وفي شهادات أهالي المنوفية المتضررين لموقع “سكاي نيوز عربية”، يقول محمد عبد الرازق، مزارع من قرية دلهمو بالمنوفية، إن المياه ارتفعت بشكل مفاجئ خلال ساعات الليل، مضيفا: “لم يتخيل أحد أن يغمر النيل الأرض بهذا الشكل، المحصول راح والبيوت تأثرت”.
أما أحمد بسيوني، من إحدى قرى البحيرة، فأكد أن الأهالي فوجئوا بتسرّب المياه إلى منازلهم رغم محاولات التحصين بالرمال: “اللي زرعنا تعب سنة كاملة، وفي لحظة تغطى كله بالمياه”.
وتكررت المشاهد ذاتها في قرى أخرى بمحافظتي البحيرة والمنوفية، حيث اضطر عدد من الأهالي لاستخدام القوارب الصغيرة والطوافات للتنقل بين المنازل، فيما رفض آخرون مغادرة بيوتهم رغم التحذيرات، مؤكدين أن “الأرض هي كل ما يملكونه”، ورغم ذلك، أكدت الحكومة أنها كانت قد أصدرت تحذيرات مسبقة للأهالي من مخاطر الإقامة داخل حرم النهر.
وحذر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في تصريحات رسمية قبل يومين، إن الأراضي الواقعة في نطاق طرح النهر “معرّضة للغمر خلال موسم الفيضان الحالي”، مشددًا على ضرورة التزام المواطنين بالتعليمات حفاظًا على أرواحهم وممتلكاتهم، لاسيما بعد زيادة تصريف المياه القادمة من الهضبة الإثيوبية نتيجة الفتح الأحادي لأبواب سد النهضة.
من جهتها، أوضحت وزارة الري أن فرقها الميدانية تعمل على مراقبة المناسيب وتقديم الدعم الفني للمحافظات المتضررة، بالتنسيق مع وحدات الحماية المدنية، لتقليل حجم الخسائر وإنقاذ المرافق الحيوية. فيما أكد متحدث محافظة المنوفية أن الدولة بدأت في حصر الأضرار وتعويض المتضررين جزئيًا، مع اتخاذ إجراءات لإزالة التعديات داخل حرم النيل في القرى المنخفضة.
وفيما يستمر الأهالي في محاولة إنقاذ ما تبقى من محاصيلهم ومنازلهم، يرى خبراء الري أن هذه الحوادث تكشف عن الحاجة الملحة إلى تسريع تنفيذ مشروع النهر الجديد، كأحد البدائل الاستراتيجية لمواجهة التقلبات المناخية وتحسين إدارة المياه في مواجهة الأزمات المستقبلية.
ما هو “النهر الجديد”؟.. مصدر يوضح أهداف المشروع
كشف مصدر مسؤول بوزارة الموارد المائية والري المصرية في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” أن مشروع “النهر الجديد” يُعد أحد أهم المشروعات المائية التي تنفذها الدولة حاليا لتعزيز أمنها المائي والزراعي، موضحا أنه يمثل “شريانا مائيا موازيا لنهر النيل يربط بين الدلتا الجديدة ومدينة الشيخ زايد غرب القاهرة”.
وقال المصدر إن المشروع يعتمد على نقل المياه المعالجة من محطات كبرى مثل بحر البقر والمحسمة عبر مسار هندسي يمتد لأكثر من 170 كيلومترا، لتغذية مناطق التوسع الزراعي في الدلتا الجديدة وشرق العوينات، وصولا إلى التجمعات العمرانية الحديثة في الشيخ زايد و6 أكتوبر.
وأضاف أن النهر الجديد ليس مجرد قناة مائية، بل مشروع متكامل لإعادة توزيع التنمية الزراعية والعمرانية، إذ يتضمن إنشاء محطات رفع عملاقة وشبكات ري حديثة تعتمد على تكنولوجيا التحكم الذكي لتقليل الفاقد وضمان استدامة الإمدادات المائية على مدار العام.
أصوات الخبراء بين الضرورة والمخاطر
يقول عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” إن مشروع النهر الجديد “ليس مجرد مشروع زراعي، بل خطوة استراتيجية لإعادة توزيع الضغط السكاني والمائي، وتقليل الاعتماد الكامل على دلتا النيل التي تواجه خطر التملّح وتغير المناخ”، لكنه في الوقت ذاته يشدد على أهمية ضمان استدامة مصادر المياه المستخدمة، وعدم استنزاف الخزان الجوفي بشكل مفرط.
ويرى شراقي، أن المشروع يُمثل “ردا عمليا” على التحديات القادمة من أعلى النيل، لاسيما بعد تصرفات إثيوبيا الأحادية في تشغيل سد النهضة، مضيفا أن القاهرة “باتت تدرك أن ضمان أمنها المائي لن يتحقق فقط عبر المفاوضات، بل من خلال الاستثمار في مشروعات داخلية ضخمة تضمن الاستفادة المثلى من كل قطرة مياه”.
مشروع المستقبل وسط تحديات الحاضر
تسعى القاهرة من خلال هذا المشروع إلى خلق واقع مائي جديد يضمن تنمية مستدامة ويقلل من تبعية البلاد لمصادر خارج حدودها، وبينما يرى مؤيدو المشروع أنه “خطوة ضرورية للأمن القومي”، يحذر آخرون من أن نجاحه مرهون بتطبيق صارم لسياسات إدارة المياه والشفافية في تمويله وتشغيله.
ورغم التحديات، يبدو أن الدولة المصرية ماضية في طريقها، مدفوعة برؤية تعتبر المياه قضية بقاء لا تنمية فقط، فبين سد النهضة شمالا وفيضانات السودان جنوبا، تتحرك القاهرة لتكتب فصلا جديدا في معادلة النيل، فصل عنوانه النهر الجديد، مشروع البقاء في زمن الأزمات المائية.