ولإيضاح ضخامة الرقم، تكفي الإشارة إلى أن هذه الإيرادات تعادل حجم اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا والصين والهند والبرازيل وكندا مجتمعين.
لكن خلف هذه القوة الهائلة تكمن إشكاليات معقدة تتعلق بالحوكمة والخلافة وإدارة الثروات، وهو ما تطرق إليه الرئيس المشارك للإمارات والسعودية والبحرين وعُمان في “لومبارد أودييه”، عبودي ناجيا، خلال حديثه إلى برنامج “بزنس مع لبنى” على سكاي نيوز عربية.
إمبراطوريات الأرقام
تشير المعطيات إلى أن هناك نحو 300 مليون شركة عائلية حول العالم، تمثل نحو 90 بالمئة من إجمالي الشركات، وتوظف ما يقارب ملياري شخص، أي نحو 60 بالمئة من إجمالي الوظائف عالميًا. أما أكبر 500 شركة عائلية فقد حققت وحدها في العام الماضي إيرادات بلغت 8.8 تريليون دولار، ويعمل فيها 25 مليون موظف.
المثير أيضًا أن هذه الشركات ليست مجرد كيانات اقتصادية حديثة، بل بعضها يمتد لقرون. شركة المقاولات اليابانية تاكيناكا على سبيل المثال، تُعتبر الأقدم بتاريخ يمتد إلى 415 عامًا، تليها شركة الأدوية الألمانية ميرك التي تأسست قبل 356 عامًا. هذه الأمثلة تبرز كيف استطاعت بعض الشركات العائلية أن تعبر أجيالًا متعاقبة محافظة على حضورها القوي.
أزمة الخلافة.. التحدي الأخطر
في معرض حديثه، شدد عبودي ناجيا على أن التحدي الأكبر أمام هذه الشركات يتمثل في غياب خطط الخلافة. ووفقًا لما ذكره، فإن أقل من 1 بالمئة من الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي لديها خطط واضحة لانتقال القيادة بين الأجيال. هذه النسبة المتدنية تعكس هشاشة حقيقية، تجعل مستقبل الكثير من هذه الكيانات مرهونًا بقرارات فردية أو نزاعات داخلية.
وأضاف ناجيا أن نحو 79 بالمئة ممن وضعوا خططًا للخلافة كانوا قد خططوا لتغيير المستشارين العاملين مع هذه الشركات، وهو ما يعكس سعيًا للبحث عن خبرات جديدة أكثر توافقًا مع المتغيرات. كما أشار إلى أن حوالي 80 بالمئة من هذه الشركات تمتلك مكاتب عائلية لإدارة ثرواتها، نصفها تقريبًا يرتكز في الإمارات، فيما تبلغ النسبة 70 بالمئة في السعودية.
إشراك الأجيال الجديدة
أكد ناجيا أن الأجيال القادمة يجب أن تشعر بالانخراط في هذه الأعمال لضمان استمراريتها. لذلك، تبنت بعض الشركات برامج خاصة لإعداد الجيل الجديد وتمكينه من تولي المناصب القيادية. ورأى أن الأجيال المقبلة سيكون لها توجه مختلف، يعتمد على الاستدامة والابتعاد عن الأنماط التقليدية في الإدارة.
ومن المؤشرات اللافتة في هذا السياق أن نحو ثلث الأدوار القيادية في الشركات العائلية باتت تُشغل من قبل نساء، وهو تحول اعتبره ناجيا إيجابيًا ومشجعًا، مع توقع أن يتوسع أكثر خلال السنوات القادمة.
الحوكمة.. بين الشفافية والممانعة
غياب الحوكمة عن كثير من الشركات العائلية برره ناجيا بأن العديد من العائلات لا ترغب بالخوض في هذه المسائل لما تجلبه من مساءلة وشفافية. فالحوكمة تعني إرساء قيم جديدة وفتح المجال أمام رقابة ومحاسبة، وهو ما قد لا يتماشى مع طبيعة بعض العائلات التي تفضل السرية.
لكنه شدد على أن هذه العقلية يجب أن تتغير، وأن الحوار حول الحوكمة والمكاتب العائلية ضرورة لا مفر منها لضمان استدامة الأعمال عبر الأجيال. فكلما كانت العائلات مستعدة للتعامل مع الأجيال الجديدة وتبني بيئات حديثة وبيروقراطيات شفافة، زادت فرص تجنب الصراعات الداخلية.
التحولات القادمة
توقع ناجيا أن تشهد السنوات المقبلة تحولات كبيرة في الشركات العائلية، خاصة مع انتقال ثروات تُقدر بنحو تريليون دولار بين الأجيال من الآن وحتى عام 2030. ورأى أن هذه الشركات ستواصل لعب دور محوري في اقتصاد الخليج والعالم، مع تزايد انخراطها في أسواق المال واستقطاب شركاء خارجيين.
كما أكد أن الشركات العائلية تاريخيًا حققت عوائد مرتفعة وظلت دعامة أساسية للاقتصاد، وهي اليوم أمام فرصة لإعادة تعريف دورها وضمان استدامتها من خلال استيعاب المتغيرات العالمية.
بين الأرقام الهائلة التي تكشف عن سطوة الشركات العائلية على الاقتصاد العالمي، والتحديات البنيوية التي تواجهها من خلافة وحوكمة وتغيرات ثقافية، يظل السؤال الأساسي: كيف يمكن لهذه الإمبراطوريات أن تحافظ على حضورها في عالم يتغير بسرعة؟
الإجابة، كما يرى عبودي ناجيا، تكمن في شجاعة هذه العائلات على مواجهة الملفات الحساسة، والانفتاح على الأجيال الجديدة والشفافية. وإلا فإن التحولات الضخمة المرتقبة حتى 2030 قد تتحول من فرصة للنمو إلى مصدر أزمات تهدد بقاء هذه الإمبراطوريات.