويمكن أن يؤدي إلى ضغوط انكماشية في الدول المصدرة لهذه السلع”.
ويكمل أرشيد أنه من المهم النظر في السياق الأوسع، فالانكماش لا ينتقل بين الاقتصادات بشكل أوتوماتيكي فتأثير الصين على الاقتصاد العالمي يعتمد على مجموعة من العوامل:
- سياسات الحكومات والبنوك المركزية في مواجهة هذه التحديات. على سبيل المثال، في مواجهة ضغوط انكماشية، قد تتخذ البنوك المركزية إجراءات لتحفيز الاقتصاد، مثل خفض أسعار الفائدة أو زيادة الإنفاق الحكومي.
- يعتمد أيضا تأثير تباطؤ الاقتصاد الصيني على الاقتصاد العالمي على مدى استجابة الأسواق والحكومات الأخرى. على الرغم من أن الصين قد تسهم في زيادة الضغوط الانكماشية عالميًا من خلال تقليص الطلب على الواردات وانخفاض أسعار السلع، إلا أن العديد من الاقتصادات لديها أدوات للتخفيف من هذه التأثيرات. يمكن أن تشمل هذه الأدوات التدابير النقدية والمالية التي تهدف إلى تحفيز النمو ودعم الأسعار.
- من المهم أيضًا ملاحظة أن الصين تعمل بنشاط على تحويل نموذج نموها الاقتصادي من الاعتماد على الاستثمار والصادرات إلى زيادة الاعتماد على الاستهلاك المحلي. هذا التحول قد يساعد في تقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية ويقلل من تأثير الانكماش الذي قد ينتج عن تباطؤ الطلب الخارجي على الصادرات الصينية.
- على الصعيد العالمي، يتعين على الدول الأخرى أيضًا التكيف مع التحولات في الاقتصاد الصيني وتأثيراتها. على سبيل المثال، الدول المصدرة للسلع الأساسية التي تعتمد بشكل كبير على الطلب الصيني قد تحتاج إلى تنويع اقتصاداتها وأسواقها الخارجية لتقليل التعرض للمخاطر الناجمة عن تباطؤ الاقتصاد الصيني.
تأثير واضح
وأعلنت شركة BYD، أكبر شركة لصناعة السيارات في الصين، مؤخراً عن تخفيضات في أسعار سياراتها الكهربائية بنسبة تتراوح بين 5 و15 في المائة في ألمانيا، بعد أن حذرت شركة مرسيدس بنز في أواخر العام الماضي من أن أرباحها تضررت بسبب حرب الأسعار “الوحشية” في السيارات الكهربائية.
وقال البنك المركزي الألماني في تقرير الشهر الماضي إن كل شركات التصنيع الأخرى تقريبًا في ألمانيا التي شملها الاستطلاع الذي أجراه البنك المركزي الألماني في العام الماضي اعتمدت على الإمدادات الصينية للمدخلات الوسيطة المهمة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.